الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صفقة نهاية العمر

صفقة نهاية العمر
4 فبراير 2010 19:20
أحيل اللواء العيسوي إلى التقاعد من عمله بالشرطة بعد بلوغه الستين، وتلك سنة الحياة، لكن النهاية كانت على غير ما يتمنى محبوه بعد حياة حافلة في مطاردة المجرمين والقبض على القتلة وضبط الخارجين على القانون والسهر لتحقيق الأمن والاستقرار، وكان التقاعد بداية لحياة جديدة، وإن كانت مختلفة، فقد اعتاد الحركة والنشاط، ولا يميل إلى النوم والكسل، هكذا تعلم في رحلته العملية، لذ لا يرضى بأن يصبح على الهامش، ويود أن يستمر عطاؤه ولو في مجال آخر، وقد حصل على مبلغ كبير كمكافأة نهاية الخدمة، بجانب ما ادخره وما ورثه، حيث انه من أسرة ثرية وقرر أن يفتتح شركة للاستيراد ولم يضيع وقتا في تأسيسها، مجرد إجراءات بسيطة، ومقر كان جاهزا وبدأ مشروعه في تجارة الأقمشة المستوردة من الخارج، وراجت تجارته واتسعت دائرة تعاملاته خلال عام واحد فقط ووضع يديه على أسرار المهنة وثبت قدميه في دنيا الأعمال، وأخيرا حصل على صفقة كبرى كان يطلق عليها صفقة العمر، قيمتها ثلاثة ملايين جنيه، استوردها وبدأ يبحث عن مشترين لها بالجملة، ليحقق ربحا كبيرا وسريعا، فأعلن في الصحف عنها، لكن المفاجأة انه لم يتلق أي اتصال جاد، باستثناء بعض الاستفسارات والتساؤلات حول النوعية والأسعار وكيفية التعامل، وكانت العروض هزيلة، معظمها يطلب أجزاء من الصفقة بنظام البيع بالأجل، أي حين ميسرة، ولحين تصريف البضاعة، لكن الرجل رفض كل هذه العروض وآثر الانتظار. وجاءت لحظة ظنها الفرج عندما دخل عليه شاب في الخامسة والعشرين يتحدث بلباقة وإقناع وقدم له نفسه على أنه مندوب مبيعات ويعمل في مجال الأقمشة ولديه خبرة واسعة في الأنواع والأسعار، وازداد إعجابه بالشاب عندما بدأ يناقشه في الأنواع التي لديه واطمأن للتعامل، وقال له الشاب انه لا يملك أموالا للشراء وإنما سيكون وسيطا وسيأتيه بمن يشتري كامل الصفقة، مقابل أن يحصل على عمولة بنسبة عشرة بالمئة وتم الاتفاق، وانتهى اللقاء بعد واجب الضيافة والتعارف وتبادل الأرقام الهاتفية المحمولة، ثم تعددت اللقاءات بلا تقدم، فلا وجود لتاجر ولا إتمام لصفقة، غير المماطلة والمزيد من الوعود التي لا تسمن ولا تغني من جوع، حتى ضاق به وأصابه الملل من كثرة كلامه، وبدأ يتوعده ويهدده بقطع التعامل معه إذا لم يحسم موقفه بإحضار مشتر في وقت قريب، وضرب له موعدا نهائيا في مساء الغد. وبالفعل توجه الشاب إلى الشركة، وكان اللواء يجلس في مكتبه ومعه بعض العملاء، والعامل والسكرتيرة، لكنه أثر عدم الكلام أمامهم وقال انه سينصرف ويعود بعد ساعة حتى يكون المكان خاليا. وعندما عاد كان له ما أراد فلا يوجد غير صاحب الشركة بمفرده، جلس أمامه وهو يزف إليه الخبر السار لقد عثر على تاجر كبير سوف يشتري الكمية كلها مرة واحدة وسوف يحضر بعد ساعة أي عند منتصف الليل تقريبا، استبشر الرجل خيرا لعل وعسى وقد أفلح أن صدق، وفي نهاية الحوار طلب الشاب “حقه” في العملية، قال انه يريد عمولته، أو على الأقل 50 ألف جنيه الآن على ألا يخبر التاجر بها لأنه يريد أن يحصل منه هو الآخر على عمولة ثانية، ولم يكن الرجل ساذجا فلم يستجب لمطلبه، غير أنه اكد مجددا موافقته على العمولة ولكن بعد أن يتم البيع. وتغيرت لغة الحوار وتحولت إلى مشادة كلامية ساخنة، فقد فطن الرجل إلى أن الشاب مازال يتلاعب به وانه يشتم رائحة الكذب في كلامه، فانهال عليه توبيخا وتعنيفا وواجهه بظنونه، لكن الشاب حاول ان ينفي كل ذلك، ويعود ليؤكد أن الدقائق القليلة التالية سوف تثبت صدق ما يقول وانه مصر على الحصول على حقه الآن، ويكاد الرجل يفقد أعصابه لكنه في النهاية يسيطر على تصرفاته ويمنحه مهلة ليحضر التاجر وتتم الصفقة، ويخرج الشاب غاضبا وهو يتمتم بكلمات غير واضحة لكنها تدل على انه صادق وسيعود حالا بالمشتري ويقطع الشك باليقين. ويخرج وعند الباب يتوقف ويغلقه بعنف ولكن مازال في الداخل، حتى اعتقد اللواء العيسوي أن الشاب ذهب ولم يعد، فاسترخى في مقعده وراجع بعض الأوراق والمستندات. كانت عقارب ساعة الحائط تشير إلى الواحدة صباحا، فقرر أن يغادر ويعود إلى بيته فقد مضت ساعة ولم يعد علاوة على انه لم يرد على اتصاله الهاتفي به عدة مرات وارتدى معطفه وبدأ يطفئ الأنوار وهو يمسك بالمفاتيح في يده، وهو دائما يقوم بهذه المهمة بعد ما يتركه العامل والسكرتيرة اللذان تنتهي مواعيد دوامهما في العاشرة مساء. وعندما اتجه إلى الغرفة الجانبية فوجئ بالشاب مختبئا بها، فبادره متسائلا: “ماذا تفعل هنا أيها اللص؟” لكن الآخر لم يجبه وهو يوجه اليه نظرات حادة ذات مغزى، الشرر يتطاير من عينيه، وبخبرته كرجل شرطة فطن لما يرمي إليه وما يفكر فيه، فأخرج الموبايل وحاول الاتصال بحارس البناية ليأتي للامساك به، لكن لم يمنحه الفرصة ليتم اتصاله، وعاجله بطعنة سكين في رقبته على حين غرة، وواصل طعناته المباغتة حتى سقط الرجل على الأرض لكنه لازال يقاوم قاتله عندما اقترب منه حاول الإمساك به وضربه بقطعة زجاج تكسرت من المكتب، تشبث به حتى خرج جلده في أظافره، لكن القاتل تخلص منه وطعنه طعنة في القلب كانت كافية لأن تشل حركته وتسكنه تماما وتقضي عليه، ورغم ذلك لم يتوقف وواصل طعناته التي زادت على السبع عشرة طعنة وذبحه من رقبته حتى كاد يفصلها عن جسده، تناثرت الدماء وسالت على الأرض، تلوثت يداه وملابسه فتوجه لغسلها في المطبخ، ورغم بشاعة الموقف فانه توجه نحو الجثة يقلبها، حصل على المفاتيح وقام بفتح الخزينة لكن الصدمة كانت قوية فلم يجد فيها شيئا، وعاد الى القتيل يفتشه ووجد في حافظة نقوده سبعمائة جنيه دسها في جيبه ثم استولى على جهاز الكمبيوتر المحمول والموبايل وأغلق الباب وخرج مسرعا. تأكد “عمرو” انه لم يترك دليلا خلفه، ولا يوجد شاهد واحد، لذلك اطمأن انه أفلت من الاتهام ولن تصل اليه ايدي الشرطة، والمهم انه غير نادم على ما فعل، لكنه يتحسر لأنه لم يحقق ما كان يصبو عليه، فلم يحصل على المال الذي كان يريده، وخابت ظنونه كلها، وخلال ساعات وجد الأساور الحديدية في يديه ورجال البوليس يلقون القبض عليه، لم يقاوم، فقط اندهش، اقتادوه إلى قسم الشرطة، جلس يخفي وجهه بين يديه وبجواره المسروقات التي استولى عليها والسكين التي ارتكب بها جريمته، فلم يجد مفرا ولا سبيلا للإنكار، اعترف بأنه بعد ما فشل في التعليم التحق بالعمل في محل لتجارة الأقمشة وسرق مبلغا كبيرا من صاحبه واختفى وترك تلك المنطقة تماما ولم يتم التوصل إليه، وعمل في محل آخر وانه قرأ إعلانا في إحدى الصحف عن صفقة أقمشة وتوجه إلى صاحبها واستطاع أن يقنعه بالوساطة في بيعها وحصل منه على العمولة مقدما وأختفى أيضا، ولم يتم التوصل إليه، ومنذ شهر ونصف الشهر قرأ إعلانا آخر مشابها كان هو الإعلان الأخير، فقرر أن يلعب لعبته مع صاحبه مثل السابق ولكن لم يستطع إقناعه، في البداية لا يعرف انه رجل شرطة، ولكن الصورة التي شاهدها خلف صاحب الشركة أكدت له ذلك وتشبث بالأمل في أن يخدعه ويحصل على العمولة لإتمام زواجه الذي بقي على موعده أسبوع واحد فقط، وعندما تأكد أن اللواء لم ينخدع بحيلته قرر أن يتخلص منه ويسرق الخزينة التي اعتقد أنها مليئة بالأموال، وصاحبها ينفق ببذخ ويتحدث كثيرا عن ثروته الكبيرة، وحدث ما حدث وبدلا من أن يدخل قفص الزوجية، دخل قفص الاتهام ليواجه الإعدام.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©