الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسجد الفاطمي.. رمز الوحدة الوطنية في قلب دير سانت كاترين

المسجد الفاطمي.. رمز الوحدة الوطنية في قلب دير سانت كاترين
4 أغسطس 2014 20:46
في دير سانت كاترين، وفي أحد سراديب الجوار من ممراته العتيقة، يتم عرض مئات الجماجم، ويقول تاريخ الدير الرهيب هي لقساوسة، تعاقبوا على كرسي سدة الدير، فيه لمئات السنين مما يؤكد ملكية الدير وأحقية المسيحية الممهورة برفات الجماجم، وتتالت على الدير من بعد الحقب، مجرات من سيرة حتى أطل الفاطميون يوماً، وهم أناس لهم من الوجد مثل ما للمسيحيين من عشق التسامح، فامتزج الإسلام والمسيحية ومن بينهم نضرة الود في كل المعاقب، سما روح الهلال بجانب تألق وهج الصليب، وهذا هو الفهم الصحيح لمغزى الرسالات. التقى الاثنان إسلام ومسيحية في عشق أبدي، تماسكا نحو ذات العلية، من مقام ليس لوجده أصغار، عندها وحدها تكون وحدة الرفد الإلهي تتجلى للخلق تبيان من معانٍ، هنا لا يتدارك الرسم كلاماً إنما أطر من رحم الحقيقة، زجل فاقم لرونقه مسجد في قلب الدير فاعتنقا وتشابكا لهلال، نعم هلال من قلب الصليب، هكذا تكون الديانة تحركاً مستمراً وثوراً، من عَلَمَ الفاطمي هداها وابره حين ألقى من عصا الترحال شقاها، فأناخ للمجد المسيحي في سوحتها ظلال، هكذا صهر المصري منذ القدم في أعماقه أعمدة أربعة فكان في فجر التاريخ فرعوني الرؤى، ومن ثم مسيحي الهوى، إلى أن تلقى في وعيه الإسلام، وعبر مشاوير الزمن عبر العابرين على أرضه منذ القدم، من آشوريين وهكسوس وبيزنطيين مضوا جميعاً وبقي المصري يغازل أرضه ويسامح، فتشربت روحه نبض التسامح، إذن سواء وُجِدَ رسمه في مسجد بدير أو دير بمسجد، إنه المصري الأصيل من رحم التسامح أولدت في ذاته معنى الانتماء لأرض الخالدين إذ يدخلوها دوماً بسلام آمنين. دهشة مؤرخي الغرب وهكذا «عاش الهلال مع الصليب» ليست عبارة تطلق في هواء البوح السخين، بل هي صدى مؤتلق من رزم السنين، كانت دائماً تتردد خلال أحقاب الماضي الثوري، ولكنها تتجسد اليوم في كيان حي للتدليل على روح التسامح بين الأديان في مصر عبر كل العصور. وهذا ما جسده المسجد الفاطمي بسانت كاترين الذي يقع بالكامل داخل جوف الدير الأمين أقدم الأديرة في التاريخ. فهذه الظاهرة الفريدة لم تحدث في أي مكان بالعالم سوى في مصر وقد نظر إليها مؤرخو الغرب بشيء من الدهشة والاستغراب، حيث سجلوها في كتاباتهم، مما يؤكد علاقة المحبة بين المسلمين والمسيحيين، ويعد علامة بارزة لتسامح الأديان ودليلاً «قاطعاً» على الحرية الدينية في مصر. واختلف المؤرخون حول الشخصية التاريخية التي أمرت ببناء هذا المسجد فقد أرجع بعض المؤرخين أن الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي هو الذي قام ببناء المسجد ونسب البعض الآخر إلى أن الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله هو الذي قام بإنشاء هذا المسجد والدليل هو وجود كرسي شمعدان مصنوع من الخشب داخل الجامع مدون عليه نص كتابي يضم اسم منشئ الجامع وهو أبي المنصور أنوشتكين الآمري نسبة إلى الخليفة الآمر بأحكام الله الذي بنى هذا الجامع والدليل الثاني وجود نص بالخط الكوفي محفور على واجهة منبر الجامع يؤكد أن بناء الجامع كان في عهد الآمر بأحكام الله. العلاقة الطيبة وتشير الوثائق التاريخية على العلاقة الطيبة بين مسلمي مصر وأقباطها إلى قيام بعض الرهبان بترميم المسجد وإصلاحه ورعايته إذا حدث للمسجد تلفيات أو انهيار بعض جدرانه، ومن ناحية أخرى كان سلاطين مصر يقدرون رهبان هذا الدير وينزلونهم منازل رجال الدين العظام ويذكر أن السلطان سليمان الأول كان يصدر فرمانات بمنع الاعتداء على الدير ومحتوياته ويلزم ناظر المنطقة بالحفاظ على سلامة رهبان الدير. ويواجه المسجد الكنيسة الرئيسية من ناحية الشمال الغربي للدير حيث تصافح مئذنته برج الكنيسة في مشهد إيماني عميق التأثير ويستقر المسجد على ربوة عالية تعلو عن أرض الكنيسة بنحو خمسة عشر متراً. ويبلغ المسطح الداخلي للمسجد: طول الضلع الشرقي 7. 17م والضلع البحري 15. 43م والغربي 7. 40م والقبلي 10. 12م وله ثلاث نوافذ، طول كل منها متر ونصف المتر، وعرضها نحو المتر وهو مفتوح في مواجهة الباب. والمسجد له منارة منفصلة عنه تبعد مسافة مترين، تحتوي على 36 درجة بطول 11 متراً، وتم تأسيسه من الحجر الجرانيت، ويحمل سقفه عمودين، أهم ما يحتويه المسجد من أثار هي: المنبر، وكرسي الشمعدان، وكرسي المصحف، ويبلغ طول المنبر 2. 47 متر، وارتفاع الباب يبلغ 2. 60 متر، ومدخله على شكل نصف دائري مدبب الرأس وتوجد لوحة خشبية تتضمن كتابة كوفية، ويتخذ الكرسي شكلاً هرمياً مقطوعاً منقوشاً على جانبه بالخط الكوفي، ويوجد داخل المحراب حجر مدون عليه أسماء الزوار. خدمة الدير وعن أسباب بناء المسجد، يقول عبد الرحيم ريحان مدير عام مركز البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء والوجه البحري، إن الأسباب التي دفعت لبناء المسجد وجود قبائل من العرب كانت تقوم على خدمة الدير وقد أسلم معظمهم في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، وعرفوا باسم «قبائل الجبالية» نسبة إلى جبل موسى، فكان من الحاجة إنشاء مسجد لهم حتى يقوموا على خدمة الدير، بعد دخولهم الإسلام، كما كان يهدف إنشاء الجامع إلى إتاحة الفرصة للمسلمين الذين يعيشون حول الدير ويقومون بحمايته وكذا لخدمة الحجاج المسلمين الذين يمرون بمنطقة الجبل المقدس للتبرك به. وعن أحوال المسجد قال الأب «مستيرمان» في دير سانت كاترين: لقد ظل المسجد مهجوراً لسنين طويلة مما أصابه العطب ببعض نواحيه من طول فترة إهماله ولكن منبره مازال بحالة جيدة أما المئذنة فهي في حالة يرثى لها ولكن مع بداية القرن العشرين زاد الاهتمام بالمسجد خاصة حينما أمر الملك «فؤاد» بترميم وتجديد المسجد، وتعيين مرتبات للخدم وسدنته، أما الآن فقد أصبح المسجد والدير ضمن اهتمامات هيئة الآثار المصرية ورعايتها، واعتُبِر مثل الدير، من آثار مصر التاريخية. منبر خشبي وعن الوصف المعماري للجامع، يقول د. محمد الششتاوي رئيس المكتب الفني بالمجلس الأعلى للآثار: إن تخطيط الجامع عبارة عن مستطيل جداره الجنوبي 9. 88م، الشمالي 10. 28م الشرقي 7. 37م، الغربي 7. 06م ارتفاعه من الداخل 5. 66م ينقسم لستة أجزاء بواسطة عقود نصف دائرية من الحجر الجرانيتي المنحوت ثلاثة عقود موازية لجدار القبلة وأربعة متعامدة عليه. وأضاف: كما أن له ثلاثة محاريب، الرئيسي متوج بعقد ذي أربعة مراكز كالموجود في الجزء القديم من الجامع الأزهر، وله منبر خشبي آية في الجمال يعد أحد ثلاثة منابر خشبية كاملة من العصر الفاطمي الأول، وهي منبر جامع الحسن بن صالح بالبهنسا ببني سويف والثاني منبر الجامع العمري بقوص، كما يشبه المنبر الخشبي بمسجد بدر الدين الجمالي الذي يعود تاريخه إلى 484 هـ، 1091م المنقول من عسقلان إلى الحرم الإبراهيمي بفلسطين. كما أن للجامع مئذنة جميلة من الحجر الجرانيتي تتكون من دورتين قطاعهما مربع في منظر لا يتكرر ولن يتكرر على مر العصور. (وكالة الصحافة العربية)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©