الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تجفيف الأسماك» من موائد البسطاء إلى زوادة المسافرين

«تجفيف الأسماك» من موائد البسطاء إلى زوادة المسافرين
3 يناير 2012
المثل القائل الحاجة أم الاختراع ينطبق على تصنيع الأسماك والأحياء البحرية في قديم الزمان، حيث بلغت شهرة هذا النوع من الصناعات المناطق المجاورة، حين كانت السفن تأتي من العراق وقطر والسعودية والكويت، لحمل جرار المالح، ويتزود البعض بكميات كبيرة، لأن أهل الخليج سوف يصبحون بحاجة للأسماك في الأيام التي تعصف فيها الرياح وقت أن تشح، حين كان البحارة يتوقفون مؤقتاً عن رحلات الصيد، فتحل تلك الأسماك المجففة ضيفاً عزيزاً على موائد البسطاء وفي زوادة المسافرين إلى مسافات بعيدة. في إحدى جنبات شاطئ البحر في دبا الفجيرة تجمعت مجموعة من الرجال، وسط أجواء صحوة في أحد أيام شتاء دافئ، وبدت عليهم علامات النشاط والحيوية، وهم يستعدون لعمليات تجفيف الأسماك، التي تعتمد على أدوات بسيطة، تعد إحدى الصناعات المحلية التي تشتهر بها منطقة الخليج. ويتضح للناظر إلى هذا المشهد، أن مجموعة الرجال تجمعهم علاقة ود وصداقة ممتدة عبر الزمن، وعلى الرغم مما يدور بينهم من أحاديث جانبية يسترجعون خلالها ذكرياتهم مع الماضي بحلوه ومره، إلا أن أياديهم لا تتوقف عن العمل في صناعة توارثوها منذ القدم، والتي وفقاً لتأكيداتهم بناء على حاجة المجتمع المحلي لتناسب ظروف الحياة وقتها، ثم استمرت حتى يومنا هذا. إلى ذلك، قال أحد أفراد هذا التجمع، وهو علي أحمد محمد النون إن هذا النوع من الصناعة المحلية كانت تستخدم له خروس أو خرس وهي الجرار الفخارية الضخمة، وعندما ينتهي الرجال المجتمعون من عملية تمليح الأسماك يقومون برص الأنواع المملحة داخل هذا الإناء، وتترك حتى تمر عليها فترة طويلة داخله، وذلك حسب حالة الطقس، حيث تمتد تلك الفترة خلال فصل الشتاء إلى 60 يوماً، نظراً لبرودة الجو، وتختلف تلك الفترة في الصيف حتى ينضج ويمكن تناوله، موضحاً أن دبا تلك المدينة التي تسكن من قرون بعيدة على شواطئ الخليج، اشتهرت بوفرة أنواع الأسماك خلال مواسم الصيد المختلفة، وعاش أهلها من الصيادين على رزق البحر، وعرفوا خيره، بالإضافة إلى أن أهلها من غير الصيادين يقصدون البحر مباشرة، لشراء الأسماك الطازجة من الصيادين عقب عودتهم من رحلات الصيد. توفير الاحتياجات وأضاف، قديماً لم يكن المالح يباع وإنما يهدى، وفيما بعد أصبحت تباع كل 25 قطعة بخمسة دراهم، لكن عندما أصبح الناس في رفاهية، لم يعد المالح يصنع لتوفير الاحتياجات، لأن السمك أصبح متوافراً بشكل يومي بتطور معدات الصيد وتوافر أجهزة التبريد، مشيراً إلى ارتفاع سعر المالح، الذي أصبحت تباع لدينا كل عشرة قطع منه بمائة درهم، ومنه ما يباع بمائتي درهم، حسب نوع وحجم السمك، خاصة الأنواع المفضلة للتصنيع ومنها الكنعد الذي يعد من أجود أصناف التمليح، والصدا والقباب والخباط، بالإضافة إلى إمكانية التصنيع من حصان البحر أو سمك الحاسوم، وأسماك الشعري. وأوضح حسن علي حسن الظنحاني أن الكثير من سكان الإمارات لا يستطيعون الذهاب إلى القرى الساحلية لشراء السمك الطازج، وذلك بسبب المسافات البعيدة التي كانت تفصلهم عنها، بالإضافة إلى وعورة الطرق، حين كان يسكن جزء كبير منهم في المناطق الجبلية وجزء يسكنون الصحارى، مبيناً أنهم لو استطاعوا السفر وقتها، فإنهم لن يستطيعوا الحفاظ على السمك دون أن يفسد، ومن هنا جاءت فكرة أن يشتروا كمية من ملح البحر ويملحوا السمك قبل عودتهم إلى قراهم ومناطقهم، وبعد ذلك أصبح سكان الساحل يصنعون المالح كي تقوم عليه تجارة المالح، التي اشتهر بها سكان الإمارات وسلطنة عمان، وانتشرت في الدول الخليجية الأخرى. وبعد أن بدأ الرجال في العمل، وباشروا تنظيف الأسماك، أكمل حسن الظنحاني: في الماضي البعيد كان الرجال يصنعون المالح، ويخزن في أوان فخارية عملاقة وفيما بعد عرف الناس البيب أو الصفائح المعدنية التي تصنع للتخزين، أما الآن فيباع المالح في الأواني البلاستيكية، وتعتمد طريقة صنع المالح على تنظيف كل سمكة، بإزالة الرأس ونزع الأحشاء، ثم شقها من النصف، حتى تصبح قطعة واحدة مفرودة، وتتم إزالة كل العظام منها، وهنا يبدأ الرجال في وضع كميات كبيرة من الملح الطبيعي المدقوق، وكلما انتهى الواحد منهم من تمليح قطعة يضعها في الوعاء، ثم الأخرى حتى تنتهي الكميات المعدة للتمليح. التصنيع والتعبئة ورداً على سؤال حول احتمالات الغش في التصنيع والتعبئة، قال إنه من الممكن أن تبدو العبوة مليئة بالأسماك، في حين يتم وضع نصف وزن السمك من الملح في قاع الوعاء، ثم يملحون السمك ويصفونه فوق الملح، مشيراً إلى أن العبوة تحتفظ بالأسماك مدة 6 شهور حتى تسعة أو عشر شهور، كما يصبح ما بها صالحا للطهي بعد 40 يوما في فصل الصيف، اعتماداً على الموسم خلال الصيف أو الشتاء، وعلى المكان الذي توضع فيه الآنية أو الأوعية، حيث لم تكن تضاف إليها أية مواد حافظة، أما اليوم فتضاف إليها قطع الليمون، وبعض الفلفل الأحمر الذي يضاف كما هو صحيحاً أو مطحوناً. وشارك عبيد محمد الكعبي بقوله إن الكثير من الجاليات العربية تعتقد أن المواطن يتناول المالح كما يتناول الشعب المصري الفسيخ، موضحاً أن الفسيخ يخرج في أوعية الحفظ ويضيفون له الليمون والزيت، أما المالح فيطهى ويتم تناوله مسلوقا أو على هيئة مجبوس أو مرق أو تحت الأرز، كما يطبخ على هيئة طبق برياني المالح، ومن يتناول المالح سيشعر بالعطش الشديد فترة طويلة من اليوم، لذلك يفضل تناول الكثير من الماء، لأنه يحتفظ بكمية من الملح بداخله. كما أوضح أنه عند الرغبة في طبخ المالح لا بد من غسله جيدا، ثم يسلق كي يتخلص من الملح، ثم يتم التخلص من الماء الذي تم سلق المالح فيه، وتوضع كمية جديدة من الماء، ويخرج من ماء السلق ويطبخ حسب الرغبة، أما بالنسبة لصناعة التجفيف، فقد كانت تعتمد على أنواع ذات حجم صغير ولها قشور، وتبدأ العملية بتنظيف الأسماك جيدا، ثم شقها من المنتصف طوليا من تحت فتحة الفم، حتى تصبح شريحة واحدة، وتتم بعد ذلك عملية رش الملح، ثم توضع الأسماك في حبل طبيعي من ليف النخل، على شكل عقد سمكي يعلق تحت الشمس مباشرة، ويمكن لأهل المنزل من السيدات المشاركة في العملية، وعندما يستوي السمك يعرف من خلال شكله الذي يعطي هيئة حجرية أو يكون جافاً لدرجة كبيرة. ويكمل الكعبي، هذه الوجبة البسيطة المتواضعة التي ابتكرت ذات يوم، لحاجة ملحة لأسباب خارجة عن إرادة الإنسان، أصبحت اليوم وجبة مرغوبا بها بشدة على الرغم من الرفاهية وتوافر مئات الأنواع من الوجبات والمواد الغذائية، ولم تعد كما كانت وجبة للبسطاء والمسافرين لمسافات بعيدة، كما لم تعد وجبة يتحايل من خلالها الأهالي على الظروف، كي يصبح السمك متوافراً في وقت الحاجة، ولو على هيئة مالح أو سمك مجفف. وبين أنه يتم تناول المجفف بطرق عدة، منها أن يدق حتى يتحول إلى قطع، ثم يغسل جيداً للتخلص من الغبار وأية ملوثات، وبعد ذلك يتم تحويله إلى مرق أو«يحمس» على النار مع الكثير من البصل والثوم والليمون الجاف. رفاق البحر كما شارك محمد علي الغسية الظنحاني رفاق البحر بحديثه: يتم تصنيع الأسماك في الصيف لتؤكل في الشتاء، حيث كان الملح يؤتى به من خارج الدولة، أما اليوم فهناك الكثير من الملح الطبيعي الذي يجلب من منطقة خور خوير في رأس الخيمة وغيرها، مؤيداً كلام رفاقه، بأن الكنعد والقباب من أفضل الأسماك للمالح، وأنه في حال لم تتوافر هذه الأنواع يستعان بالخن وأسماك القد، بالإضافة إلى العوال، لكنه يحتاج إلى مدة شهرين داخل الأوعية التي توضع مباشرة تحت الشمس لسماكة الجلد. وقال محمد علي الغسية الظنحاني إن أطيب ما يمكن أن يصنع بالتجفيف بيض الأسماك الكبيرة، وهي أيضا تعلق تحت الشمس، وعند النضج تغسل ثم توضع مباشرة في الجمر، وتلك طريقة قديمة للشوي وبعد أن تطلق رائحة الشواء، تدق وتحول إلى وجبة بالطريقة المعروفة، وهي ذات فوائد غذائية كبقية ما تم حفظة بالتصنيع مجففا أو مملحا، كما لجأ صيادو الإمارات إلى تجفيف النغر أو الحبار، لأجل ذات الغرض، حيث يتم تشريحه إلى قطع على هيئة شرائط، ويطهى بعد تنظيفه بالغسل الجيد على هيئة مرق أو يحمر مع التوابل ويوضع في قاع القدر، ويسكب عليه الأرز الناضج. توفير الاحتياجات كان الصيادون قديماً يأتون بكميات وفيرة تزيد على حاجتهم من الأسماك، وفي تلك الفترة من الزمن، لم تكن الكهرباء متوافرة لديهم، كي يتم تخزين الفائض بالتثليج، ولذلك توجهوا للحفظ بالتمليح أو التجفيف، خاصة أن مواطني الخليج يقبلون على تناول الأسماك أكثر من أي مادة غذائية أخرى في وجبتي الغداء والعشاء، لذلك وفرت وسيلة تمليح السمك للإنسان حاجته من السمك في الأيام العاصفة، حيث يمكن حفظه لشهور عدة دون أن يفسد.
المصدر: الفجيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©