الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المعركة المقبلة في العراق

18 يوليو 2011 22:26
عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن جلاء الأميركيين عن العراق كان ولا يزال مطلباً لكثيرين في العراق والعالم العربي. اعتبر دائماً المدخل والممر إلى السلم الأهلي والاستقرار الداخلي، بل شرطاً لابد منه لتمكين العراقيين من إيجاد صيغة فضلى للتعايش الجديد بين مكونات المجتمع. لكن هذا الجلاء لم يكن واقعياً، داخل العراق، موضع إجماع واضح، وتفاوت الموقف منه بين القوى السياسية تبعاً لأحوالها على الأرض، ولموقعها الذي احتلته بفضل الانتخابات، أو للكيانية التي حصّلتها من خلال إجراءات الفدرلة كما في حال إقليم كردستان. مع بداية يوليو الجاري بدأ عملياً العدّ التنازلي للانسحاب الأميركي النهائي بحلول نهاية السنة. وقبل أسابيع أصبح موضوع بقاء القوات الأميركية، ولو بأعداد محدودة، في التداول السياسي. وفيما كان التيار "الصدري" الأكثر وضوحاً وسرعة في حسم موقفه برفض بقاء أي جندي، فضلت الأطراف الأخرى التريث في إعلان أي موقف. لكن منطق المزايدات، وإلى حد ما منطق إعلان المبادئ، فرض على حزب "الدعوة" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي أن يصدر بياناً يسنه فكرة بقاء ولو جندي واحد. يبقى الأميركيون أو لا يبقون. هذا عنوان المعركة السياسية المقبلة في العراق، وهي قد تجعل الخريف ساخناً مع اقتراب موعد الاستحقاق. وزير الدفاع الأميركي الجديد، "ليون بانيتا"، حاول في زيارته وجولته بين زعامات المكونات أن يحصل على توضيحات تساعد "البنتاجون" في ترتيب جدول أعماله. ويبدو أنه لم يتمكن من المغادرة بأكثر من الغموض الذي كان يعرفه مسبقاً. فعملية اتخاذ القرار داخل الحكومة العراقية، خصوصاً بالنسبة إلى هذا الموضوع، تكتنفها تعقيدات كثيرة. أنها "الديمقراطية"، أليس كذلك؟ الديمقراطية التي طالما حاججت واشنطن بأنها كانت هدفها الرئيسي من الغزو والاحتلال. يفترض أن حكومة المالكي هي خلاصة "توافق" الكتل السياسية الموجودة جميعاً. وعدا أن مفاعيل هذا التوافق لم تظهر على نحو ينعكس على البلد، فإن الخلافات زادت استحكاماً وأثرت سلباً في مسارات العمل الحكومي. ثم أن استحالة تسمية وزراء لحقائب الدفاع والأمن والاستخبارات، وتركها مرتبطة برئيس الوزراء، لم تؤكد فقط هشاشة "التوافق" وإنما كرّست الشكوك في نوعية الدولة التي هي في صدد القيام. فعندما يصعب تغليب المصداقية الوطنية في تعيين المسؤولين عن الأمن، تكون الدولة نفسها موضع تساؤل. وفي ظل وضع كهذا يفترض أن يتخذ قرار مهم وخطير بطلب بقاء قوات أميركية أو بطلب جلائها الكامل. السؤال الأساسي هنا: هل أن قوى الجيش والأمن أتمّت جهوزيتها لتسلم شؤون العراق؟ لكن من يستطيع تقديم إجابة حاسمة، تقنياً، وحسب التخطيط، قد تكون هذه القوى جاهزة وكافية. عملاً وسياسياً، قد تبدو جهوزيتها مجرد شعار. ذاك أن التخطيط لم يأخذ في الاعتبار الصعوبات التي لا تزال تواجه مشروع الدولة، ولم يتحسب لتأخر "المصالحة الوطنية" أو ربما لاستحالتها في نهاية المطاف. كما أنه يستشرف حلولاً للهيمنات الداخلية وتنافسها، أو حتى للهيمنات الإقليمية وضغوطها على الفئات السياسية، ولعل هذا التخطيط لم يتوقع أيضاً المتغيرات التي ستطرأ على مسائل الأمن في سياق تطبيق التقسيم الفيدرالي. اغتنم وزير الدفاع الأميركي وجوده في بغداد للتذكير بأن ثمة "حالة إيرانية" في العراق ينبغي التفكير فيها قبل حسم مسألة الانسحاب الكامل. حتى أنه حرك الصراع الأميركي مع التيار الصدري. الأكيد أن بانيتا سمع في أربيل تجنيداً كردياً لبقاء أكبر عدد ممكن من القوات الأميركية. لكن من يريد حمل مسؤولية جعلها هذا الموقف الكردي قراراً حكومياً عراقياً. لا شك أن حسابات الأطراف كافة قد تلتقي نظرياً عند تفضيل بقاء جزء من القوات، لكنها ستتراشق الكرة الملتهبة ريثما ينضج قرار بـ "تفاهمات" إقليمية. فالجوار العراقي يخشى، على اختلاف مقارباته، تداعيات الانسحاب والمسؤوليات التي سيخلفها له.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©