الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المبيّض يناضل في عصر الستانلستيل

المبيّض يناضل في عصر الستانلستيل
21 فبراير 2009 01:32
نساء على الشرفات يترقبن اطلالته، ينتظرن بشغف من يحتجن إلى خبرته، فهذه تريد تبييض طناجرها، وأخرى تسعى إلى شحذ سكاكين المطبخ، وهناك من تحمل الصواني النحاسية لتلميعها من جديد· الشيخوخة داهمت أصحاب مهن المبيض، فأقعدتهم في بيوتهم وقد صدأت أدواتهم وأصابها الهرم· وبسبب ندرة الزبائن وقسوة الحرب وتأثيرها وانعكاسات سنوات العمر، أصبحت المهن الشعبية نادرة جداً، فابتعد الجميع عن تبييض طناجر النحاس· المبيض حسن الشامي يعمل في المهنة منذ 60 عاماً وما زال ''يتسلى'' بها حيث أصبحت جزء من حياته، لا يستطيع التخلي عنها، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة، سألته دنيا الاتحاد : ؟ كيف تنظر الى مهنة المبيّض في هذه الايام؟ ؟؟ لم يتغير في هذه المهنة شيء، وإن كانت قديماً عاشت العزّ والازدهار، حالياً كما تعلم بسبب الأوضاع الاقتصادية، فإن هذه المهنة دخلت دهاليز النسيان، إلاّ أنها لم تنس، لأن أصالتها تفرض الجودة أينما حلت· وأضاف: ''في العاصمة، أصحاب هذه المهنة يعدون على أصابع اليد، ويعود ذلك إلى أن العائلات التي كانت تجدد طناجر المطبخ عند المبيّض، منها من هاجر ومنها من تشرد ومنها من رحل الى غير رجعة· كل هذه الامور أثرت بالمهنة، وما زاد بالطين بلة أن كل شيء ''فرنجي برنجي'' وهذا ما غيّر من ملامح هذه الحرفة القديمة· ؟ أين تنتشر هذه المهنة بكثرة؟ ؟؟ في طرابلس وصيدا، وسوريا وخصوصاً في مدينة حلب· ؟ ما هي المواد التي تستعملها في مهنة المبيّض؟ ؟؟ نأتي بأدوات المطبخ (طناجر، صواني) فنطليها بالقصدير منعاً للصدأ، الذي يشكل خطراً على الصحة العامة· أول شيء نفعله هو تركيز حفرة صغيرة نشعل تحتها النار، فنضع الأسيد (ماء التوتياء)، ثم مادة ''نشادر'' فماء القصدير، وملقطاً صغيراً للتلحيم، وبعض الأدوات مثل ''الشاكوش'' و''الكماشة''· يوضع الوعاء المراد تبييضه فوق النار، ويوضع بداخله القليل من القصدير ثم نمسحه بقطعة من القطن، فيعود لماعاً وبراقاً ونظيفاً كأنه خارج لتوه من المصنع· ؟ كم تتقاضى أجرة ''التبييض''؟ ؟؟ أجرة التبييض ليست ثابتة وقد تصل إلى 20 ألف ليرة لبنانية· الأمر يعتمد على كرم الزبون· ؟ العائلات الغنية، هل كانت تقصدك لتلميع أواني مطبخها؟ ؟؟ لا تستغرب، إذا قلت لك إن أغلب زبائني كانوا من الأغنياء، إلا أن الحرب وما جرّته من ويلات، غيّرت عناوين هذه العائلات وقطعت طريق المواصلات بيننا· ينكن التعرف على المعلم أبو محمد بسهولة، حيث تسمع أصوات الطرق على النحاس· ارتبط بهذه المهنة بعدما احبها واتقنها، فالمبيض حرفة مرتبطة بإزالة الأوساخ العالقة على الآنية النحاسية والتي تسبب أمراضاً مختلفة· أبو محمد يعيد إلى النحاس لونه الأبيض الناصع والأحمر الناري والذهبي البراق، وهو يعمل بها منذ 50 عاماً، هذه المهنة نقلها أباً عن جد فإرتبط بها· قال عنها: ''إنها مهنة اجدادي وقد أتقنتها بفضل والدي الذي علمني اياها وأوصاني أن أحافظ عليها· وقد فعلت ما طلب مني، لأني بالدرجة الاولى أحببت وعشقت هذه المهنة طوال فترة حياتي· وكل مهنة يتقنها اي انسان لا بد أن يحبها، واذا لم يكن كذلك فهذه مشكلة كبيرة لانه لن يستطيع ان يبدع فيها· ؟ ما هو سر مهنة المبيّض؟ ؟؟ تعتمد هذه الحرفة على الخفة والسرعة والرشاقة اولاً، فهناك خبرة لا بد من توافرها، ومن يمتلك هذه الصفات لا بد وأن يبرع فيها زبائني يثقون بي لأن هذه المهنة كما قلت تعتمد على الرشاقة، فيجب الانتباه إلى الآنية كي لا تحترق حين وضعها على النار، لأن مادة النحاس أن احترقت فإنها لا تنظف، وإن بردت فهي لا تنظف أيضاً، ويقدر وقت تبييض الآنية بحسب درجة وساختها· فهناك آنية تحتاج لتعريضها للنار وفركها لمدة أطول من غيرها، وهناك اوانٍ يتم تبييضها بسرعة· ؟ ماذا تحدثنا عن هذه المهنة خلال مراحل طويلة من حياتك؟ ؟؟ بالرغم من انها مهنة شاقة ومتعبة، إلا أنني أحببتها، بعدما وفرت لي الحياة الاجتماعية المعقولة، وكسبت محبة الزبائن واحترامهم· تغادر محل المبيّض أبو محمد على وقع أصوات الطرق على النحاس، وأنت تبتعد لا يمكنك أن تنسى الأسى والوجوم على وجوه معلمي هذه ''الصنعة''، لأنهم لم يفلحوا في تعليمها لأولادهم الذين لم يرغبوا في الانغماس بها، وهذا ما ترك غصة عندهم، لانهم أيقنوا أن هذه المهنة في طريقها الى الزوال، بعدما غزا ''الستانلستيل'' عصر الأواني النحاسية·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©