الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلمات بلا حرارة (1)

3 أغسطس 2006 23:53
وينك يا خفيف الدم يا أبوضحكة تزيل الهم··يا شيخ خلي عندك دم· قد تجد هذه الرسالة موجودة ضمن بريدك الالكتروني، وقد تجدها على تليفونك المحمول، وعندما تجد ذلك قد تقوم بإرسالها إلى الكثير من أصدقائك، وهؤلاء يرسلونها إلى أصدقائهم، وهكذا حتى تصبح شائعة، ولا تُنسى إلا عندما تخرج رسالة جديدة فتسير في نفس الطريق المعتاد· وهنا تطرح عدة أسئلة في مقدمتها: مدى تأثير الثورة التكنولوجية على أدب الرسائل كفن أدبي كان له سماته ومبدعوه أم لا؟ وتأثير ثورة الاتصالات على مشاعر البشر، وهل أصبحت المشاعر في عالم ما بعد الحداثة أشبه بالسلعة القابلة للتداول على نطاق جماهيري واسع، ومن ثم أصبحنا نعيش في فترة ''قولبة المشاعر وتنميطها''؟· والواقع أن ثورة المعلومات أحدثت انقلاباً في شتى مناحي الحياة، فأثرت تلك الثورة على العمل، وعلى الإنسان عموماً، بل انعكست على عواطفه وشعوره وأحاسيسه، كما أثرت كذلك على شتى فنون الإبداع والأدب والفنون· فلئن تفوق الإنسان بمساعدة الكمبيوتر في فن الرسم وغيره أو ما يعرف (بالجرافيك) أو (الملتيميديا) فقد ضحى بفنون أخرى كان لها شأن في القدم بل كان لها فنانون شبه مستقلين لها، فإذا كانت التكنولوجيا تخلق وظائف وأدواراً جديدة للبعض فإنها في المقابل تقضي على وظائف وأدوار أخرى· وقد عرف الأدب العربي لوناً فنياً وأدبياً مميزاً هو ''أدب الرسائل''، وكان من أبرز رواده عبدالحميد الكاتب، وعبدالله بن المقفع وغيرهما، كما عرف الرسائل بين المحبين والعاشقين والتي كانت تفيض فيها المشاعر بدرجة كبيرة جعلتها تدخل ضمن التاريخ الأدبي العربي، وقد ذكر ابن حزم الأندلسي الكثير من رسائل المحبين في كتابه ''طوق اليمامة''· وفي وقتنا الحالي شهد ''أدب الرسائل'' وكذلك الكلمة المكتوبة تراجعاً مؤلماً في دورهما الحيوي بين المحبين والمتراسلين، منذ ازدهار الهاتف السلكي العادي، ويكاد كلام العشق المكتوب بأحاسيس مرهفة يصاب بمقتل مع ظهور خدمات الهواتف الجوالة والرسائل القصيرة عبر البريد الالكتروني· فأضحى، وخلال فترة قصيرة، للهاتف شعراؤوه وكُتابه المجهولون الذين يبدعون على مدار الساعة رسائل ساخنة وباردة، وقصائد فيها من اللوعة، بقدر ما فيها من الطرافة، وأحيانا السماجة إلى حد الغلظة، وإطلاق نكات تواكب ما يجري في المجتمع من أحداث كبرى وصغرى، وكأننا أمام ديوان معاصر سريع خارج إطار الثقافة المتعارف عليه· وإذ تناولنا موضوع ''الحب'' بعدما تحول في عصرنا إلى مناسبة عالمية ووقّتوه بزمان وجعلوا له عيداً، فإذا توقفنا عند ما يجري تبادله من رسائل بين العشاق والمحبين، فسوف يذهلنا حجم ما تشغله هذه الثقافة المحدثة من حيز ومكان، وما ترسخه من قيم في أدب التواصل وبث المشاعر، رغم عدم أخذها على محمل الجد، إذ لم يعترف بوجودها بعد إلا كوسيلة ترفيه وتسلية، لكن حتى هذه التسلية الجانبية راحت ملامحها تتبلور على نحو سريع، لتأخذ شكل ثقافة شعبية شبابية جديدة، خارج سياق الثقافة المتعارف عليها، وتنطوي على مدلولات كثيرة، وهي تكشف عن عمق القطيعة بين ثقافة الجيل الجديد الناشئ والثقافة المعاصرة والموروثة على حد سواء·وفي حين كان الشباب في عقود ماضية يتبادلون قصائد للشاعر نزار قباني، تكاد قصائده في هذا الزمن تختفي من دفاتر ''المحمول'' لدى الشباب والمراهقين، اللهم إلا ما غناه مغنون التزموا الفصحى في غنائهم ككاظم الساهر وغيره· فالآن، صار التواصل العاطفي يتم في رسائل المحمول، بطريقة جديدة إما إرسال نغمة أو مقطع من أغنية، هي بمقام الفاكهة، لا تأتي غالباً معبرة عن شوق وفراق، وإنما بعد سلام وكلام وأحاديث مطولة من خلال التلاقي المباشر أو عبر الهاتف أو الانترنت أو قل عبر اللقاءات الآلية السريعة· جمال عبدالخالق
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©