الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شقاوة الصغار مناعة لهم

شقاوة الصغار مناعة لهم
15 أكتوبر 2010 20:28
كنت قد أحببت عشرة آلاف مرة قبل بلوغي سن الزواج، ففي كل يوم كنت أحب فتاة واحدة وأحياناً فتاتين في اليوم، حباً صادقاً وعذرياً لا أعرف الآن كيف يمكن تكراره. هذا الحب الكثير أعطاني مناعة من الوقوع في الحب من أول نظرة حين أصبحت مؤهلاً للزواج، ومنحني حصانة من الولع السريع، ولم أعد ذلك الولد الذي يبكي شوقاً ومستعداً للتضحية بكل شيء من أجل فتاة مراهقة مثله. لكن شخصاً أعرفه، لم يذق طعم الحب إلا بعد أن أصبح قادراً على الزواج، كاد أن يضيع مستقبله من أجل امرأة تكبره بأعوام قابلها في مكان مشبوه وفي أجواء مشبّعة بالدخان وقالت له: أحبك. جاءنا في بادئ الأمر يخبرنا حكايته وهو متعجب من أول حب في حياته، فقلنا له إنها تلعب بعواطفه لحاجة في نفسها، ثم فوجئنا به يحادثها هاتفياً مليون مرة في اليوم، فقلنا له يا رجل إنها لا تصلح للزواج. مع الأيام، لاحظنا أن وجهه يحمر إذا تحدثنا عن سيدة أحلامه، ثم أخذ يتهرّب منّا مواصلاً علاقته الغرامية الأولى مع السيدة الفاضلة جداً. لكن لحسن حظه، أو ربما بسبب دعوات والديه، شمّ بنفسه رائحتها وهي تفوح في المنطقة. هذه هي مشكلة الإنسان الذي aيتأخر في معرفة الشر أو الشقاوة. حين وقعت في شرّ الحب صغيراً، لم أكن أستطيع ترجمة هذا الشر إلى واقع عملي، مجرد ولد «دبدوب» لا يملك من أمره شيئاً. وحين سمعت كلمة «أحبك» كبيراً، كنت مشبعاً بالكلمة ولم يكن لها التأثير السابق نفسه، ولذلك لم أكن أفكر مجرد التفكير في ترجمة هذا الوهم إلى واقع. لكن صاحبنا وقع في شرّ الغرام بعد أن طال شاربه، لذلك حاول تفعيل هذا الشر أو الوهم إلى زواج؛ لأنه لم يصدق أذنيه وذاب سريعاً، وذوبان الكبير لا يقارن بذوبان الصغير. وما يقال عن شر أوهام الحب يقال مثله في بقية شؤون الحياة، فالسيجارة الأولى لولد صغير تواجه من الوالدين بصفعات وركلات تجعله يفكر ألف مرة قبل تدخين السيجارة الثانية، بينما السيجارة الأولى لرجل مستقل بذاته تجعله يواصل التدخين حتى وهو محمول على الأكتاف لإيداعه في القبر المركزي. والسرقة الأولى للصغير تنتهي بفضيحة على نطاق الأسرة، بينما السرقة الأولى للكبير تنتهي بعار دائم على الجبين أمام العالمين. هل معنى هذا أن على المرء أن يكون شقياً في صغره وأول شبابه لتستقيم أموره بعد ذلك، أم الأفضل أن يولد مستقيماً ويشبّ بلا عِوج ويشيخ وهو لا يزال مثل المسطرة؟ بالطبع الاستقامة منذ البداية إلى النهاية أفضل، لكن كم هي نسبة الذين حافظوا على استقامتهم من «طقطق إلى سلام عليكو»؟ بعض الأشقياء في صغرهم استقاموا بعد ذلك، لأنهم وصلوا مرحلة التشبّع من الشقاوة ومراجعة النفس والندم على ما فات. وبعض المستقيمين في صغرهم حصل لهم العكس، وكما يقال في العامية «كُبر ودُمر»، لأنهم ملّوا من المشي على خط مستقيم لا نهاية له، ولسان حالهم بعد اكتشاف الشقاوة قول الشاعر: «أنت الحياة وعمرٌ في سواك مضى،، فإنما هو تبذيرٌ وتبديدُ». ذكروا رجلاً عند عمر بن الخطاب فقالوا: فاضل لا يعرف من الشر شيئاً. فقال عمر: ذلك أوقع له فيه. أحمد أميري Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©