الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الأسطورة الخضراء تقود النمو الاقتصادي العالمي

4 أغسطس 2006 00:00
أمل المهيري: صدر حديثا عن مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية العدد 50 ''دراسات عالمية''، الاسطورة الخضراء النمو الاقتصادي وجودة البيئة، للكاتب ماريان رادتسكي، وقال: يسود الاعتقاد بأن النمو الاقتصادي يشكل تهديداً للبيئة· ومنشأ هذا الرأي هو أنه مادامت جميع النشاطات الاقتصادية تستهلك مدخلات بيئية، على اختلاف درجات هذا الاستهلاك، فإن ثمة حدوداً لقدرة هذه البيئة على التحمل، إذا ما أخذنا معدل التجدد البيئي في الحسبان· ومع توسع الاقتصاد، فإننا سنصل في نهاية الأمر إلى هذه الحدود· كما أن أي نمو إضافي سيؤدي بالضرورة إلى استنزاف قاعدة الموارد التي ينتج عنها خدمات بيئية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تدهور جودة البيئة· ويقود هذا التفكير إلى أن البيئة تشكل قيداً على النمو الاقتصادي وعلى استمرارية النشاط الاقتصادي، وأنه من أجل تجنب أي تدهور بيئي على نحو متزايد يجب خفض معدل التوسع الاقتصادي، وأن يتم إيقافه في نهاية الأمر بشكل كامل، أو حتى عكسه· إن المخاوف التي تبدو معقولة والتي تدور حول قاعدة محدودة للموارد تفرض قيوداً على التوسع في نشاطات الإنسان، هي تقليد قديم جداً، وهي التي أوحت بشكل واضح بالمخاوف المعاصرة المتعلقة بالقيود البيئية على النمو· ومن أمثلة ذلك ما كتبه مالتوس (Malthus) قبل نحو 200 عام مضت (1798)، داعياً إلى أن يتم وقف النمو السكاني وذلك لمنع حدوث البؤس والجوع والأوبئة التي تنتج بالضرورة عنه، بعد أن تخطت أعداد السكان قدرة الأرض على إنتاج الغذاء· عالم محدود ومنذ عهد قريب ورد في أحد المبادئ الرئيسية لنادي روما ''أننا نعيش في عالم محدود ذي مساحة وموارد وقدرة محدودة على امتصاص التلوث، ولابد من أن يصل النمو المستمر حتماً في مرحلة ما إلى واحد أو أكثر من هذه الحدود''· وقد كانت ندرة الموارد الطبيعية الأساسية، وبالأخص المعادن والطاقة، من الأمور التي تركزت عليها المخاوف المرتبطة بالموارد في بدايات السبعينيات من القرن العشرين· ومنذ النصف الأخير من الثمانينات، أسهمت النبوءات المتشائمة بخصوص محددات بيئتنا التي أطلقها عدد من الكتـّاب ومنهم ميدوز (Meadows) في الاحتجاج ضد فكرة التوسع الاقتصادي غير المحدود· تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة العلاقات التي تربط النمو الاقتصادي بالجودة البيئية· فمن غير الممكن - كما يقول المؤلف- أن نتجاهل التهديد الذي تتعرض له البيئة نتيجة للنمو الاقتصادي بالانشغال بالإخفاقات الكبيرة للنبوءات المتشائمة السابقة· ومع ذلك فإن الاقتصاد العالمي الحالي أكبر حجماً مما كان عليه منذ 200 عام أو 30 عاماً مضت، عندما صاغ مالتوس وميدوز تحذيراتهما، ولذلك فإن احتمال مواجهة فرض قيود على أحد الموارد ربما كان في الوقت الراهن مرجحاً أكثر مما كان في مراحل سابقة· كما أن المشكلة التي هي قيد الدراسة الدقيقة هنا تختلف عن المشكلة التي سبق تناولها في دراسات سابقة· ويكمن أحد الفروق في أن مفهوم ''الجودة البيئية'' يعتبر أكثر ذاتية وإبهاماً مقارنة بمفاهيم مثل حجم السكان أو كمية إنتاج الغذاء، أو إمدادات المعادن والطاقة؛ وهي النقاط الرئيسية التي تدور حولها دراسات مالتوس وميدوز· الموارد المادية ومع هذا، فإن أولئك الذين هم على دراية بالجدل السابق حول التهديد الذي تتعرض له رفاهية الإنسان من جانب بعض العوائق المرتبطة بالموارد المادية، سيتعرفون بلاشك من خلال معالجة المؤلف للموضوع في صفحات هذه الدراسة إلى الآراء والحجج الرئيسية التي طرحتها الأطراف المعنية في المناقشات التي جرت في الماضي· وتتناول هذه الدراسة الموضوع كما يأتي: تحدد في الفصل الأول المفاهيم الرئيسية وتوضح المنطلقات الأساسية للتحليل الذي سيليها· وبعد المناقشة الدقيقة للبيانات التاريخية والمعاصرة، تسعى في الفصل الثاني إلى تفنيد المزاعم المتعلقة بالعلاقة السلبية بين مستوى النشاط الاقتصادي، أو النمو الاقتصادي من جهة، والجودة البيئية من جهة أخرى· ويليه الفصل الثالث الذي يوضح احتمال تحسين وضع البيئة عن طريق بذل جهود واعية لتعديل الأحوال الطبيعية بحيث تتناسب واحتياجات محددة للإنسان· أما الفصل الرابع فيشرح السبب الذي يجعل تزايد مستوى النشاط الاقتصادي يؤدي عادة إلى التقليل من التأثيرات الخارجية ومن الضرر البيئي الذي ينتج عنه· ويتناول الفصل الخامس التركيب المتغير للناتج المحلي الإجمالي خلال عملية التنمية الاقتصادية، وما يعقب ذلك من انعكاسات على التلف البيئي· أما الفصل السادس فيستقصي تفضيلات المستهلك وقيمه المتغيرة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى مخاوف بيئية أكبر وإلى اتخاذ خطوات ستعمل على تحسين الأحوال البيئية، في الوقت الذي تصبح فيه الاقتصادات أكثر غنى· وفي الفصل السابع يقارن المؤلف بين عمليات النمو الاقتصادي المستدامة من الناحية البيئية وتلك غير المستدامة، وذلك في محاولة لتعريف الأسس البيئية الحاسمة بالنسبة إلى النمو الاقتصادي· البنية التحتية وتتجه التفضيلات الإنسانية إلى التغير بطرق تقلل من استعمال مدخلات الموارد البيئية مع ارتفاع مستويات الدخل الفردي· وهناك تحول باتجاه القطاع غير المادي وبعيداً عن الصناعة الثقيلة والاستثمارات في البنية التحتية المادية؛ حيث تشكل الصناعات والخدمات العالية التقنية الحصة الكبيرة في إجمالي الاقتصاد مع تزايد غنى الدول· ولا تسبب هذه النشاطات الاقتصادية الأخيرة إلا قليلاً من التلف في البيئة· وحيث إن البيئة العالية الجودة هي في مصلحة الرجل الغني؛ لذلك نجد المستهلكين الأغنياء أكثر استعداداً من الفقراء لإنفاق أجزاء كبيرة من دخلهم من أجل الحفاظ على جودة البيئة أو إصلاح الضرر البيئي· وتمضي الدراسة إلى تحليل بعض الأسباب المعقولة لتحول البيئة إلى قيد يعوق النمو الاقتصادي في المستقبل· وينشأ مثل هذا العائق في أعقاب استنزاف قاعدة الموارد الطبيعية والبيئية، ولاسيما إذا كانت هناك فرص محدودة لاستبدال خدمات رأس المال البشري والمادي بالمدخلات البيئية الأساسية· وقد حدث بالفعل بعض الاستنزاف لقاعدة الموارد البيئية· غير أن هذا التوجه ليس عاماً على الإطلاق، ومن منظار فكرة مركزية الإنسان فإن التحسينات البيئية تهيمن غالباً على مجمل التغيرات البيئية· أضف إلى ذلك أن هناك احتمالات كبيرة لاستبدال رأس المال البشري أو المادي باستنزاف الموارد الطبيعية والبيئية، ويزيد من هذه الاحتمالات التطور التقني المتزايد· ومن هنا نجد أن تناقص قاعدة الموارد البيئية لا يبدو أنه يشكل عائقاً أمام النمو الاقتصادي الحالي أو المستقبلي· النمو الاقتصادي يمكن تلخيص النتيجة العامة التي نستخلصها من هذه الدراسة حول العلاقة بين النمو الاقتصادي والجودة البيئية كما يأتي: لم يكن تدهور الأحوال البيئية نتيجة للنمو الاقتصادي الذي حدث في الماضي؛ فقد أتاح النشاط الاقتصادي المتزايد مجالاً متنامياً لصوغ الأحوال البيئية وفقاً لاحتياجات الإنسان· وقد ساعد الإبداع الإنساني والسلوك المرن على تفادي بعض المشكلات والعوائق البيئية التي ظهرت في غمار عملية النمو الاقتصادي· ماتزال معرفتنا غير مكتملة حول الآثار البيئية للمساعي الإنسانية· وقد تنامت شدة الخطر المتمثل في التلف الذي يسببه النمو الاقتصادي والتجارب التقنية عن غير قصد في البيئات الحيوية، وذلك مع اتساع نطاق النشاط الاقتصادي العالمي· ولذلك لا يمكن استبعاد إمكانية حدوث كارثة بيئية مستقبلية واسعة النطاق· وقد تسهم تلك الكارثة بشدة في تعويق فرص النمو الاقتصادي لمدة طويلة· لكن إذا افترضنا أنه بالإمكان تفادي مثل هذه الكارثة، فلا يتصور وجود أي عائق بيئي مقيد للتوسع الاقتصادي· وعلى أي حال فإن النمو الاقتصادي والتقدم التقني يعززان قدرة الإنسان على التصدي لأي مشكلات بيئية مستقبلية يمكن أن تنشأ· لذلك فإن النتيجة التي يختم المؤلف بها دراسته هي أنه في الوقت الذي يستطيع فيه الإنسان إتلاف بيئته من خلال إساءة التصرف، فليس هناك سبب قاهر يحول دون الانسجام التام بين النمو الاقتصادي المستمر والمعايير البيئية الثابتة أو حتى المتطورة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©