الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

فيلي: تتملكني السعادة كلما ارتفعت الضرائب التي أدفعها

4 أغسطس 2006 00:00
حوار - أيمن جمعة: بابتسامة عريضة وكأنه يعرفني منذ أعوام استقبلني فيلي ميليسيتس ''ملك الفطائر الاسترالي'' عند المدخل الرئيسي لشركته في مدينة اديليد بجنوب استراليا· بسرعة انتهت عبارات الترحيب التقليدية قبل أن يرافقني في جولة سريعة بالمصنع الرئيسي للشركة· وأثناء الجولة كان فيلي كثيراً ما يقطع حديثه ليلقي ملاحظاته على العمال، أو يسارع بتقديم يد العون لهم· ثم توقف فيلي وقال لي ضاحكاً ''هل يمكن إجراء الحوار هنا·· نادراً ما أجلس في غرفة رئيس مجلس الإدارة، لكنني أجد نفسي مرغماً على ذلك في حالتين فقط·· توقيع العقود والحديث مع الإعلاميين·'' ولاحظت أن هذا الرجل الذي يقترب من دخول عالم المليارديرات يرتدي نفس الزي الموحد للعاملين في شركته، وإن كان الاختلاف الوحيد هو في درجة اللون· فالعامل العادي يرتدي الزي الأبيض، ورئيس الوردية يرتدي الزي الأزرق الغامق أما فيلي الذي يقترب من دخول عالم المليارديرات فاختار لنفسه الزي الأزرق الفاتح··! قصة نجاح وفيلي ليس مليونيراً أو رجل أعمال عادياً، بل ''قصة نجاح'' تستحق التأمل لكل الشباب، وهذا ما جعلني أصر على مقابلته بشتى السبل أثناء تغطيتي لدورة تدريبية لطلبة كلية طلاب أبوظبي لأستراليا· سألته في البداية عن السر في نجاحه وتحوله من فتى لا يملك سوى 50 دولاراً وهو في سن 18 عاماً إلى مليونير وهو في سن 28 عاماً ثم إلى امبراطور عالمي لصناعة الفطائر، فأجاب بابتسامة لا تفارق وجهه ''وصفة النجاح سهلة للغاية: أولا أن تنظر بتمعن إلى مهنتك وتحدد المجال الذي يمكن أن تبتكر فيه وتكون متميزاً، وثانياً أن تكون لديك ثقة كاملة في أنك ستنجح في هذا النجاح· وبعد ذلك أن تقدم ابتكارك في صورة متقنة، لا أعرف شخصاً فعل هذا ولم يصبح نجماً في مهنته·'' وعن نجاحه الشخصي يقول فيلي ''جميل أن نتذكر الطعام التقليدي أو أن نقرأ عنه، ولا يمكن أن ننساه، هذا شيء طبيعي لكن ربما ليس هذا هو ما يحتاجه السوق حالياً· عندما دخلت سوق الفطائر، حرصت منذ البداية على إضفاء بعض اللمسات المتميزة على الأطعمة التقليدية في السوق الاسترالية· وعلى الرغم من أن الكل يحرص على تقديم منتجاته بأقل الأسعار الممكنة، فأنني أرفض هذا المفهوم لأنني أؤمن بأن هناك فئة مستعدة لدفع مبلغ أكثر قليلاً من متوسط أسعار السوق إذا ضمنت الحصول على منتج لذيذ وجيد· كنت حريصاً منذ البداية على استعمال المكونات الطازجة ذات القيمة الغذائية المثلى، والنتائج كانت مبهرة· لا أستخدم إلا اللحوم الطازجة من دون أي إضافات صناعية للبروتين أو الخضروات حتى ولو كانت مجمدة، ولا نستخدم أبداً المواد الحافظة خلال عملية التصنيع· فلسفتي بسيطة، لا بديل للأطعمة الطازجة، وبهذه الفلسفة تحولت شركتي من متجر عائلي صغير إلى مؤسسة عالمية·'' ملعب كرة القدم وقبل أن انتقل إلى سؤالي التالي قال فيلي بسرعة ''يجب هنا أن أوضح شيئاً·· الناس كلها تلعب داخل ما يشبه ملعب كرة القدم· الكل متقاربون في المستوى ومن ينجح سيكون متقدماً قليلاً على الآخرين· لكنك لن تصبح لامعاً إلا اذا خرجت من هذا الملعب وعندما تنجح فستكون الأضواء كلها من نصيبك· الفارق بين الجنون والعبقرية هو أنك إذا فشلت تصبح مجنوناً، وإن نجحت صرت عبقرياً· فقد اعتبروني مجنوناً لأني تعاملت مع صناعة الفطائر من منظور مختلف، واليوم الجميع يحاولون تقليدي· إذا فكرت مثل الجميع فإن نجاحك سيكون مثل الجميع، أما اذا نظرت إلى الصورة بشكل أكبر فسيكون نجاحك أكبر لأنه لن يكون محدداً وهذا يتطلب شجاعة كبيرة وثقة كبيرة بالنفس· ولا تهتم بما يقوله الناس بل بما تريده أنت، وفي مجال الأعمال لا بد من التوسع الدائم فإما أن تكون صغيراً أو كبيراً، أما المنطقة الوسطى الرمادية فهي تشبه ''الأرض الحرام''·'' مسيرة صعبة ولم تكن مسيرة فيلي سهلة بعد بزوغ نجمه، حيث سارع الكثيرون لتقليده· ويقول فيلي ''ما جعلني أحافظ على نجاحي هو قدرتي على التوازن النفسي· يجب ان تكون قادراً على العودة إلى منزلك في أسوأ يوم عمل وأنت ترسم ابتسامة على وجهك· أبرز ميزات رجل الأعمال الناجح هو الهدوء خاصة عند مواجهة الأزمات، هكذا يكون القائد لأنه يدرك أن الأزمة ليست نهاية المطاف وليس في مصلحة أحد أن تتخبط في قرارتك على غير هدى مثل الدجاجة المذبوحة كلما واجهتك مشكلة· والمنافسة لا تقلقني لأن النجاح ليس له حدود، ورجل الأعمال الناجح لا يمكن أن يشعر بالرضى وإلا فعليه أن يتقاعد، لأنك إذا توقفت في ظل هذه المنافسة الضخمة فسوف تتراجع· ولذا فأنا أبحث كل يوم عن جديد لأقدمه للسوق، ويشجعني على ذلك أن ارتفاع مستويات المعيشة بشكل مطرد، ورغبة الناس المستمرة في الأفضل·'' الاتفاق بالكلمة وعلى الرغم من انه لم يعد بحاجة ليذهب كل يوم إلى المقر الرئيسي لشركته بعدما بلغ 57 عاماً، واتسعت شركته لتضم مجموعة من أبرز المديرين، فإن فيلي لا يزال يعمل وكأنه عامل عادي· ويقول ''والدتي ظلت تعمل حتى سن 85 عاماً وهي الآن عمرها 94 عاماً· واعتقد أنني ساسير على النهج نفسه· كلما شاهدت أجنبياً في المطعم الملحق بالمصنع حرصت على الجلوس معه بل ودعوته للطعام ومعرفة طباعه وعاداته وأذواقه· ذات يوم رأيت فتاة تشعر ببعض الحرج من سقوط فتات الفطائر على ملابسها فقررت فتح خط إنتاج لفطائر صغيرة الحجم· الفكرة بسيطة لكن أحداً لم يكن يهتم بها، وسرعان ما انتشرت في العالم كله·'' ويقول فيلي ''أنا من أنصار المدرسة الاقتصادية التقليدية·· الكلمة عندي أفضل من مئة عقد· صحيح أن الحرص مطلوب لكن في المرة الأولى فقط مع كل عميل جديد وبعد ذلك تأتي الثقة· ويكفي أن أصافحك لتأكيد أن صفقة بملايين الدولارات قد اكتملت· لا أحب الأوراق، بل أعتقد ان العقود قد تمت صياغتها من أجل الذهاب إلى المحاكم· وأنا أطبق قاعدة ·· عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وأضع نصب عينيي دوماً أن هناك جسوراً وإذا تعاملت بشكل سيئ فسوف أحرق الجسور مع الآخرين·'' وعن نظرته للجيل الجديد من الشباب يقول فيلي ''شباب اليوم لا يفكرون إلا في يومهم فقط، ولا يهتمون بالغد·· يريدون السفر واللهو والمتعة ولكن أين التعب والالتزام؟· دخلت المدرسة وعمري 14 عاماً وعملت كثيراً من الوقت من دون أجر للحصول على الخبرة، وكان البعض يسأل لماذا تعمل من دون أجر، لكن المكافاة جاءت بعد ذلك· نصيحتي لكل الشباب·· إذا وضعت الخبرة نصب عينيك فستكسب الكثير، أما اذا حدث العكس فستظل على هامش المجتمع· عندما كنت شاباً متواضعاً لم أكن أفعل إلا ما أقدر عليه ومن دون مبالغة، وعندما بلغت الثامنة والعشرين أي بعد ثماني سنوات فقط جمعت أول مليون دولار في حياتي· أقول للشباب في كل محاضراتي·· يمكن أن تحصل على المعرفة وتشتريها من الكتب والاستماع إلى الخبراء والتعلم منهم لكنك لا تستطيع ان تشتري الخبرة بل تعيشها وهذا ما جعلني أعمل في سن مبكرة وأحياناً من دون مقابل·'' لا لتوزيع الأموال ويؤمن فيلي بأن نجاح التنمية في المجتمع لا يمكن أن يقوم على مبدأ ''توزيع الأموال''· ويقول ''لا أقدم أبداً تبرعات شخصية، بل أعقد لقاءات دورية مع الشباب الذي لا يشعر بالتفاؤل في المستقبل وأعمل على تحفيزه وتشجيعه من خلال تقديم تجربتي الشخصية كنموذج يمكن الاحتذاء به· وخلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة ساعدت مئات الطلبة الأستراليين وبشكل شخصي ومباشر على دخول عالم الأعمال من خلال احتضان مشاريع تخرجهم·'' وعندما سألته عن موقفه من الضرائب المرتفعة في أستراليا والتي تصل إلى نحو 50 % تقريباً من الدخل، أكد فيلي أن السعادة تتملكه كلما أبلغه المحاسبون بأنه سيدفع المزيد منها قائلا ''هذا ببساطة يعني أن مكاسبي ارتفعت على العام الماضي·'' ويؤمن فيلي بأن على رجال الأعمال أن يدفعوا للمجتمع حقه قائلاً ''فلسفتي في هذه النقطة أن الضرائب مفيدة لأنها تساعد على تنمية المجتمع، ونجاحي مرهون باستمرار البنية الأساسية في حال جيدة، وانا أفضل أن أدفع نصف مكاسبي لرفع مستوى معيشة الفقراء بدلاً من التعرض لجريمة قتل من أجل سرقة خمسة دورات من جيبي· ألقي محاضرات أسبوعية من دون مقابل ولا أرد سائلاً يطلب الخبرة، لأنني أجد أن ذلك من حق المجتمع الذي وفر لي المناخ للثراء·'' مدير البنك وبينما كان فيلي مسترسلاً في الحديث عن بداياته، انفجر فجأة في الضحك وقال ''عندما توجهت إلى مدير أحد البنوك المحلية لطلب قرض، فإنه رفض· وربما كان محقاً آنذاك· لكنني قلت له قبل أن أخرج من مكتبه·· ستطلب مني ذات يوم أن تعمل عندي· ربما ظن آنذاك أنني أسخر منه لكنني أثني على براعته وأعتقد أنه يمكن أن يلعب دوراً في شركتي المستقبلية· ودارت الأيام وهو الآن يعمل عندي بالفعل·'' وفي نهاية اللقاء سألت فيلي عن الشيء الذي فعله ثم ندم عليه فقال ''لم أندم قط على شيء فعلته· لأنه وببساطة لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب· لا أعرف كلمة الندم، ولو كان لهذه الكلمة وجود في قاموس حياتي لما حققت أي نجاح·''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©