السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الدم في العسل

19 يوليو 2011 00:01
عندما اقتادوا السيدة دهاركور الطيبة وأجلسوها أرضاً مقيدين يديها خلف ظهرها، كنت قد تهيأت لأشهد مشهد توحش جديداً. لم يباغتني بارغوس يوسا هذه المرة، كما فعل مع السائحين الفرنسيين في مشهد سابق، حين خدرني بوصف شاعرية المكان وأجوائه المهيبة في جبال الأنديز، واستناد الشابة ميشيل باسترخاء على كتف صديقها ألبير في رحلة ظل يدخر لأجلها سنتين ليرى عظمة الطبيعة وبهجة الحياة في البيرو، ويعود لفرنسا محملاً بالحكايات المثيرة يحكيها لرفاقه ولأحفاده حين يشيخ. كان قتلهما مباغتاً ووحشياً وغير مبرر بالمرة، ولكنها لغة الإرهاب حين تحتل القلوب لا يعود متسع لأي حس إنساني. كان ألبير يقول لميشيل “لا تقلقي ساعة يكتشفون أننا سائحان فرنسيان فقيران، ولا علاقة لنا بالصراعات السياسية في البيرو سيطلقون سراحنا، سيدركون أن لا علاقة لنا بالأمر”، كان مطمئناً حقاً، فلماذا قد يود أحد إيذاء أشخاص لا علاقة لهم بمعركته؟!. ولكن في منطق جماعة قررت تبني طريق الدم منهجاً كان الأمر مختلفاً. أمعنوا في تعذيبهما بالحجارة، ابتداء بتهشيم وجهيهما. ميشيل كانت تلتصق بألبير من شدة الرعب في تلك البرية المهيبة التي كانا قبل لحظات يتغزلان بجمالها. مشهد جعلني أمتنع عن تناول طعام العشاء. تركت الكتاب جانباً، فأنا أقرأ أساساً لأشعر بالمتعة وليس بالاشمئزاز ـ أستطيع متابعة نشرات الأخبار لو أردت ذلك ـ. لاحقاً، وجدتني أمسك بالكتاب مجدداً، لم أحب يوماً ترك كتاب دون إكمال قراءته، وفي الواقع أردت أن أعرف ماذا سيحصل للعريف ليتوما في النهاية، هل سيتم قتله بوحشية هو أيضاً، كما يتوقع كل يوم مع مساعده الشاب توماس؟ ولكن، وبما أن عنوان الكتاب باسمه “ليتوما في جبال الأنديز” فهذا يعني أنه لن يموت لأنه البطل، والبطل – كما اعتدنا في الأفلام العربية- لا يموت، على الأقل أستطيع الاطمئنان إلى ذلك. ثم إنني هذه المرة حين جلست لأقرأ كنت قد تهيأت لتوقع الأسوأ، تعلمت ألا تخدرني مهارة يوسا السحرية في وصف الجمال وهدوء الطبيعة ونبل الشخصيات الإنسانية التي يهيئها للقتل، عرفت أنها تقنية يستخدمها ليجعل من حادثة الموت أشد تأثيراً. لذلك حين طوّق فجراً خمسين شخصاً الكوخ الذي تبيت فيه البعثة العلمية بإشراف السيدة دهاركور، تابعت القراءة لنهاية المشهد باتزان عاطفي. بعد هذا المشهد ينتقل يوسا إلى ليتوما الذي يعاود إغاظة مساعده توماس باستجوابه عن حبيبته التي تركها خلفه. مشهد ظريف لن يجعلني أنسى وحشية ما سبق وكأن توحش الإنسانية صار ماضياً وحان وقت الحديث عن الحب. لكن أعرف كذلك أني سأواصل القراءة بقلبٍ ثابت، حتى لو انتهت الرواية –على عكس الأفلام العربية- بموت البطل. فالمرء يمكن أن يقرأ أيضاً لأجل أن يصير أكثر اتزاناً وحكمة وليس فقط لأجل الشعور المباشر بالمتعة. مريم الساعدي Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©