الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«شال» و «موريس» يهددان حياة الجزائريين منذ نصف قرن

«شال» و «موريس» يهددان حياة الجزائريين منذ نصف قرن
19 يوليو 2011 20:30
احتفلت الجزائر في 5 يوليو الجاري بالذكرى الـ49 لاستقلالها عن فرنسا، وكانت المناسبة التاريخية فرصة لتجديد مطالب الجزائريين لفرنسا بضرورة الاعتراف بجرائمها والاعتذار والتعويض عنها، وتمّ ذكرُ العديد من الجرائم التي يجب أن تعتذر عنها فرنسا ومنها تجاربها النووية الـ13 بالصحراء الجزائرية، وأعمال الإبادة الجماعية، والتعذيب والتهجير الجماعي وغيرها، إلا أن حقول ألغامها لم تنل نصيبها من الاهتمام بالرغم من أنها ما تزال تخلف ضحايا إلى حدّ الساعة بعد مرور قرابة نصف قرن من الاستقلال. تقع حقول الألغام الفرنسية تحديداً على حدود الجزائر الغربية مع المملكة المغربية وعلى حدودها الشرقية مع تونس؛ وبحسب بيانات وزارة المجاهدين الجزائرية، فإن فرنسا قامت في عامي 1956 و1957 ببناء خطين شائكين مكهربين واسعين بطول 750 كم لكل منهما وبعرض 30 إلى 60 متراً، وملأتهما بملايين الألغام الفردية والجماعية المضادة للأشخاص لمنع المجاهدين من توريد السلاح من الدول المناصِرة للثورة الجزائرية، وأطلقت عليهما اسمي “شال” و”موريس” نسبة إلى جنرالين أشرفا على بنائهما. خطان شائكان قال محمد القورصو، رئيس جمعية 8 مايو 1945 التاريخية، إن “فرنسا هجّرت نحو 3 ملايين جزائري من قراهم لإقامة حقول الألغام على أراضيهم الزراعية والرعوية، ووضعتهم في 160 مخيما ليعيشوا هناك إلى غاية الاستقلال في ظروف مأساوية”. وتؤكد شهادة المجاهدين، الذين بقوا على قيد الحياة، وحاولوا اختراق هذين الخطين، أن الكثير منهم رأوا رفاقاً لهم وهم يتحولون إلى أشلاء بعد أن انفجرت ألغامٌ تحت أجسادهم، كما بُترت أعضاءُ آخرين، وقد أنشأوا بعد الاستقلال منظمة لـ”معطوبي حرب التحرير”، وتمكنت فرنسا من الحدّ من حركة المجاهدين باتجاه تونس والمغرب لتوريد السلاح، إلا أنها لم تحقق كلية هدفها بعزل الثورة الجزائرية عسكرياً عن الخارج، إذ استمرت محاولات الثوار اختراق الخطين ونجح الكثيرُ منهم في اختراقهما بسلام. وبعد استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962، غادرت فرنسا البلد دون أن تقـوم بأي مجهــود لإزالة خطي “شال” و”موريس” بل تركتهما كما هما، مليئين بـ11 مليون لغم، بحسب العقيد علي غربي، المكلف بتنفيذ معاهدة “أوتاوا”. وانتهت معاناة الثوار ومغـــامراتهم الخطيرة في اخــتراق حقلي الألغـام عند هذا الحدّ، ولكن معاناة سكان القرى المحاذية للخطين بدأت فور الاستقلال، حيث أخذت الألغام تنفجر في وجوه السكان البدو وكذا الرعاة ومواشيهم. وبدأت الحصـيلة تتفـاقم باسـتمرار بالرغم من تحذيرات السلطات الجزائرية للسكان بضرورة عدم الاقتراب من مناطق الألغام وتحديدها لهم، وتبّين أن البدو الرحل بالجنوب الغربي للجزائر وبخاصة مناطق النعامة ومشرية وبشار ومناطق أخرى على الحدود المغربية هم الأكثر عرضة للألغام الاستعمارية. بتر الأعضاء استضافت وزارة التضامن الجزائرية العديد من الضحايا الذين بُترت أعضاؤهم في ملتقيات حول خطورة الألغام الاستعمارية، وقدّم هؤلاء شهاداتهم في السنوات الماضية، وكيف أنهم داسوا على ألغام فاستيقظوا ليجدوا أنفسهم في المستشفيات، وقد بُترت أرجلهم وتعرضوا لإصابات جسيمة، ومنهم المخفي زقالم، الذي فقد رجليه بانفجار لغم، والأدهى من ذلك أنه فقدَ 4 من أبنائه بانفجار لغم آخر. وتؤكد وزارة التضامن أن 598 جزائرياً قضوا بانفجارات مخلفات الألغام الفرنسية منذ 1962 إلى الآن، منهم 244 بولاية النعامة وحدها، فضلاً عن تسجيل أزيد من 3236 إصابة متفاوتة لا يزال أصحابُها يعانون من إعاقات مختلفة حوّلت حياتهم إلى جحيم. وقد تمّ تزويدُ بعضهم بأطراف صناعية، بينما تعذّر ذلك مع آخرين بعد استئصال أرجلهم من منابتها. وتتكفل الوزارة بمنحهم مساعدات مالية شهرية لإعانتهم في مواجهة شظف العيش بعد أن تسببت الألغام في عجز أغلبهم عن العمل، إلا أن الضحايا يرون ذلك غير كاف، ويطالبون السلطات بالضغط على فرنسا للاعتذار عن جريمتها بحقهم وتقديم تعويضات وافية لهم. ويؤكد عبد المجيد شيخي، المدير العام للأرشيف، أن “حقول الألغام الفرنسية تعدّ جريمة ضد الإنسانية لتوافر القصد الجنائي لدى مرتكبيها”، بينما أكد محمد عباد، رئيس جمعية “مشعل الشهيد” أن الجزائر “ستنظم ملتقى دولياً في عام 2012 حول خطر الألغام وستكون مناسبة للدفاع عن حقوق هذه الشريحة الجريحة من المجتمع”، في إشارة إلى الضغط على فرنسا لمنحهم تعويضات كافية. إزالة الألغام رفضت فرنسا إزالة ألغامها فور رحيلها، أو حتى منح الدولة الفتية القائمة بعد الاستقلال في الجزائر خرائطَ تفصيلية لحقول ألغامها لمساعدتها على إزالتها، وهنا وجدت الجزائر نفسها مدفوعة للاستنجاد بخبرة عدد من الدول الصديقة التي ساعدتها أثناء ثورتها ومنها الاتحاد السوفييتي السابق، وساعد البلدُ الصديق، ثم روسيا منذ 1991، الجيشَ الجزائري الفتيّ في إزالة نحو 8 ملايين لغم. ومنذ عام 2004، أصبحت للجيش الجزائري خبرة كافية لإتمام المهمة لوحده، وتمكّن من إزالة نصف مليون لغم إلى غاية مارس 2011، وقامت السلطات بعد التطهير الكامل لنحو 945 ألف هكتار من الأراضي كانت مليئة بالألغام، بتوزيعها على فلاحين لاستغلالها في الزراعة بعد نصف قرن من البوار، كما أمضت الجزائر في ديسمبر 1997 على معاهدة “أوتاوا” الدولية حول حظر استعمال الألغام وحظر تخزينها وإنتاجها ونقلها، ومُنحت لها مهلة إلى غاية أبريل 2012 لإزالة آخر الألغام المتبقية، إلا أنها طلبت مهلة إضافية من 5 أعوام، باعتبار أن إزالة نحو 2.5 مليون لغم متبقية، ليس بالمهمة السهلة وهي تتطلب المزيد من الوقت والإمكانات. ويقول العقيد علي غربي إن “المهمة صعبة للغاية ولاسيما في ظل عدم المعرفة الدقيقة بأماكن وجود الألغام التي يتطلب البحثُ عنها الكثير من الحذر والصبر والوقت”، ويضيف “استجابت فرنسا مؤخرا لنداءاتنا الملحّة بضرورة منحنا خرائطَ ألغامها، ولكننا اكتشفنا أن الزمن تجاوزها ولم تعد فعالة بحكم مرور مدة طويلة على زرعها؛ إذ تغيرت مواقع الكثير من الألغام بفعل العوامل الطبيعية وفي مقدمتها السيول التي جرفتها إلى أماكن أخرى”. حرب مستمرة يكشف العقيد علي غربي أن هناك تحدياً آخر يتمثل في إزالة 15 ألف لغم زرعها “إرهابيون” في الجبال والغابات لإعاقة تقدم الجيش إلى معاقلهم، وقد خلف انفجارُها مقتل العشرات من الرعاة والفلاحين، آخرهم راع بجبال المسيلة شرق الجزائر منذ أيام قليلة، فضلاً عن مئات الإصابات. وبدأ الإرهابيون مؤخراً يستعينون بعصابات لنزع الألغام الاستعمارية وبيعها لهم لاستعمالها في جرائمهم، ويقوم الجيش الآن بتشديد الحراسة على مواقع الألغام الاستعمارية بانتظار تفكيكها وتفجيرها لاحقاً لمنع الإرهابيين من استغلالها. وتراهن الجزائر على نجاحها بنزع الـ2.5 مليون لغم المتبقية خلال الخمس سنوات القادمة، وبالتالي وضع حد لهذه الجريمة الاستعمارية النكراء التي بقيت مستمرة حتى بعد استقلال الجزائر بنحو نصف قرن، حيث تُعدُّ الألغام ومخلفات التجارب النووية الجريمتين الوحيدتين اللتين ما تزالان توقعان المزيد من الشهداء في صفوف الجزائريين بعد نصف قرن من استقلال بلدهم، ما يعني أن قافلة المليون ونصف المليون شهيد جزائري، ليست نهائية، والحرب الاستعمارية الفرنسية لم تنتهِ بعد، وهذه إحدى مفارقات هذه الثورة الكبرى التي انتزعت إعجاب العالم كله بإصرار الشعب الجزائري على النصر مهما بلغت جسامة التضحيات.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©