الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

"زمن اليَبَاب".. يموتون ألف مرة ولا يموتون!

"زمن اليَبَاب".. يموتون ألف مرة ولا يموتون!
10 أكتوبر 2018 00:04

نوف الموسى (دبي)

اجتماع الممثلين عذاري وجمعة صالح وهيفا العلي وبدر حكمي ومحمد السويدي، والحديث على طاولة مستديرة لقراءة نص مسرحي فلسفي بعنوان «زمن اليَبَاب» للكاتب هزاع البراري، مع المخرج الشاب سالم التميمي، في تجربته الإخراجية الأولى، ضمن فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب لعام 2018، مسألة تستدعي البحث عن العمق الفكري، الذي يمكن أن ينتجه الحضور الوجودي للموت والحياة في النص، على المسرحيين الشباب، فالأمر برمته، لا يتعلق فقط، بإنتاج عمل مسرحي، والفوز بجائزة، وإنما بتعزيز مستوى الوعي في آلية خلق اللحظة الحيّة على خشبة المسرح، التي تماهت ليلة أول من أمس، وأوحت بما يمكن استشفافه، بأن كل إنسان له لحظات موته الخاصة، واللافت للانتباه، ليس الموت كمفهوم، ولكن التعاطي الضمني للشباب مع النص، فالمجتمع الفني المسرحي، لا يمكنه أن يتشكل لوحده، بل هو نتاج توسع لاحتمالات أن يؤثر الممثل والكاتب والمخرج عبر ذاته المتجسدة في العرض، ويخلق تجمعاً إنسانياً نحو عمله المسرحي، اسميناه بـ الجمهور، لذلك فإن «زمن اليَبَاب»، لمسرح دبي الأهلي، لم يكتف بطرح أسئلته حول فضاء الفراغ القابع بين الحياة والموت، بل قدم نموذجاً لما يمكن أن يُحدثه المسرح، في تنامي الفعل الإبداعي لدى شباب المسرح أنفسهم.
في اللحظة التي سقط فيها الثلج من بين يدي الشخصية «فرح»، سعياً منها لتجميد جثث أحبائها، بعد أن قتلهم الوباء، تساءلت كثيراً عن مدى ما تشعر به الممثلة عذاري وهي تؤدي دورها النازح إلى أقصى مناطق الألم في الذات، كيف يمكن أن يؤثر على شابة من الإمارات، وهي تحاول انتزاع الموت من نفسها. عادةً يتحدث الناقدون بمعزل عن الشخصية المسرحية والذات الحقيقية، إلا أن فعل النقد يكمن في إزالة الحواجز، وإدراك الأثر الأول على مُنتج اللحظة الإنسانية، وهو «الممثل» بحركته الداخلية والخارجية والمخرج بإنتاجه لبديهيات اللغة المسرحية، واستنطاقها عبر المكان والزمان. وبشكل تفاعلي، فإن وضع المسألة في جو عام وبعد عالمي، يجعل المتلقي قادراً على وضع إسقاطات متعددة، كالتي أشار إليها الكاتب هزاع البراري، بأن يعيش الأشخاص حياة الميتيين أكثر من الموتى أنفسهم، مشيراً إلى الشق الوجودي للفقدان في الوعي الإنساني، معتبراً أن الحياة لا يمكن لها أن تكتمل دونما موت.
لا أعتقد بأنه نص سوداوي، فالأخير عادةً ما يربط باللون وحالة الدراما الكئيبة، إلا أن في مسرحية «زمن اليَبَاب»، اختتمت الشخصية فرح حضورها بتحريض المتلقي نحو أن يعيش موته بالكامل، وأن يعيش ولادته بالكامل، وأن البقاء بين المنطقتين الشبيه بلحظة انتظار، أمر مفزع جداً، ومهلك للروح والذات. خاصةً أن الشخص يعمد إلى أسرها وخنقها وصولاً بها إلى أن تبقى عالقة، دونما فرصة جديدة، فهو ليس نصاً سوداوياً بقدر ما هو عميق وصعب ومدويّ، فيه ماتت الشخصيات ألف مرة ولم تمت. من جهته اعتبر المخرج الشاب سالم التميمي، أن شكل الموت سواء في توابيت أو على كراسي بعجلات صغيرة تغطى بشراشف بيضاء، أو في ثلاجات باردة، غير مهم أمام حدوث الموت نفسه، في تعليقه حول سينوغرافيا العمل، المحفوف بصفائح رمادية، إشارة على مشهدية الخرابة، التي تعكس ظلمة الألم !

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©