الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لبنانيون يطالبون باستراتيجية «رشيدة» لاستئصال شأفة التسول

لبنانيون يطالبون باستراتيجية «رشيدة» لاستئصال شأفة التسول
16 أكتوبر 2010 20:38
مشهد يتكرر في أرجاء العاصمة بيروت.. مشوهون، أصحاء، عجزة، من كل الأعمار يمارسون “لعبة الذل” في طقوس غريبة. هذا يطلق نداء استغاثة ليستدر عطف المارة وحملهم على الدفع، وهناك حشد من صغار يطاردون عابر سبيل، ويصدرون أصوات استرحام مبهمة، وفي زوايا الشوارع الرئيسية، مشاهد لأناس بثياب رثة ممزقة، يعرضون تشوهاتهم الجسدية مقابل الحصول على تعاطف المارة وأموالهم. تشكل ظاهرة التسوّل مظهراً غير حضاري، يتزايد في المدن والبلدات اللبنانية، خصوصاً أمام المساجد، فلا تكاد تخرج من أي مسجد حتى يداهمك سيلا من المتسولين، يطالبونك بالصدقة، مستخدمين عدة أساليب وعبارات، وكأن المسجد أصبح المكان الاستراتيجي الأمثل، لاستدرار عطف المصلين الذين يعتقدون بضرورة إعطاء الصدقة للفقراء، كونها جزءاً من العقيدة الإسلامية. ويتجنب هؤلاء رد السائل عملاً بالآية الكريمة "وأما السائل فلا تنهر"، وتلبية لدعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) للتكافل الاجتماعي بين المسلمين. كراهية التسول حث الإسلام على الصدقة والإنفاق في سبيل الله، ووعد على ذلك بالأجر الجزيل، ودعا إلى تفقد أحوال الفقراء والمعوزين، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى الاجتهاد في طلب الرزق، وعدم استسهال الحصول عليه من التسول وعدم "أكل" أموال الناس بالباطل، فالقادرون على العمل مأمورون بالسعي لاكتساب الرزق من الطرق الحلال التي شرّعها الله، والعمل الحلال مهما كان نوعه ونظرة الناس إليه، واحتقاره عندهم، إنما هو شرف وعز لصاحبه ومأجور عليه. إلى ذلك، يقول الشيخ محمد جمعة إن مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، تكون من خلال ذم التسول في خطب الجمعة والندوات والمحاضرات، ومن خلال التأكيد على أداء الزكاة في حل مشكلات جميع المتسولين، لهذا السبب جعلها الله ركناً من أركان الإسلام، فكل مسلم يفرّط في هذا الركن، يحمل وزر من بات جائعاً في بلاد المسلمين، وعلى رجال الدين حثّ المسلمين على التعاون والتكاتف والاهتمام بالمحتاجين في محيطهم، والتذكير بالسمات العظيمة التي يمتاز بها الدين الإسلامي. ويرى جمعة أن في التسوّل يذل السائل نفسه لغير الله تعالى، وبطريقة غير مشروعة لا تليق بكرامة المسلم. طرق المكافحة تحتاج مكافحة ظاهرة التسول إلى استراتيجية رشيدة من قبل الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لإنشاء نظام متكامل للتكافل الاجتماعي، وإعادة النظر في التعامل مع الصدقات وأموال الزكاة، ولا بد من إجراءات لإيجاد بدائل، توفر للمتسولين احتياجاتهم المادية وتمنعهم من التسول. وبما أن الهيئات الدينية ولجان الزكاة، تعجز عن تلبية كل حاجات المعوزين، فلا بد من إيجاد مراكز لرعاية وتأهيل الأطفال المتشردين، وإيجاد فرص عمل مناسبة لهم، وإخضاعهم لبرامج مناسبة لقدراتهم ومواهبهم، كالتدريب على الحرف اليدوية ليفيدوا المجتمع وانفسهم. كذلك تقع على عاتق الدولة مهمة تأهيل مؤسسات الرعاية الاجتماعية والجمعيات الأهلية، من اجل إيواء المسنين المتسولين في دور رعاية المسنين، إلى جانب دور وزارتي الثقافة والأعلام في التوعية والتوجيه. في هذا الإطار، تقول المسؤولة في مؤسسة دار الرعاية الاجتماعية برلنت العقاد إنه يمكن الحد من أعداد المتسولين انطلاقاً من الاهتمام بالأسر المحرومة والأيتام، وبإمكان المؤسسات الخيرية تغطية بعض الاحتياجات وتقديم المساعدة للمحتاجين عبر تكوين لجان المتطوعين وفق آلية معينة، لبحث حالات المتقدمين لطلبات المساعدات ودراستها، وبحث الحالات بدقة من عدة جوانب، مضيفة أنه بإمكان الدولة متابعة عمل المؤسسات، وإنشاء مراكز متخصصة تابعة لها مهمتها ملاحقة الأطفال المتسولين، وإعادتهم إلى ذويهم، وتضع المتسولين الذين لا عائل لهم في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وتقوم بتحويل مشاريع صغرى لتأمين الدخل للمتسولين القادرين على العمل والراغبين في الكسب الحلال، ومعاقبة "المافيات" التي تستغل الأطفال والمسنين والمعاقين لجني الثروات. الشق القانوني يؤكد مصدر أمني مسؤول في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أن هناك إجراءات متخذة من جانب دوريات قوى الأمن لمكافحة ومنع التسول في الأماكن العامة، وليس فقط أمام المساجد ودور العبادة، خصوصاً أن المتسولين يحتمون بجموع المصلين لدى دخولهم وخروجهم من المساجد عند صلاة الظهر. ويقول إن الأوامر والتعليمات المعطاة لرجال الأمن تقضي بإلقاء القبض على المتسولين الذين أصبح التسول عندهم "مهنة" يومي لاسيما يوم الجمعة، على أساس أن الاستجداء أمام الجوامع يعطيهم الرحمة والعطف فيحصلون على المال من المصلين، حيث تكون "غلة" الشغل جيدة. ويتابع المصدر نفسه "نحن نقوم بكل الإجراءات الاحترازية للقضاء على هذه الظاهرة التي تضر بالوجه الحضاري للبلد، ونحاول قدر الإمكان التخفيف منها، حيث نعمد إلى إلقاء القبض على المتسولين ويكون عقابهم السجن،. أما المحتاجين الذين عصفت بهم الظروف القاهرة فنحاول حل مشكلاتهم مع دور الرعاية والهيئات الاجتماعية، وفي كثير من الأحيان وعند القبض على بعض المتسولين لاسيما القاصرين منهم، فإن هناك هيئات إنسانية واجتماعية مختصة تأويهم وتدربهم على أعمال واختصاصات يحاولون من خلالها تحصيل رزقهم بعيداً عن الاستجداء، موضحا أن الحملات الأمنية مستمرة ومتواصلة لمكافحة هذه الظاهرة والقضاء عليها. توفير فرص عمل يقول شارل ياسين، اختصاصي في علم النفس، إن ظاهرة التسول تشكل معلماً غير حضاري يتزايد في لبنان، والسبب أن بعضهم يعمد إلى "الشحاذة" تحت حجة الفقر والعوز، إضافة إلى مشاكل اجتماعية مترتبة عن عوامل المرض أو اليتم أو الكوارث أو حالات الطلاق، وأيضاً بسبب انتشار البطالة والركود وعدم توافر فرص العمل. ويضيف "المطلوب من المسؤولين المعنيين محاولة إيجاد المخارج الصحيحة للقضاء على هذه الآفة، مثل إيجاد فرص عمل، فالمتسول إما أن يكون محتاجاً قادراً على العمل، فنرشده إلى حرفة يسترزق منها، وإما أن يكون عاجزاً عن العمل بسبب المرض إو الإعاقة، فيكون واجب الدولة أن تكفلهم". ويؤكد ياسين ضرورة توجيه المتسولين إلى الجمعيات المتخصصة التي تعد ملفات ودراسات حول حالات الفقر، وأماكن توزع الفقراء، فتجمع أموال الزكاة وأهل الخير والمتبرعين لمساعدتهم بعد التأكيد من أوضاعهم ما يحصلون عليه هو حق لهم وليس منّة. لمكافحة التسول، يقول "نحتاج إلى استراتيجية موضوعية لإنشاء نظام متكامل للتكافل الاجتماعي، عبر إيجاد مراكز لرعاية وتأهيل الأطفال المتشردين، وإيجاد فرص عمل مناسبة بعد إخضاعهم لبرامج مناسبة لقدراتهم ومواهبهم، لإفادة المجتمع والتخلص من هذه الظاهرة السلبية المضرة بالوطن".
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©