الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كرمٌ حتى بعد الموت

16 أكتوبر 2010 20:55
أحب العرب الكرم واتخذوا له رموزاً وإشارات، فكانوا يوقدون النار كي يراهم الأضياف ويأتوا إليهم، ويسمون الكلب داعي الضمير ومتمم النعم ومشيد الذكر لما يجلب من الأضياف بنباحه، وكانوا إذا اشتد البرد وهبّت الرياح لم تشب النيران فرقوا الكلاب حوالي الحي وربطوها إلى العتمة لتستوحش فتنبح فتهدي الضال وتأتي الأضياف على نباحها. وأتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فأعطاه غنماً سدّت ما بين جبلين فرجع إلى قومه وقال أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وإذا ذُكر الكرم لابد من ذكر اسم حاتم الطائي الذي كان، ولا يزال إلى يومنا هذا مضرب المثل في الكرم عند العرب، ومما يؤثر عنه أن رجلاً سأله فقال: يا حاتم هل غلبك أحد في الكرم؟ قال: نعم غلام يتيم، وذلك أني نزلت بفنائه وكانت له عشرة رؤوس من الغنم، فعمد إلى رأس فذبحه وأصلح لحمه، وقدمه إلي وكان فيما قدم الدماغ، فقلت: طيّب والله، فخرج من بين يدي وجعل يذبح رأساً بعد رأس ويقدم الدماغ، وأنا لا أعلم، فلما رجعت لأرحل نظرت حول بيته دماً عظيماً، فإذا هو قد ذبح الغنم بأسرها فقلت له لمَ فعلت ذلك؟ قال يا سبحان الله تستطيب شيئاً أملكه وأبخل عليك به إن ذلك لسبّة على العرب قبيحة، فقيل يا حاتم فبماذا عوّضته؟ قال بثلاثمائة ناقة حمراء وبخمسمائة رأس من الغنم، فقيل أنت أكرم منه قال: هيهات بل هو والله أكرم لأنه جاد بكل ما ملك وأنا جدت بقليل من كثير. و»كرم» لغة أصل صحيح له بابان: أحدهما شَرَفٌ في الشيء في نفسِه أو شرفٌ في خُلُق من الأخلاق. يقال رجلٌ كريم، وفرسٌ كريم، ونبات كريم. وأكرَمَ الرّجلُ، إذا أتَى بأولادٍ كرام. وكَرُم السّحابُ: أتَى بالغَيث. وأرضٌ مَكرَُمةٌ للنَّبات، إذا كانت جيِّدة النبات. والكَرَم في الخُلْق يقال هو الصَّفح عن ذنبِ المُذنب. والكريم: الصَّفوح. والله تعالى هو الكريم الصَّفوح عن ذنوب عبادِه المؤمنين. والكَريم: الجامع لأَنواع الخير والشرَف والفضائل. والأصل الآخر الكَرْم، وهي القِلادة. والكَرْم العِنَب أيضاً لأنَّه مجتَمِع الشُّعَب منظومُ الحبّ. وقد روي عن حاتم أنه كان يقري الضيف بعد موته! مرّ نفر من عبد القيس بقبر حاتم الطائي فنزلوا قريباً منه فقام إليه رجل يقال له: أبو الخيبري وجعل يركض برجله قبره، ويقول: أقْرِنا، فقال له بعضهم: ويلك! ما يدعوك أن تعرض لرجل قد مات؟ قال: إن طياً تزعم أنه ما نزل به أحد إلا قراه، ثم أجنّهم الليل، فناموا، فقام أبو الخيبري فزعاً وهو يقول: واراحلتاه! فقالوا له: ما لك؟ قال أتاني حاتم في النوم، وعقر ناقتي بالسيف، وأنا أنظر إليها، ثم أنشدني شعراً حفظته يقول فيه: أَبَا الخَيْبـــــَرِيّ وَأَنْـــــــتَ امـــْرُؤٌ ظَلُـــــومُ العَشِيـــــرَةِ شَتَّامُهَـــــا أَتَيْتَ بِـصَحْبِكَ تَبْغــــِي القِــــرَى لَدَى حُفْرَةٍ قَـــدْ صـــَدَتْ هَامُهَــا أَتَبْغِي لِيَ الذَنْــبَ عِنْــدَ المَــبِيتِ وَحَــــوْلَكَ طَــــيْءٌ وَأَنْعــَامُهَـــــا وَإِنَّا لَنُشْـــــــبِعُ أَضْيَافَنــــــــــــَا وَنَأْتِـــي المَطِـــــــيَّ فَنَعْتَامُهَـــــا فقاموا، وإذا ناقة الرجل تكوّس عقيراً، فانتحروها وباتوا يأكلون، وقالوا قرانا حاتم حياً وميتاً؟! وأردفوا صاحبهم وانطلقوا سائرين، وإذا برجل ركب بعيراً وهو يقود آخر، قد لحقهُ، وهو يقول: أيّكم أبو الخيبري؟ قال الرجل: أنا! قال: فخذ هذا البعير، أنا عدي بن حاتم، جاءني حاتم اليوم في النوم، وزعم أنه قراكم بناقتك، وأمرني أن أحملك فشأنك والبعير، ودفعه إليهم وانصرف! بالفصيح: الكرم يغطي كل العيوب. إسماعيل ديب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©