الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الجمع بين غزة وسورية جناية في حق القضيتين

الجمع بين غزة وسورية جناية في حق القضيتين
5 أغسطس 2014 23:10
أصدر 81 شاعرا من مختلف أنحاء العالم، كانوا قد شاركوا في مهرجان (أصوات حية من المتوسط) بمدينة سيت الفرنسية من 19 إلى 27 يوليو 2014 بيانا من أجل فلسطين وسوريا، وجاء هذا البيان ليقتصر على مكانين من هذا العالم العربي المسكون اليوم بالكثير من الانقسامات والحرائق المشتعلة، في مشهد مؤلم وسريالي يثير الكثير من السخط والخوف والريبة. والحقيقة أن هذا البيان يقيم الدليل على أن الشعراء الموقعين عليه نظروا إلى ما يحدث بعين واحدة، أو هكذا يبدو للذين قرأوا البيان محاولين الاستبصار بين سطوره، إذ نسي الذين صاغوه أن الإرهاب هو السبب الرئيسي للبلاء الذي ينخر جسد الأمة العربية الإسلامية، والذي ترتكبه حركات متطرفة كداعش وأخواتها، ممن يستعملون الدين كمطية لتحقيق أهداف دنيوية منفعية، من خلال إقامة سلطة أمر واقع داخل عدد من المجتمعات بأيد ملطخة بالدماء تقطع الرؤوس بناء على فتاوى غريبة تيسرها القراءة السطحية والانطباعية للنصوص الدينية وتوجيهها نحو مآرب شخصية ومصالح سياسية بحتة. لقد نسي بيان سيت وموقعوه أنه يجب النظر إلى المسألة بجدية، بعكس ما تفعله بعض القوى الكبرى التي تسرف في اللامبالاة وتتغاضى عن القضايا المركزية، وتستنكف عن المساهمة في الحد من الفوضى العارمة المنتشرة الهادفة إلى السيطرة على الثروات الطبيعية ونشر ثقافة جديدة تقوم على القتل والتنكيل بالجنس البشري، وهو ما أنتجته بوعي أو عن غير وعي ما سميت (ثورات الربيع العربي) المحمومة، التي أقامت الحجة لتأسيس مظلة تتوسل الدين لإطلاق أنساق غريبة ما كان لها أن تكون لولا إذكاء الفتنة من قبل بعض القوى التي ركبت الموجة، واستعملتها لإعادة توزيع الأدوار، وبناء كيانات هشة على هذه الأنقاض. وفي الوقت الذي من المفترض فيه، أن يبكي شعراء العالم غزة والعراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن وتونس والصومال ومالي، نجد أن تداخل تلك المصائب قد شوّش أذهان البعض ما جعل قراءة المشهد، ذاتية مرة، وقطرية أخرى، وقاصرة على الدوام. إن تدمير البنية التحتية ومقومات الحياة في قطاع غزة المحاصر، والإبادة الجماعية والتفجيرات اليومية والجرائم ضد الإنسانية وقتل وجرح الآلاف في فلسطين على مرأى من العالم، لا يجب أن يحجب عنا النظر إلى كل المناطق الساخنة اليوم، وتحديد المسؤول الحقيقي عن كل ما يحصل بعيدا عن الأحكام العاطفية والقراءات الأحادية وإحصاء القتلى والجرحى في الساحات، والمكلومين والمشردين في كل مكان من العالم العربي. لقد نسي الموقعون على البيان، أو الذين صاغوه، أن يشيروا مثلا إلى ما يتعرض له الإخوة المسيحيون في الموصل بإسم إسلام غريب، كما نسوا المجازر في ليبيا، والدماء في تونس، والتفجيرات في مصر، والحرب في اليمن بين أبناء الشعب الواحد. لقد انتشرت فقاقيع شتى في أجسادنا، وسرت كالنار في الهشيم، فبات النظر إلى الأمر برمته مطلبا ملحا وضروريا كي لا يتم تناول المسائل بشكل جزئي مفكك، كما جاء في بيان سيت الذي تناول المسألة السورية كقضية مركزية. والحال أننا اليوم نعيش الراهن السوري في كل مكان، والدليل على ذلك أن الأرقام الواردة في البيان هي أرقام آنية بالضرورة، باعتبار أنها تتراكم ساعة بعد ساعة، وهي بالأساس مهمة إحصائية تتولاها جمعيات حقوق الإنسان وغيرها، بينما كنا نتوقع أن تكون مقاربة البيان أكثر جذرية، وتأصيلية، للقضايا التي تتهدد الشعوب العربية في واقعها ومصيرها. إن ما فعله البيان، بمقاربة القضية الفلسطينية والمسألة السورية، بمعيار واحد، فيه إجحاف جوهري، بحق قضيتين، مثلت الأولى منهما (فلسطين) هما مشتركا تاريخيا لكل العرب، في حين أن المسألة الثانية (سوريا) على ما فيها من مآسي وأخطار، قد سارت فيها الالتباسات والأهداف الغامضة والتحالفات المريبة في سياقات تدعو إلى التساؤل إن لم نقل إلى الحذر والتحذير. إن المتابع لخلفيات صدور هذا البيان، يستطيع أن يؤكد أن العديد من الشعراء الموقعين عليه كان في نيتهم أن تكون مأساة غزة قضيته المحورية، لكن يبدو أنه حصل تحويل أو تحوير من وجهة إلى أخرى، بإضافة قضية ثانية (وتغييب قضايا أخرى) وقرنها بغزة بشكل مفتعل، فالمسألة السورية متشابكة الخطوط وتحمل الكثير من التداخل الذي من شأنه أن يوقع اختلافا كبيرا، فأيا تكن المبررات أو التأويلات لا نظن أن المسألة السورية يمكن أن تضاهي القضية الفلسطينية. ولعل قوة البيان المعنوية ستكون أكبر لو تعرض شعراء العالم إلى الإرهاب بجميع أنواعه وأشكاله وأماكنه، فالتخصيص في هذا المقام ينتج عنه تلقائيا تبرئة إرهابيين في أماكن لم يذكرها البيان عمدا، أو تجاهلها بحسن نية. إن حالات كثيرة مما سمي اعتباطا (ثورات الربيع العربي) لم تخلف غير موت الضحايا في الساحات تحت آلة حربية شرسة، فذهب الأبرياء على الأرض، وبقي المتطاولون يتطاوسون في المنابر في حلقات استعراضية سيئة الإخراج أحيانا تحت عناوين مختلفة، ونسي الجميع في غفلة من الزمن أن مثل هذه الحروب تعود أساسا إلى الإرهاب الذي يدك معاقلنا بوجوه مختلفة وأقنعة متعددة تسفر في كثير من الأحيان عن بشاعة قل أن تجد لها نظيرا، وخصوصا في الأيام الأخيرة، في ظل تحريك الأوضاع من قوى خفية فشلت للأسف الشديد في رتق الفتق العربي لأنها أمعنت في الزج بالشعوب في محرقة لا نعرف عاقبتها، ولن يستطيع شعراء العالم ولا كتابه ولا مثقفوه ولا سياسيوه أن يوقفوا الدم ببيان يتخذ شكل مقال صحفي انطباعي آني يقرن سورية بغزة في خلط للأوراق، لم نفهم الغاية منه أصلا ولن نفهم ما دام الواقع العربي يشبه الخلط الذي حمله البيان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©