الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بنعيسى بوحمالة: هذه هي تضاعيف الترجمة

بنعيسى بوحمالة: هذه هي تضاعيف الترجمة
17 يوليو 2013 21:16
يرى الدكتور بن عيسى بوحمالة، أن الإمارات العربية المتحدة والكويت سحبتا الدور التاريخي من الأقطار العربية التي كانت إلى عهد قريب مراكز كبرى للترجمة في العالم العربي، وأن مشروع «كلمة» للترجمة يعتبر نبراساً مضيئا ومتقدماً في مسعى انفتاحنا، كعرب على ثمرات الفكر والإبداع الإنسانيين. محمد نجيم في هذا الحوار الذي يتحدث فيه الناقد والمترجم المغربي الدكتور بنعيسى بوحمالة لـ»الاتحاد الثقافي»، نتعرف على ما يؤرق بال كل من يشتغل بالترجمة الأدبية وعلى واقع الترجمة في العالم وفي البلدان العربية. ?أنت واحد من المشتغلين بالترجمة الأدبية في المغرب، واسمكم حاضر بقوة في العالم العربي، ما هي الإشكالات التي تواجهونها في هذا الميدان؟ ?? صحيح أنّ جزءا لا بأس به من مشاغلي الثقافية ينصبّ في الترجمة الأدبية، ترجمة الشعر أو الدراسات المتّصلة به تحديدا، وبالنّسبة لي فلا النقد ولا الترجمة إن هما إلاّ تعبير عن هاجس إشراك القرّاء في مدار اهتمامك واختصار الطريق عليهم إلى نصوص ومتون، وضمنيّا، إلى عوالم وأخيلة، بهذا المعنى وجدتني، أحيانا، أنتقل من حدّ القارئ المتذوّق لكتابات وتجارب بعينها إلى حدّ المحوّل إيّاها صوب لغة الضّاد تماهيا منّي، إن شئنا، مع فائض المتعة الذي أكون استخلصته شخصيّا من قراءتها وتصعيدا منّي، بالتالي، لوثاقة الآصرة التي تشدّني إليها كيانيّا ورؤيويّا. ومن غير الشعر أو الدراسات المتّصلة به أراني أستحضر، هنا، إسهاماتي في، مثلا، ترجمة دراسة للناقد البنيوي الفرنسي جيرار جنيت ضمن ترجمة جماعية للعدد الثامن (العدد الخرافي) من مجلة «تواصلات»، الخاصّ بنظرية السّرد، وهو عمل كان جرّيئا، وقتها، وبكلّ المقاييس.. أيضا لدراسة طويلة ومعمّقة حول شخصيّة المؤلّف في أدب القرن العشرين لنيكولاي أناستاسييف، وأخرى حول سيمياء الأساليب في الحدائق والمنتزهات لـ د. س. ليخاتشيف، لدراسات أو حوارات عن/ مع رولان بارت، لدراسة مهمّة حول رحلة غوستاف فلوبير إلى الشرق.. وأعمال أخرى عديدة في حقل الرواية والسّيميولوجيا والسينما والتاريخ والسّوسيولوجيا والسياسة.. ولأنّه ما من مجال يكاد يخلو من إشكالات أو، بالأدقّ، من صعوبات فما بالنا بالترجمة التي هي بمثابة مسير مجازف بين لغتين، وأحيانا بين لغات أكثر.. إذ كيف يمكنك صيانة محمول وروح المفردة، الجملة، التعبير، في المصدر اللغوي المترجم عنه وعدم التفريط، توازيا مع ذلك، في مقوليّة، بل روحيّة اللغة العربية وجعلها تتواطأ، على نحو إبداعي خلاّق، على تصريف جوهر، وحتى شكل، النص المترجم في نسيجها التعبيري المحكوم بمقوليّة أو، لنقل، بروحيّة مخصوصة. همّ آخر يلازم، فيما أفكّر فيه، مجال الترجمة ألا وهو الإعاقة التي يستشعرها المترجم، مرارا، وهو ينقل عبر لغة وسيطة، والتي هي الفرنسية في وضعيّتي ووضعيّة معظم المترجمين المغاربة والمغاربيّين. فيا لروعة الأشياء لو كان متاحا لي أن أنقل، كمثال، الشاعر الرّوماني الكبير بّول سيلان من الألمانية مباشرة.. الشاعر الصيني اللاّمع بيي ضاو من الصّينية رأسا.. لكن ما العمل؟ التفافاً على هذه الإعاقة يبقى الحلّ، إذن، هو التوسّل بالفرنسية التي تنوب بمصداقيّة ترجماتها وحرفيّتها كذلك، مناب الأصل اللغوي وتسدّ مسدّ انتظار حتى نتمكّن من ناصيّة اللغات الأمّ المترجم عنها. وهذا الإشكال يا ما أثار سجالات في الوسط الثقافي العربي حول أيّهما أضمن، بل أنزه، هل يتحتّم أن نتقن اللغة الأمّ للعمل المترجم أم لا ضير في أن نترجم، في حالة العوز اللغوي، من خلال لغة وسيطة؟ وستكون لكلّ طرف وجهة نظره في هذا الإشكال، لأقل إن مطمحي، كمجرّد ناقد قبل أن أكون مترجماً، لهو امتلاك أوفى عدد متاح من اللّغات وذلك حتى يسهل عليّ أن أقرأ أو، بالحريّ، أن أستمتع بالكثير من النصوص والتجارب الإبداعية في مظانّها اللغوية الأولى، مثلي الأعلى في هذا المضمار ما كان من امتلاك قطب الشّكلانية الروسية، الناقد رومان ياكبسون، لأربعة عشر لغة، الشيء الذي انعكس في صلابة وتماسك، بل كونيّة، النظرية الأدبية التي أرساها رفقة أصدقائه الآخرين في مطالع القرن العشرين. مع ذلك، وفي معاندة للإشكالات المذكورة، ترجمت نصوصاً ودراسات تمسّ الشعراء الفرنسيّين، سان جون بّيرس وجووي بوسكي وإيف بونفوا وسيرج بّي ودومينيك دوفيلبّان، والرّوماني بّول سيلان والفلاماني جيرمان دروغنبرودت والإيطالية دوناتيلا بّيزوتي والكرواتية لانا ديركاك والسلوفاكي جوراج كونياك والصيني بيي ضاو.. وحرصا منّي على نوع من التّوازن في نشاطي الكتابي بين النقد والترجمة صدر لي، بعد كتابي النقدي «أيتام سومر.. في شعريّة حسب الشيخ جعفر» (في جزءين) عام 2009، كتاب في الترجمة، عن منشورات «بيت الشعر في المغرب» عام 2013، بعنوان «مضايق شعرية» يضمّ هذه الأسماء، وبهذه الرّوح سيصدر لي قريباً كتاب في نقد الشعر بعنوان «شجرة الأكاسيا» متلوّا بديوان للشاعرة الكرواتية لانا ديركاك ترجمته عبر اللغة الفرنسية. شروط المترجم ? ما هي الشروط التي يجب توفّرها لدى مترجم النصّ الشعري من الآخر (الغرب) إلى اللغة العربية ليصل إلينا النصّ المترجم بروحه وشاعريّته؟ ?? يبدو لي، وفي ارتباط بما أوردته قبل حين، أنّ المشترط الأوّل، بل المدخلي، فضلًا عن الدّراية باللغة المترجم عنها، هو اتّسام كيان ووجدان المترجم بأعلى قدر من الانفتاح، أقصد ضرورة صدوره، وهو يترجم، عن حساسيّة متسامحة، مؤمنة بالتعدّد الثقافي، ومنه الإبداعي.. صدوره عن محبّة وشغف تجاه عمله الشّبيه بالعوم في بحرين متلاطمين، والأولى من هذا وذاك هو تشبّعه، في حالة كونه ناقدا أو مترجما خالصا، إن كيانيّا أو رؤيويّا، بانفعالات شعرية حميمة تجعل منه، رغما من عدم ممارسته للكتابة الشعرية، شاعرا بالقوّة، كما يقال، وتسهّل عليه مأموريّة وضع اليد على النّبض الشعري الصّميم في قلب لغة أروبية ما وتطويع، بالمقابل، شعريّة اللغة العربية، التي هي واحدة من أجمل وأرقى اللغات الإنسانية، كيما تستدخل هذا النّبض على نحو يتبدّى معه جزءا لا يتجزّأ من قاموسها، صرفها، تركيبها، وتمثّلها للأشياء وللعالم. ? هل تتّفق مع القول بأنّ ترجمة الشعر خيانة؟ وهل تحسّ بأنّك تخون حين تترجم؟ ?? سيبقى هذا المثل الإيطالي الذّائع بمثابة لعنة أبديّة تطارد مترجمي الشعر وتثقل على ضمائرهم، لكن أيضا بمثابة تعرية قاسيّة عن حقيقة الترجمة الشعرية. لنتذكّر بأنّ هذا الجنس التّعبيري لهو من أكثر الأجناس شائكيّة وتعقيدا والتباساً، الأمر الذي سيجنح بجان بول سارتر إلى إعفائه، أصلاً، من وظيفة الالتزام، ضمن كتابه المهيب «ما الأدب؟»، وبلوسيان غولدمان، كذلك، إلى تحاشيه في تطبيقاته البنيوية التّكوينية، هذا رغما من أن الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل سبق وأن اعتبره «فنّا كونيّا»، أي مشتركا بين البشر بخلاف أجناس أخرى، كالمسرح والرواية مثلا، إلاّ أن كلّ ثقافة إنسانية، كلّ حقبة تاريخية، ستقوم بسنّ قواعد ومعايير للتّعبير الشعري تكاد تجعل من القصيدة الموصولة بتلك الثقافة أو بتلك الحقبة نسيج وحدها، لغة وتوليفا وتخييلا وإيقاعا. وعلى ذكر هذا الأخير فإن نحن أدخلنا في الحسبان الاختلافات الإيقاعيّة بين مختلف الشعريّات فأين نحن من متعة قراءة أدونيس، مثلا، في أيّما لغة كانت.. قراءة آرثور رامبو في أيّما لغة كانت، ومنها العربية، ذلك أنّ نصّهما وهو يتنصّل، في تضاعيف الترجمة، من سحر مهاده اللغوي الأصلي ويتّخذ هيئة لغوية بديلة لابدّ وأن يخضع لمعالجات، أحيانا تكون أليمة، ممّا يؤول إلى ماهيّة الخيانة لكي يتواءم وبنية اللغة المنقول إليها، لكنها تبقى خيانة مشروعة أو، بالأصحّ، جميلة ومنتجة ما دامت تغدق، والحالة هذه، على القصيدة المترجمة هويّة إضافية، معنى مستجدّا، وهو ما تلحّ عليه نظرية الدّالية Signifiance التي ترى أنّ المؤلّف لا يفعل شيئاً، وهو يبدع نصّه، من غير إطلاق مسلسل مفتوح ولا نهائي من التّأويلات والتّداعيات والنّقولات والإسقاطات، بحيث يغدو النصّ أشبه ما يكون بندفة الثلج التي تتحوّل، في مجرى هذا المسلسل، إلى كرة ضخمة لم يكن المؤلّف ليتخيّلها في البداية، وما دمنا نتكلّم عن الخيانة أو ليس جديرا بنا، في هذا المقام، أن نتأمّل، تخفيفاً من وطأة هذا المأزق، القولة المأثورة للشاعر الرومنتيكي الأميركي روبرت فروست: «إنّ الشعر لهو ما يتبقّى بعد الترجمة». دينامية خليجية ? في عالمنا العربي (المشرق ودول الخليج خصوصا) أصبحت عندنا مراكز ومجمّعات بترسانة ماليّة قويّة، هل حقّقت هذه المراكز شيئاً يُرضي القارئ بما يترجم هناك؟ ?? ليس للمتتبّع سوى أن يشعر بالارتياح إزاء الديناميّة التي يعرفها الخليج العربي ثقافيا، إذ أصبح، منذ سنوات إن لم يكن منذ عقود، مركزا أساسيّا من مراكز الثقافة العربية، إنتاجاً وتدبيراً واحتضاناً، ساعد على ذلك توافر إمكانيات مهمّة، وقبلها استراتيجيّات وطموحات تنمويّة واسعة. وبصدد الترجمة، ولو أنّ للمسألة علاقة بالمركّب السيكولوجي الجمعي الذي غدا ينغّص علينا منذ سنوات باعتبارنا أمّة متقاعسة في ترجمة عيون الفكر والإبداع الإنسانيّين، الشيء الذي فاقمته تقارير التنميّة الثقافية التي تصدرتها الدّوائر الأمميّة المختصة بالشأن الثقافي. من ذلك مرارة أن نعرف بأن ما تترجمه إسبانيا لوحدها سنويّا يعادل ما ترجمه العالم العربي برمّته منذ العهد الزّاهر لبيت الحكمة ومدرسة طليطلة إلى يومنا هذا، ناهينا عمّا تترجمه دول أخرى كصربيا وكرواتيا وكوريا وماليزيا.. التي لا ترقى إمكانيّاتها، على كلّ حال، إلى ما يزخر به العالم العربي من مؤهّلات وطاقات. وإلى جانب هذه التّقارير يلزم أن نستحضر كذلك ما يمكن وصفه بحمّى العولمة التي تقتضي ليس فقط استجلاب الماركات الاستهلاكية العالمية، بل والاعتناء بالعنصر الأكاديمي والثقافي ممّا يجسّده، على سبيل التّنويه، إنشاء فروع لجامعات أميركية، لجامعة السّوربون، لمتحف اللّوفر في الخليج العربي. في هذا الباب تندرج، إذن، نشاطيّة الترجمة، بشكلها المدروس والمعقلن، في الكويت والإمارات العربية المتحدة، والنتيجة هي سحب الدّور التاريخي من الأقطار العربية التي كانت تقليديّا، وإلى عهد قريب، مراكز للترجمة في العالم العربي، كمصر ولبنان والعراق وسوريا، ولعلّ نموذج مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة يُعتبر نبراسا مضيئا ومتقدّما في مسعى انفتاحنا كعرب على ثمرات الفكر والإبداع الإنسانيّين، سواء على مستوى العناوين المُعرّبة أو الجغرافيات الثقافية المنتقاة. ترجمة موراكامي ? ترجمتم حواراً رائداً وتاريخيّاً مع الرّوائي الياباني الشهير هاروكي موراكامي، ماذا يمكن أن نعرف، على لسانكم، عن هذا الرّوائي العملاق، وهل حقّق صيته لدى القارئ العربي؟ ?? فعلا، سيقيّض لي، مصادفة، أن أترجم حواراً عميقاً، واستثنائيّاً سوف تحظى به المجلة الشهرية الرّصينة «الماغازين ليتيرير»، وفّق مراسلها إلى انتزاعه انتزاعاً من الرّوائي الياباني المرموق في إحدى قاعات مطار باريس وهو في طريقه إلى لندن، لأنّ موراكامي، وكما هو معروف عنه، يعتبر لا النقد ولا الحوارات الصحفية ضرباً من مضيعة لوقت الكاتب الثمين الذي يجب أن يستثمره في التّأليف والتّخييل. قلت حواراً عميقاً لأنه يطرح فيه، وبذكاء لافت، رؤاه حول الكتابة السردية، موضوعاتها وجماليّاتها.. الرّواية اليابانية والرّواية الغربية.. الرّوحية اليابانية والعقلانيّة الغربية.. مآزق وأعطاب اليابان التكنولوجيّة وما بعد الحداثيّة.. هكذا، وفي غضون متابعتي لما كتب عنه أو ترجم له عربيّاً انتبهت إلى أنّ الحوار المطوّل إيّاه، الذي كنت نشرته في موقع «جهة الشعر» على شبكة الإنترنت وفي مجلة «الثقافة المغربية»، يمكن عدّه أوّل إطلالة لهاروكي موراكامي على القارئ العربي، وبعده ستبدأ في التّواتر مقالات صحفية عنه وترجمات لبعض أعماله، وبخاصّة في سوريا، إلى حدّ أنّه أمسى الآن اسما أليفاً ومقروءاً في العالم العربي. ماذا بودّي أن أقول في حقّه.. ببساطة، ومثلما نتحدث عن نجوم العولمة، من مثال بيل غيتس إمبراطور «ميكروسوفت»، وستيف جوبز إمبراطور «آبّل»، و مارك زوكربيرغ إمبراطور «الفيسبوك»، لربّما يجوز أن نتكلّم عن نجوم الرّواية الذين تعبر نصوصهم القارّات والثقافات، من أمثال هاروكي موراكامي وأورهان باموك (جائزة نوبل للآداب) وأمين معلوف وجان لوكليزيو (جائزة نوبل للآداب).. ويقيناً أنّ المسألة مسألة وقت بالنسبة لموراكامي ومعلوف لكي يحصلا عليها ما دام اسمهما يروج بقوّة عند حلول كل موسم جائزة نوبل. ففي رواياته «جنوب الحدود، غرب الشمس»، «اسمع غناء الرّيح»، «ثلاثيّة الجرذ».. وفي «كافكا على السّاحل»، «الغابة النّرويجيّة» (التي استلهمها من إنصاته لأغنيّة شهيرة بنفس العنوان لفريق البيتلز البريطاني).. وفي مجموعاته القصصيّة «الفيل قيد التبخّر»، «حوليّات الطائر ذي النّابض»، «بعد الزلزال».. كنت، مثلما أتصوّر ذلك بالنسبة لملايين القرّاء في العالم (لأن إصداراته تباع بملايين النّسخ ضمن طبعات جماهيرية وتحتلّ دوما مركز الصّدارة في البوكس أوفيس الياباني والأمريكي والأوروبي)، حيال حنكة سردية فريدة.. مهارة في التّوضيب والتّخييل.. وغوص عميق في الآندرغراوند (التّحت) الياباني السّحيق، خارج بهرج الطّفرة التكنولوجية الباهرة ورفاهيّة العيش ونعمائه، وحيث مرتع الأهوال والاحتدامات الكيانيّة والسّيكولوجية لذوات ممزّقة، منذورة لتوضّعات الحبّ، الوحدة، التّوقع، اللاّيقين، واليأس، العاتيّة.. في كلمة إنه أحد المعلّمين الكبار في الكتابة السردية إلى جانب فيدور دوستويفسكي وغوستاف فلوبير وغابرييل غارسيا ماركيز وخوليو كورتزار ونجيب محفوظ وشينوا أتشيبي.. اهتمام غربي ? هل يستجلب الغرب نصوصنا ويترجمها كما يجب أم أنّ ذاك يتمّ باحتشام؟ وهل تعتقد مثلي أنّ الغرب يترجمنا فقطّ ليرضينا؟ ?? في الحقيقة كان اهتمام الغرب بالعالم العربي، لغة وأدباً وثقافة.. منذ مطالع عصر النهضة في أروبا، وفي هذا الباب يا ما قام المستشرقون والمترجمون الغربيّون بنقولات نوعيّة لعيون من التراث العربي لربّما تتعدّى الحصر. لا يعنينا، هنا، تدقيق الخلفيّات التي كانت من وراء هذا الانكباب على الثقافة العربية، سواء كانت رغبة في الإفادة من القيم المضافة في هذه الثقافة أو وازع الإحاطة بمؤشّرات الذّهنية العربية وتيسير مهمّة اختراقها ممّا ستتولاّه الاستراتيجيّات الاستعمارية، بسيّاسيّيها وعسكريّيها، وهو ما عالجه الرّاحل إدوارد سعيد في مصنّفه المائز «الاستشراق»، لكن بخصوص موجة التّرجمات التي تحظى بها بعض الأعمال الأدبية العربية الحديثة إلى اللّغات الأروبية، ولو على محدوديّتها وانتقائيّتها، فهي، من جانب، نتاج لانشغال أكاديمي للمحافل الجامعية الغربية بهذه الأعمال كما أنّها تلبّي. من جانب ثان، وفيما أرى، بعضا من الفضول الغربي العارم في التّعرف على عالم عربي يموج بتحوّلات وانعطافات مثيرة ويحوز على نصيب ضخم من مذّخرات النّفط في العالم.. عالم عربي يبقى، رغم تطوّره الملموس، غرائبيّا في المتخيّل الغربي العامّ، ومن ثمّ تلك التّرجمات لبعض من الأعمال الأدبية، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة، أيضا ما كان من احتفاء خاصّ بالرواية النّسوية وذلك في مرمى قياس تململ الوعي المجتمعي العربي بإزاء قضايا المرأة العربية توسّلا بما تعبّر عنه الرّوائيات العربيات من انفعالات حيال ماهيّات التّقليد، الحداثة، الذّكورة، الأنوثة، الجسد، الحبّ، الحرية الأخلاقية، والجدارة المجتمعية والسياسيّة. ? هناك مهرجانات عالميّة للشعر، شاركت في بعضها، حدّثنا كيف يتقبّل الآخر (الغرب) نصّنا الشعري مترجما إلى لغته، وهل تنفد الترجمة إلى لبّ وجوهر نصّنا الشعري أم أنّ جسد النصّ الغربي لا يتحمّل لغتنا الشعرية؟ ?? أتيح لي أن أساهم في بعض النّدوات النقدية والبحثيّة التي تنظّم ضمن فقرات مهرجانات شعرية عقدت هنا وهناك، في المغرب والعالم العربي وآسيا وأوروبا وأمريكا، وما يسعني أن أقوله، بالمناسبة وعطفا على سؤالكم، هو أنّ المهرجانات الآسيوية والغربية تتّسم أعمالها بقدر كبير من المهنيّة والدقّة، سيّان من حيث التّنظيم أو من حيث إعداد الموادّ وطباعتها، ومن هنا الحرص على إنجاز ترجمات مقبولة، من لدن شعراء في الغالب، لقصائد الشعراء الضّيوف، ومنهم العرب. بطبيعة الحال تبقى هناك نقائص شئنا هذا أم كرهناه، ومثلما بيّنت من قبل حين الحديث عن إشكالية ترجمة الشعر، والشعر العربي تحديدا، لربّما قد يكون مفيداً أن نستأنس بالمقالة الأساسيّة الموسومة بـ»الشعر العربي حديقة ملأى بالألغاز» للمستشرق الفرنسي اللاّمع ريجيس بلاشير حتى ندرك حجم أيّما مخاطرة بترجمة الشعر العربي، قديمه وحديثه، إلى اللّغات الأروبيّة، ولأنّ الأمر كذلك فلعلّ أقلّ الأضرار هو العمل على إدنائه، بالأقلّ، من ذائقة الآخرين. مؤلفات الدكتور بنعيسى بوحمالة الكتب: «النزعة الزنجية في الشعر السوداني المعاصر، محمد الفيتوري نموذجا» 2004. «أيتام سومر، في شعرية حسب الشيخ جعفر»، جرءان 2009. «مضايق شعرية، ترجمات.. مقتربات.. بورتريهات» 2013. ساهم مع آخرين في تأليف عدد من الكتب من بينها: «مكانة الشعر في الثقافة العربية: الشعر والأجناس الأدبية»، «الحاضرة الإسماعيلية»، «طرائق تحليل السرد الأدبي»، «أنطولوجيا الشعر المغربي المعاصر» باللغة المقدونية، «في الشعر المغربي المعاصر»، «الأدب المغاربي اليوم: قراءات مغربية»، «الكتابة النسائية.. محكي الأنا، محكي الحياة»، «العربي بعيون مغربية»، «الأدب الإماراتي الحديث بأقلام مغربية»، «الثقافة العربية الإفريقية.. رؤية مستقبلية»، «الأدب الكويتي الحديث بأقلام مغربية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©