الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

القاسمي: الثقافة في البادية تكمن في الصدور ونعمل لتعريف الآخرين بها

14 نوفمبر 2017 22:50
الشارقة (الاتحاد) أجرى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حواراً متلفزاً خص به قناة الوسطى من الذيد التابعة لمؤسسة الشارقة للإعلام، حاوره فيه الدكتور راشد أحمد المزروعي، وتحدث سموه خلال المقابلة التلفزيونية حول ثقافة البادية والصحراء، وما تتمتع به المنطقة الوسطى لإمارة الشارقة من طبيعة وآثار وعادات وتقاليد وأسلوب حياة ونظام بيئي وقبلي، وأثنى صاحب السمو على الجهود التي يقوم بها طاقم العمل الفني والإداري بقناة الوسطى من الذيد في إبراز ملامح تلك المنطقة التي ينتمون لها. المنطقة الوسطى صحراء وبادية واستهل صاحب السمو حديثه حول طبيعة المنطقة الوسطى الصحراوية البدوية، حيث قال «كلمة»الصحراء«عربية وإذا أعدناها إلى أصلها الثلاثي قلنا (صَحِرَ)، أي تغير لونه غُبْرَةً بِحُمْرَة، حتى الأسد والذي يتميز بلون الصحراء يسمى المصحر وهو أحد أسامي الأسد، واللغة العربية واسعة؛ ولذلك شملت الصحراء دون تحديد، فقيل صحراء نسبة للونها فقط، وفي الدنيا صحاري كثيرة مثل صحراء نيفادا، صحراء كلهاري في أفريقيا، صحراء فيكتوريا في أستراليا، الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا، كل ذلك يبيّن كما قيل أنّ الأرض تصحّرت، وكلمة (تَصَحّرَتْ) تعني زال النبات منها وبقيت الأرض بلونها الطبيعي، والتصحّر موجود في الصحراء الكبرى في أفريقيا، فنلاحظ أن العشب والخضرة تنزاح وتصبح الأرض صحراوية، أي ليس بها نبات ولا عشب ولا شجر. ولكن المقصود هنا في كلمة صحراء، هي البادية، والبادية هي الصحراء، ولكن البادية لها صفات، مثلاً بادية الشام وبادية نجد، هذه المناطق لها معنى، فما هي؟ البادية من بَدَأ، والبدء هو إظهار أو إشهار العداوة. تبادى القوم بالعداوة، أي جاهروا بالعداوة، كيف أتى هذا الاسم؟ ذلك لأن أهل المنطقة قبل الإسلام كانوا يجاهرون بالعداوة في قصائدهم وأشعارهم لذلك سمّيت البادية. وهي اسم على مسمى نظراً لأطباع أهل المنطقة. فيقولون على سبيل المثال (يا فلان افعل ما بدا لك) بمعنى أظهر العداوة وجاهر بها. أما السكان، فيُطلق عليهم اسم (بدو) نسبة للبادية،ومفردها (بَدَوي) أو (بِدْوي) ومؤنثها(بَدَوِيّة)». بداية تشكل الكثبان الرملية وحول التكوين البيئي والتضاريس وجغرافية المنطقة الوسطى، قال سموه: «في القديم، كانت الأودية تنزل من الجبال وكل الخيران الموجودة على الساحل هي مصبّات أنهر، ولكن من بعد ذوبان الجليد تصحّرت الدنيا؛ لأنها كانت خضراء، مثل ما ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك تحركت الرمال من المناطق الوسطى بالجزيرة العربية (الربع الخالي)، ووصلت لهذه الأماكن. ألا تلاحظون الأتربة التي تغطي مركباتكم عندما تهب فيه الرياح وقت سهيل، فما بالكم بحدوث ذلك لملايين السنين، إما عن طريق الهواء أو التدحرج، فكانت هذه الرمال تتدحرج وتصل لهذه الأماكن وتُسمى هذه التلال الرملية بالسوافي أي يسفي أي ينثر. وقد قمت بتجربة من مدينة الشارقة، وصولاً إلى الجبال في الإمارة، عند مطار الشارقة الدولي هناك رقعة اسمها (الرقعة الحمراء)، مروراً بمنطقة الصجعة، أرض ممتدة هي ذاتها طينية بطبيعتها، ومنطقة السيوح ومنطقة الرقاع، كلها تمثل الامتداد القديم للأرض الطبيعية». جبال المنطقة الوسطى وبّين سموه الفرق بين الجبال الظاهرة في المنطقة الوسطى وسلسلة جبال الجير الممتدة على الساحل الشرقي بقوله «هذه الجبال ناتجة عن فلق وليس عن احتكاك؛ لذلك لا نرى فيها حدوث أي نوع من الزلازل، ويعتبر ما يفصلها فلق كبير، وقد تكون في هذه المنطقة مياه جوفية كثيرة من بعد هذا الفلق. ولكن السؤال هنا، هل تكوينة هذه الجبال هي نفسها تكوينة الجبال الحجرية في المنطقة الشرقية؟ فالجواب لا. الجبال في المنطقة الوسطى تتكون من صخور تسمى باللغة الإنجليزية (Limestone) حجر جيري، فمن أين أتى هذا الحجر؟ هذا الحجر في التكوين الأصلي؛ لأن قاعدة هذه الجبال حجر جيري، والحجر الجيري هو حامل للبترول ولذلك، فإننا لا نجد الحجر الجيري على الساحل الشرقي إلا في جزء معيّن في إمارة الفجيرة ويوجد به فلق كذلك، إذاً أين الحجر الجيري؟ الحجر الجيري في قاعدة عميقة تبرز بعد كيلومترات عدة في قاع البحر، ونستنتج أن قاعدة الجبل جيرية وليس من السطح». مسميات المناطق ودلالاتها وحول بعض المسميات التي تطلق على مناطق في إمارة الشارقة بشكل عام والمنطقة الوسطى بشكل خاص قال سموه «أولاً البدوي في البادية لا يترك له أثر، حتى ولو طبخ يدفن الرماد، لكن ما هي الآثار الموجودة في البادية؟ نلاحظ مثلاً الأثافي، وهو الحصى المستخدم في الطبخ والذي لم يُدفن. أما الأثافي من أَثَفَ، أَثَفَ الرجل بالمكان أي أقام به. وعند الطبخ تحضر حصاتان وتُركن الجهة الثالثة للجبل، ويقول بالمثل (رماه بثالثة الأثافي)، والثالثة هي الجبل وهي أشد شدة وأقوى من كل شيء. إذاً هذا المكان الوحيد الذي يُستدل عليه للأثر. فما هو الأثر؟ يقولون الأطلال، وهي كلمة مستعملة بالخطأ في اللغة العربية، لأن الأطلال هو المكان المرتفع المطل، وقيل الأثر. والشعراء يتغنون بالأطلال ولكن الأطلال هي الأماكن المرتفعة، ولكن هؤلاء الذين في البادية ليس لديهم مباني مرتفعة ماعدا أولئك القريبين من نجد فكان بها قصور، إذاً لا يوجد شيء في الأرض يُخبرنا أو يُنْبِئنا عن هؤلاء القوم لأنهم رُحّل وأدواتهم في الترحال خيمة وخشب وحبال ولا تُعطِ هذه الأدوات أي دليل. لذلك أول ما بدأت في هذا الأمر عمِلت على جمع كل النباتات في البادية وعملت لها بنك وحفظتها لأنها مهددة بالانقراض بسبب العمران والسيارات والقحط والرعي الجائر، خاصة أن بعض البهائم مثل الحمير والشاه تحفر في جذور النباتات نظراً للقحط لذلك لم تكن تترك أية آثار. فجمعت بذور هذه النباتات ونميتها وزرعتها وكثرتها، وكذلك جمعت كل حيوانات البادية وعملت على تربيتها لأنها مهددة بالانقراض مثل الحيوانات الليلية التي تؤثر عليها أنوار الشوارع والمركبات، أعمل على إكثارها وإرجاعها إلى بيئته. أما ما تبقى من أثر البادية فهو الدرب وما نطلق عليه مجازاً الطريق والبئر، وهو نوعان إذا كان محاط بالحجر يسمى طوي (أي طوينا عليه الحجر)، أما إذا كانت محفورة مثل البدع تسمى بير، ولما نعود لنرى طبيعة الشارقة نجد الطريق باتجاه مليحة يبدأ من الصبخة في المنطقة الصناعية بطريق اسمه (درب الدراري) عملت منطقة باسم الدراري، وفي الطريق كذلك عود كبير يسمى (عود راكان)، فهناك جسر اسمه جسر عود راكان على شارع سالم بن سلطان، وبالاستمرار باتجاه مليحة تأتي منطقة البديع، ولم أشأ أن أشق طريق بها لأن بها مياهاً وسكناً ومرعى لذا خططنا لانحراف الطريق، وتصادفنا منطقة السيوح هذه بئر واسمها (بئر محمد بن صقر) منذ سنوات عديدة؛ لذا أحييت البئر باسم المنطقة. أما بالنسبة لطريق الذيد، فهو كذلك درب وليس مطروق ومن الشارقة إلى منطقة مويلح باتجاه الشرق نجد عود اليليل (الجليل) بالقرب من نادي الفروسية، وهي طرق للقوافل، وهناك طريق آخر يبدأ من الصبخة ويسمى درب الحومه مشهور لدى أهل البادية مروراً بند الثعالب وند المفتاح إلى أن نصل إلى ما يسمى القبرين مواصلاً لمنطقة ماغص ومن ثم طوي راشد، فالحويه فاعشيو ويسمى الدرب هنا درب اعشيو». الآبار ودرب القوافل وحول طرق القوافل والكيفية التي كانت تقطع بها تلك الصحاري الجافة أوضح سموه قائلاً «الآبار دائماً تقع في درب القوافل؛ ليتمكن الرحال من شرب الماء، والمنطقة الوسطى فيها اتصال الشمال بالجنوب يربط الطبيعة واتصال الشرق بالغرب يربط المدن، نلاحظ أن هذه المنطقة فيها ترحال، لنفترض أنك تريد الذهاب لرأس الخيمة، فهل ستسلك ند بن غرير والمرقبات وهذه المناطق؟ بالطبع لا لأن البئر يصعب حفرها هناك لسمك الرمال إلى الأرض؛ لذلك لا أحد يسلك هذا الطريق، الطريق المأهول يمر في منطقة سهيلة، فهناك مجرى وديان، وعلى اليمين كلها جبال فهو مكان تجمع مياه وهنا تحفر الآبار، وهذا هو الحال لنقل البضائع من جنوب عمان إلى توام في العين، وتسمى أقدام الجبال لوجود المياه المحجوزة بها للوصول إلى توام، وكانت البضائع تنقل إلى بئر يطلق عليه اسم (بينونة)، وهو في التلال الرملية وليس في الصباخ؛ لأن الماء عذب يشرب. قيل في التاريخ القديم أن هذا الطريق غطته الرمال وانقطع، وقيل أن التجارة كانت تنقل بالصحراء إلى (القرحا)، وقيل أن القرحا بين الكويت والبحرين ومن هناك تشحن بالسفن إلى (أبولا) ميناء على (شط العرب). عملت دراسة وبحثت في الأمر وأجريت اتصالاتي بشركات الحفريات في المملكة العربية السعودية ومؤسسات الآثار، لكن لم أستطع الوصول لشيء، والأثر الذي من الممكن أن يوجد هي القبور لأشخاص ماتوا في القوافل خلال ترحالهم، من بعد حفريات القصيص لا يوجد ولا قبر إلى أن نصل إلى أم النار في أبوظبي على البحر». ملوخة ومليحة وقال سموه «في طوي الحصن توجد حصون أثرية مازال أثرها موجود، وبجانبها بئر سميت باسمها، ويقدر تاريخها بنحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، كانت هناك مزارع بالقرب منه تم تعويض أصحابها. لماذا كانت المنطقة الوسطى كمليحة والمدام بهذا الحال؟ في هذه المنطقة، والتي تسمى الشرق الأوسط، كانت هناك حروب طاحنة بين الفرس والرومان، وكانت التجارة تأتي من الهند والسند والصين وتدخل من خلال الخليج العربي عند مضيق هرمز، والفرس مسيطرين على هذه المنطقة، أما الرومان فقد اتخذوا طريقاً آخر يأتي من (فَيْلَكَة) إلى البحرين رأساً إلى مليحة. والبضاعة تأتي كذلك إليها من عمان (من مسقط أو صحار)، والقادم من صحار يأتي من وادي القور وعند انتهاء الجبال على هذا الطريق تأتي أرض واسعة تسمى سراج وباللغة اليونانية (ملوخة) تكتب حاء ولكنها تنطق خاء، من هنا أتت تسمية مليحة حيث إنها لم تأخذ تسميتها من البئر ولا نسبة للماء المالح بها. فهذه تسمية قديمة في التاريخ ومذكورة كثيراً، ولكنّ المؤرخين لا يعلمون أين تقع هذه المنطقة، وقد أوضحت لهم أنها تقع في المنطقة الوسطى. في هذا الطريق، وبالذات في هذه المنطقة، ورغم الزخم الكبير من الاكتشافات والآثار بها، فإنه لا يوجد أثر فارسي بها، رغم قربهم من المنطقة، وذلك يعود لسبب سيطرة الرومان على هذه المنطقة وصعوبة وصول الفرس إليها. فلدى مركز مليحة للآثار أختام للرومانيين وقالبان لصب النقود تعود لإسكندر المقدوني الأكبر، مما يدل على أن هذه المنطقة كانت غنية بالتجارة والمرور فيها من الشمال إلى الجنوب». مشتل قصر البديع بعد ذلك، رافق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي محاوره الدكتور راشد أحمد المزروعي وطاقم عمل البرنامج من موظفي قناة الوسطى من الذيد في جولة بمشتل قصر البديع، وتحدث سموه لهم عن تجربة زراعة شجرة القصد، وذكر سموه أنه أثناء طريق عودته ذات يوم للقصر، صادف أنه شاهد شجرة القصد على تل رملي، وتساءل سموه عن سبب وجودها على التل كونها لا تصلح في البيئة الصحراوية، قال سموه: «توجهت إليها مباشرة ووجدت أنها منطقة صغيرة، وتساءلت ماذا جاء ببذرتها إلى هذه المنطقة». فأرجع سموه الأسباب إلى مرحلة إنشاء الطريق في مراحله الأولى خلال صب الأحجار الصغيرة (الكنكري)، حيث احتوت هذه الأحجار التي تم إحضارها من منطقة جبلية على بذور، حملتها الرياح والعوامل الجوية إلى هذه المنطقة.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©