اعداد - أيمن جمعة:
مع انهيار جهود اللحظة الاخيرة لانقاذ مفاوضات جولة الدوحة للتجارة العالمية، فان المراقبين يحذرون من أن المشكلة رغم ضخامتها لا تكمن فقط في هذا الفشل بل تتعدى ذلك بكثير· وتقول مجلة ''الايكونوميست'' في تقرير بعنوان مستقبل العولمة ''على المدى الطويل فان تراجع الدول عن التزاماتها ازاء التجارة متعددة الاطراف والذي أدى الى غرق جولة الدوحة سيلقي بتداعياته على النظام التجاري العالمي بصفة عامة· صحيح ان التجارة العالمية لن تنهار بين عشية وضحاها لان الاحصائيات تظهر ان التجارة تنمو بمعدلات أسرع من النمو الاقتصادي العالمي، لكن بمضي السنين ربما ترتفع الامواج ويحدث الاعصار''·
ونادرا ما تنجح محادثات التجارة العالمية في تحقيق أهدافها المحددة سلفا، فجولة اوروجواي كان من المفترض ان تنتهي خلال أربعة أعوام، لكنها امتدت الى ثمانية أعوام مؤلمة· ومفاوضات الزراعة وهي السبب الرئيسي لانهيار جولة الدوحة كانت دوما نقطة خلاف رئيسية في كل اجتماع· وتقول الايكونوميست ''لا يبدو ان أحدا ممن حققوا مكاسب طائلة من وراء العولمة على استعداد للتخلي عن هذه المكاسب من خلال تقويض النظام التجاري''·
وتشير مجلة فوربس في تقرير انه كان من المفترض إعلان وفاة جولة الدوحة منذ وقت طويل، مضيفة ''ان المفاوضات كانت في غرفة الانعاش منذ الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في ديسمبر الماضي· هذا أول فشل كامل لجولة مفاوضات تجارة عالمية وهو يلقي بالنظام التجاري العالمي في مهب الريح· البعض يتحدث الان عن تهميش دور منظمة التجارة العالمية بالكامل''·
وحذر موقع ''بي بي سي'' على الانترنت من ان الامر قد يستغرق شهورا قبل استئناف مفاوضات التجارة العالمية· لكن وزير التجارة الهندي كمال ناث كان أكثر تشاؤما وقال ''بعدما لفظت جولة الدوحة آخر أنفاسها فان استئنافها ربما يستغرق أعواما''·
والمفارقة ان الكبار وليس الصغار هم السبب في هذه الفشل الذي وصفه البعض بانه ''كارثة تجارية''· فاجتماعات الشركاء التجاريين الرئيسيين والذين اصطلح على تسميتهم بمجموعة ''الدول الست'' انهار بعدما فشلت اميركا واوروبا في التوصل الى اتفاق حول الرسوم الجمركية والاعانات الزراعية· وتضم المجموعة، اوروبا، واميركا، والبرازيل، واستراليا، والهند، واليابان·
وبعد تقييم الوضع المتأزم رفع باسكال لامي المدير العام لمنظمة التجارة العالمية ''الراية البيضاء'' وقرر عدم اجراء أية مفاوضات جديدة· وألقى الاتحاد الاوروبي باللوم على اميركا في الفشل مؤكدا على لسان المفوض التجاري بيتر مانديلسن ان واشنطن لم تظهر أية مرونة في المفاوضات·
وتقول الايكونوميست ''فشل جولة الدوحة هو أكبر خطر على النظام التجاري العالمي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية· لانه يجسد تنكر المفاوضين التجاريين للقواعد التي تأسس عليها النظام التجاري· هذا الفشل بعد خمسة أعوام من المفاوضات والاحاديث الاعلامية والاعلانية هو بمثابة كارثة على الجميع''· بل ومضت المجلة تحذر من خطورة توجه الدول الى الاتفاقيات التجارية الثنائية قائلة ''هذه النوعية من الاتفاقيات سهلة للغاية· كانت هذه النوعية نادرة جدا قبل عقد تقريبا، اما اليوم فتقريبا كل دولة في منظمة التجارة العالمية عضو في اتفاقية ثنائية· والاثار العامة لهذه الاتفاقيات ضارة جدا، فالاتفاقيات الثنائية معقدة وعادة ما تكون سيئة للدول الفقيرة· ففي الاتفاقيات الجماعية يمكن ان يجد الفقراء من يدعمهم أما في الاتفاقيات الثنائية فلا بد ان يعتمدوا على أنفسهم· وكلما زادت عدد الاتفاقيات الثنائية كان من الصعب التوصل الى اتفاقية متعددة الاطراف، وقد ينتهي بنا الامر الى ما يشبه السياسات التي سادت العالم في الثلاثينيات''·
ورغم ان مجموعة ''المساعدة الخيرية المسيحية'' تصف هذا الفشل بانه ضربة مروعة لفقراء العالم، فان بعض الخبراء الدوليين أمثال جون هيلاري يعتقدون ان ما حدث هو أمر جيد للفقراء لان ''عدم التوصل لاتفاق هو أفضل بكثير من ابرام اتفاق سيئ يستزف أموال الفقراء وثرواتهم المحدودة''·
عدد اليوم
