السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلمات بلا حرارة (2)

7 أغسطس 2006 00:38
من نماذج الرسائل بين المحبين: ''يا قطعة من كيكة! يا صوت مزيكة! يا حبة مكنتوشة! وصارت عليها هوشة! نقشت اسمك على الثلج وحبرته بدمي''!! ''تخيل روعة المنظر حروف بثلج حبرها بالدم!!''· ومن هنا أصبحت الكلمة المكتوبة تفقد الكثير من معناها وحرارتها وجرسها وصدقها الفني، خاصة بعدما بات رسول المحبين هو الهاتف الجوال، وشتان ما بين هذا وشروط سفير العاشقين الواردة في كتاب ''طوق الحمامة'' لابن حزم، رحمه الله· هذه المواصفات لكلمات المراسلة وغيرها، لم تعد ذات فائدة مع وجود مواقع على الإنترنت تزود المحبين برسائل جاهزة مصنوعة كالقوالب الجامدة، حيث لا إبداع فيها ولا عاطفة، بل إنها مفصلة حسب الطلب والموضوعات، وبمجرد وجود تلك الرسائل على جهاز من الممكن أن تنتقل الى سائر المستخدمين، ويقوم المستخدمون بتوزيعها على بعضهم البعض، فتغنيهم عن العودة الى كتب الأدب والشعر، والى من أبدعوا بالكلمة ووصفوا أروع المشاعر· إن كثرة تداول مثل تلك الرسائل وسهولة ذلك جعل المستخدمين يستغنون حتى عن البحث في الإنترنت عن رسالة مميزة، إذ أهم ما يميز ثقافة الجوال هو الكسل والخمول والركود، بكل معنى الكلمة، وبمجرد أن تصل الى الجهاز رسالة تنال إعجابك ترسلها الى الآخرين، وذلك دون مراعاة الآثار التي قد تحدثها الرسالة في نفس المستلم الآخر· إن الخصوصية في الرسائل الغرامية صارت عامة، بسبب سهولة تداول المشاعر الخاصة فأصبحت النفس مفتوحة على العالم وأصبحت نفسها قابلة لالتقاط أي شيء، لذا غابت عنها تلك التعبيرات التي تخص صورة المحبوب الوحيد والأوحد، كما ظهرت في غزل الشعراء القدامى والمحدثين، مثل التغزل بالقامة والعين والثغر والشعر، أو أي من صفات المعشوق، أو كما قال الشاعر الأندلسي: غزال قد حكى بدر التمام سبى قلبي بألحاظ مرام كشمس قد تجلت من غمام كقد الغصن في حسن القوام فمثل تلك الصور لم تعد متاحة في عصر العولمة، عصر السرعة والارتباك، وجمود العواطف، فالحب في أدب الرسائل القصيرة صار حباً آلياً إن صح التعبير· إن ما تفتقده لغة الرسائل القصيرة في عصرنا هذا، ليس سحر الكلمة فقط، وإنما عمق العاطفة، مع ان الكلمات تأتي أحياناً مفاجئة بجرأتها المتوارية خلف طرافة اللفظ وابتذال المعنى، بل ان أدب الغزل في الجوال لا يتوانى عن شقلبة المعاني، وتمني الموت للمحبوب: ''ليتني قطرة من دمك، واستقر بقلبك وأعملك جلطة· المرسل: عاشق نذل''!! هكذا انحدر الذوق الأدبي في الرسائل الإلكترونية الهاتفية أو البريدية·· الى هذا المستوى الهابط الجامد الذي يخلو من العواطف الصادقة تماماً، اللهم تلك الرسائل الإلكترونية المصنوعة، وتخلى كذلك عن السمت الأدبي والذوق الرفيع الذي كانت تعرف به الرسائل في القديم· إن واقعنا الذي تحركه عجلة الاستهلاك والهيمنة المادية الطاغية حيث الطغيان الرأسمالي، لا بد له أن ينتج ثقافة تعبر عنه، تتمثل في عناصر عدة، أحدها لغة تحيلنا الى صورة واهية تضيع معها الهوية والجوهر، فتأتي كلمات الحب وأشعاره سطحية ساذجة بل ومضحكة، مثل: ''أنا عمري بقايا شمع - أحرقني الأسى والدمع - إذا ما فيك ترحمني - احرق ما بقي من''· إن الهزال والضعف هنا ليس في بلادة التعبير وجمود العواطف فحسب، وإنما أيضاً الرياء الذي يدل على شدة المبالغة، في وجبات العشق السريعة، وبالتالي لا أهمية لجزالة اللغة ولا لبيان المعنى في رسالة المحب المقتضبة، طالما أن الأهم هو الاطمئنان على أن الحبيب أو المرسل لايزال بخير، أولايزال يبدأ رسائله بحبيبتي، أو تسلم الرسالة أو فتح بريده الإلكتروني، وهو ما يكشف عن فراغ في القلوب والعقول، وجفاف المشاعر، وعدم قدرة النفس على أن ترتوي من الأدب الجيد والإنساني· جمال عبدالخالق
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©