الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جواسيس ما قبل التأسيس

جواسيس ما قبل التأسيس
20 يوليو 2011 19:36
ما زال يهود مصر يشغلون الباحثين والمؤرخين، وقد شغلت بهم في السنوات الاخيرة د. زبيدة عطا، عميد كلية آداب جامعة حلوان سابقا، واصدرت الجزء الثاني من كتابها “يهود مصر.. التاريخ الاجتماعي والاقتصادي” وتتناول فيه اوضاع اليهود اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. مصطلح مضلل مصطلح “يهود مصر” يبدو مضللا اذ يتصور من يسمعه ان هناك كيانا معتادا ومتجانسا اسمه “يهود مصر” وهم لم يكونوا كذلك، فقد انقسموا الى ثلاث طبقات، العليا أو الارستقراطية ثم الطبقة الوسطى بجناحيها الوسطى العليا والوسطى الدنيا، ثم الطبقة الدنيا، وهؤلاء هم الذين اشتهروا وعرفوا اكثر حيث تركزوا في حارة اليهود وبعض مناطق الموسكي، فضلا عن المدن الصغرى في مصر وبعض القرى، وقد عاش هؤلاء حياة الفقراء المصريين وارتبطوا بهم في علاقات العمل والحياة اليومية، ولاحظت المؤلفة في بعض وثائق اليهود المصريين ان هناك مكاتبات متبادلة بين اليهود المصريين وبعض اليهود بالمستوطنات في فلسطين، لنلاحظ ان تلك الرسائل كانت قبل اعلان قيام اسرائيل، وكان بين هؤلاء اليهود اميون كثر وقد عاش هؤلاء على عملهم وعلى المعونات التي كانت تقدمها لهم الطائفة. الطبقة الارستقراطية اليهودية كانت جزءا من الطبقة الارستقراطية المصرية، وعاشت حياتها حيث البيوت والقصور في الزمالك وجاردن سيتي وقضاء الاجازات في اوروبا وكانوا كذلك على صلة بالاسرة الملكية في مصر، مثل عائلات قطاوي وشيكوريل الذي حصل على الجنسية المصرية في الاربعينيات من القرن الماضي، وكان منهم عائلات اجنبية مثل رولو واجيون والملاحظ ان عددا من الاسر اليهودية كانت من اوائل الذين انضموا الى عضوية نادي الجزيرة الرياضي الذي كانت عضويته قاصرة من قبل على الانجليز. وقد امتلك اليهود الارستقراط اعدادا من الشركات المصرية والبنوك العاملة بها وكانوا يحرصون على ضم عدد من كبار الشخصيات المصرية الى مجالس ادارات هذه الشركات، مثل شركة كوم امبو التي ضمت اسماعيل صدقي باشا إلى عضويتها وكان الهدف الاستفادة بنفوذ هؤلاء في تسهيل اعمالهم لدى الحكومة وفي المقابل كان هناك إحجام من هذه الشركات عن تعيين موظفين مصريين من المسلمين أو المسيحيين وفي شركة شيكوريل لم يكن الموظفون المصريون بها يعدون على اصابع اليد الواحدة، وقد اقتصر تشغيل المصريين على العمال الذين يقومون بتوصيل الطلبات الى المنازل ونقل البضائع من مكان إلى اخر وحتى حينما صدر قرار عام 1947 يقضي بتمصير الشركات أي تشغيل المصريين بها فقد تم التحايل على هذا القانون حيث كان يتم الاعلان عن وظائف نادرة لا تتوفر شروطها الا في الاجانب أو غير المصريين. ولم يكن ابناء هذه الطبقة يتكلمون اللغة العربية لا في بيوتهم ولا في اعمالهم، كانوا يتعلمون في مدارس اجنبية كالفرير والليسيه وكانوا بعد ذلك يتعلمون في الجامعات الاوروبية ومن ثم لم يتعرضوا للغة العربية بأي حال، وكانت لهم صحفهم الخاصة باللغة الفرنسية في الاغلب أو اللغة الانجليزية. وفي تلك الفترة اربعينيات القرن الماضي ذكر حاييم ناحوم افندي حاخام اليهود الاكبر في مصر وكان عضوا بمجمع اللغة العربية انه كان يلقي خطبة في المعبد باللغة الفرنسية وظهر في تلك الفترة اهتمام باللغة العبرية وكان يلقي بها البعض خطبه. يهود الطبقة الوسطى تركزوا في وظائف البنوك واعمال الحسابات بالشركات وكانوا يسكنون احياء مصر الجديدة والعباسية والظاهر وكانت لهم مدارسهم ايضا، وكانت اللغة الفرنسية هي السائدة بينهم فقد تعلموا بها لكنهم كانوا يعرفون العربية واحتكوا بالمصريين. واختلفت الطبقة الوسطى اليهودية عن مثيلتها المصرية حيث كان اليهود اكثر تحررا في السلوكيات فالمرأة لديها حرية أكثر. الفتيات اليهوديات يخرجن مع الشباب ويمارسن الرقص الغربي ربما لان ابناء هذه الطبقة كانوا خليطا من جنسيات غربية بالاضافة الى المصرية، وقد وجدت المنظمات الصهيونية في ابناء هذه الطبقة ارضا خصبة لتجنيدهم وقدمت لهم الوعود بحياة رغدة ومستقبل واعد في فلسطين خاصة بعد ان ضاقت امامهم فرص العمل في مصر منذ عام 1947 وثبت ان الموساد تمكنت من تجنيد اعداد منهم في تلك الفترة، ومن ابناء هذه الطبقة كان هناك عدد من الصحفيين والشعراء مثل الشاعر مراد فرج وقد اسسوا عدة صحف بالفرنسية والعبرية والعربية. مطابع ومكتبات وكان هناك عدد كبير من المطابع والمكتبات اصحابها من اليهود وكانت هناك مطبعة صاحبها اسمه “سانور اليمنج” وقد اعلن في 21 يوليو 1944 عن طبع النتيجة العبرية لعام 5705 العبري، وهذا يعني ان اللغة العبرية كانت معروفة ومستعملة لدى اعداد كبرى من يهود الطبقة الوسطى وكذلك ابناء الطبقة الدنيا، سوف نلاحظ انه كانت هناك عملية احياء اللغة العبرية منذ مطلع القرن العشرين تمت في فلسطين وبين اليهود في مختلف البلدان. وكانت هناك مكتبات يهودية مثل مكتبة “قيتا ايلي ليف” وكانت في شارع محمد علي وهي من اشهر المكتبات اليهودية في القاهرة وكانت تبيع الادوات الكتابية فضلا عن كتب باللغة العبرية. وامتلك اليهود عددا من المطاعم وكان بعضها متخصصة في “الكاستير” اي الطعام اليهودي وكانت تحرص على ان تعلن ان الطعام لديها معد وفقا للشريعة اليهودية مثل مطعم “سان ريمو” بالاسكندرية. ومن المشاريع التي اقبلوا عليها امتلاك الفنادق الصغيرة “البنسيونات” في مختلف الاحياء واشتهروا كذلك بافتتاح وامتلاك الصيدليات حيث كان لديهم 24 صيدلية في القاهرة وكانت الصيدلية من المشاريع المربحة في تلك الفترة، ومن اشهر تلك الصيدليات صيدلية “دلمار” ومازالت موجودة بالقاهرة الى اليوم وبنفس الاسم كما امتلكوا مخازن ادوية عديدة. وتثبت الوثائق ان الرأسمالية اليهودية سيطرت على تجارة الادوية ففي سنة 1914 تأسست الشركة المساهمة لمخازن الادوية المصرية برأسمال قدره مئة الف جنيه وانتشرت الصيدليات الخاصة بها في مصر ثم شركة الصناعات الكيماوية الامبراطورية التي انشأت فرعا لها في القاهرة عام 1934 وفرعا اخر في تل ابيب، وقد اسس فرع القاهرة شركة خاصة باسمه في تل ابيب وكان ذلك الفرع وسيلة لتهريب الاموال من مصر الى تل ابيب. وتعتمد د. زبيدة على كم هائل من الوثائق والمعلومات تجعل من كتابها اضافة حقيقية للقارىء العادي أو الباحث المتخصص.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©