الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

جندي الحرس الإمبراطوري بيكيلا يعلن إثيوبيا أرض العدائين بذهبية «الماراثون»

جندي الحرس الإمبراطوري بيكيلا يعلن إثيوبيا أرض العدائين بذهبية «الماراثون»
14 يوليو 2012
نيقوسيا (ا ف ب) - الاثيوبي ابيبي بيكيلا عداء مذهل يجري حافي القدمين وكأنه في سهول بلاده يركض خلف الخرفان، فاز في ماراثون دورة روما 1960 في الأمسية الأخيرة من الألعاب، واجتاز خط النهاية نضراً غير متأثر بالمسافة والجهد، فادهشت لياقته البدنية وحيويته الأطباء بعد عناء 195 .42 كلم. اخترق “السائح الاثيوبي” شوارع العاصمة الايطالية مكتشفاً روما القديمة وحاصداً الانتصار ومحطماً الرقم القياسي الذي حققه التشيكوسلوفاكي اميل زاتوبيك في دورة هلسنكي 1952 (2 :03 :23 :2 ساعة). خرج بيكيلا (28 عاماً) الجندي في الحرس الإمبراطوري الاثيوبي من بين الصفوف، واخترق الطليعة ليبلغ خط النهاية حافي القدمين، فالأحذية الرياضية لا تريحه، والجري من دونها أسهل، وسجل 2 :16 :15 :2 ساعة مقابل 6 :41 :15 :2 ساعة للمغربي عبدالسلام الراضي. وكان بيكيلا (58 كلج 76 .1 م) نموذجاً لجيل من العدائين الأفارقة الذين طبعوا المسافات الطويلة بطابعهم الخاص، والحصاد المثمر لمدرب اللياقة البدنية في كتيبة حرس الإمبراطور هايلي سيلاسي، السويدي اومني نيسكانن المولود في هلسنكي. قبل اربع سنوات من موعد الألعاب، اكتشف المدرب الخبير جندياً شاباً انخرط في صفوف الحرس الإمبراطوري منذ سن المراهقة، بهره بقدرة تحمله، شاب قادم من الريف البعيد ومولود في 7 أغسطس 1932، وهو اليوم الذي نظم فيه سباق الماراثون في دورة لوس انجلوس الاولمبية، عندما فاز بيكيلا بذهبية روما كان العداء الحافي القدمين مجهولاً، لكن وقته القياسي جعل منه اسطورة لكونه أول رياضي أفريقي اسود يتوج بطلاً أولمبياً. ومن المفارقات انه أحرز لقبه في روما عاصمة الدولة التي استعمرت بلاده إثيوبيا، واجتاز خط الوصول (تحت قوس قسطنطين على بعد خطوات من الكوليزه) من حيث ارسل موسوليني قبل ربع قرن قواته لتغزو بلاد الحبشة. بيكيلا ابن مزارع فقير من قبيلة امهارا في جنوب إثيوبيا، شديد السمرة، اشعث الشعر، حاد الأنف، بدأت مواهبه الرياضية تبرز في دورات عسكرية محلية، وتولى شؤونه نيسكانن، وقاده إلى ذلك النصر التاريخي الكبير. وعندما عاد إلى بلاده كان طبيعياً ان يستقبل استقبال الأبطال، وقد أهداه النجاشي (الامبراطور) شقة وسيارة، ولكن بعد فترة وجيزة حصل تمرد في القصر الإمبراطوري (13 ديسمبر) تم على اثره اعتقال جميع أفراد الحرس وإعدامهم رمياً بالرصاص، باستثناء بيكيلا الذي تدخل الإمبراطور شخصياً لانقاذه، وقيل يومها ان ذهبيته الأولمبية أنقذته. ومع حلول موعد أولمبياد طوكيو 1964 تردد مدرب المنتخب الإثيوبي في ضم بيكيلا إلى الفريق، لأنه كان قد خضع قبل خمسة أسابيع لعملية ازالة الزائدة الدودية، وفي أي حال خاض العداء السباق منتعلاً حذاء رياضياً هذه المرة، وفاز به مسجلاً 11 :12 :2 ساعة، فبات أول من يحتفظ بلقب هذا السباق الصعب، واستقبل في بلاده استقبال الفاتحين وكوفىء بترفيعه إلى رتبة ملازم. وفي أولمبياد مكسيكو 1968 اضطر بيكيلا للانسحاب بعد 17 كلم من الماراتون بسبب إصابة في قدمه، وكان هذا الامر بسيطاً بالمقارنة مع ما تعرض له لاحقا هذا البطل الأولمبي المتزوج (له أربعة أولاد)، عندما اصيب بالشلل نتيجة حادث سيارة عام 1969، غير ان عزمه الذي لا يلين دفعه إلى المشاركة في مسابقة لرمي السهام، وهو على مقعد متحرك في إنجلترا. وفي 25 أكتوبر 1973 توفي اثر نزيف في الدماغ، واقيم له في بلاده مأتم مهيب في يوم أعلنه الامبراطور يوم حداد وطني. لطالما فضل بيكيلا أن يعدو حافي القدمين لشعوره براحة أكبر وتلقائية، كان فقط ينتعل الحذاء، عندما يشعر ان المسار سيعرضه لإصابة أو جرح، ونتيجة ذلك، قسا الجلد في اسفل قدميه وباتت سماكته ميلليمترات، فبدا وكأنه نعل “طبيعي”، ولم يعد ينزعج، أو يشعر بوخز أو الم. كان بيكيلا يتدرب مرتين يومياً، في الصباح الباكر وقبل المغيب، يقوم بإحماء لمسافة طويلة ثم يجري سلسلة 1500 م لتنمية السرعة، فضلاً عن حصص جري طويل في الريف، وهذا التنويع مفيد، لا سيما ان المنطقة جبلية والامكنة المطلوبة متوافرة. كما طلب نيسكانن من تلميذه الهرولة صعوداً نحو المرتفعات والهضاب بسرعة كبيرة، فضلاً عن قيامه بتمارين جمباز لليونة ويرفع اثقالا خفيفة، وتجاوب قلب بيكيلا كان ممتازاً، ونبضه يسجل 45 دقة في الدقيقة في اوقات الراحة. كشف بيكيلا انه قبل سباق روما قال له نيسكانن إن حظوظه كبيرة بالفوز، وطلب منه مراقبة العدائين السوفييت والمغربي الراضي، وأن يكون حذراً ومتيقظاً، والا يتقدم ويتصدر قبل الكيلومتر 30، ويمكنه فقط أن يأخذ زمام الامور في البداية إذا كان السباق بطيئاً. وأضاف: “انطلقت أخيراً عندما حان الوقت، ولا ازال املك مخزوناً من اللياقة، أنا سعيد لبلدي وللامبراطور وزوجتي التي تنتظرني في بيتنا الصغير في اديس ابابا” في السباق التأهيلي للألعاب اجتاز بيكيلا المسافة بزمن مقداره 30 :21 :2 ساعة، علما ان المسار كان أصعب بكثير، وطول المسافة صعودا 10 كلم، والانحدار العام 250 م في مقابل 90 م في روما، كما ان العاصمة الإثيوبية تقع على ارتفاع يتراوح بين 2000 م و3 آلاف م عن سطح البحر. في روما خاض بيكيلا ماراتونه الثالث، وسبق أن برع على مسافة 25 كلم، ورقمه في 5 آلاف 00 :36 :14 دقيقة، علما بان لا أرقام مسجلة له رسمياً في 10 آلاف م، لكن مؤشرات أدائه تؤكد مقدرته على اجتياز هذه المسافة (25 لفة مضمار 400 م) بزمن دون 29 دقيقة، ومتى توافرات ظروف مثالية لخوض سباقات على الساحل، يمكنه تحطيم رقم زاتوبيك ضد الساعة. كان نيسكانن يأمل بكثير من كوكبة عدائين إثيوبيين شبان يعدهم للبطولات المقبلة. وبيكيلا أول غيث تلك القافلة التي انطلقت، فبعد احتفاظه باللقب في طوكيو، فاز مواطنه مامو والدي في دورة مكسيكو عام 1968.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©