الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أفغانستان ومخاطر استنساخ التمرد العراقي

7 أغسطس 2006 01:09
من يزور كابول اليوم، يلمس فيها دفئاً وحيوية وحرارة لم تكن تعرفها قبل أربع سنوات فحسب· وفيها تختلط وجوه الماضي ومعالمه بوجوه ومعالم الحاضر المعاصر، فيتداخل الجديد والقديم معاً، وترى عربات الكارو التي تجرها البغال والخيول وهي تقف جنباً إلى جنب مع أحدث السيارات وأفخمها، قبالة محال الأجهزة الإلكترونية التي تبيع أسرع وأحدث أجهزة الكمبيوتر! لكن وعلى غرار ما يحسه الزائر للعراق، إبان الأيام الأولى التي أعقبت تحرره من سطوة ونفوذ صدام حسين، فقد تبخرت تلك الحيوية والعنفوان، ليحل محلهما ما نرى اليوم من عنف وقتل ومواجهات· أقول على غرار ما حدث في العراق، فإن هذه الحيوية الخارجية التي يلمحها المرء في كابول، تخفي تحتها طبقة أخرى مثيرة للخوف والقلق، جراء تصاعد ممارسات العنف وأعمال التمرد والقتل والترويع وبذر الخوف في نفوس المواطنين والأجانب على حد سواء· ففي شهر يوليو المنصرم انفجرت قنبلة داخل إحدى الحافلات التابعة للجيش الوطني الأفغاني· وعلى الرغم من أن ذلك الانفجار لم يسفر عن قتل أي من الجنود المتواجدين داخل الحافلة وقتئذ، إلا أن 35 منهم كانوا في عداد المصابين، بينما تعرض ثلاثة لجروح وحروق خطيرة· ولكل منْ لا تزال ذكريات أيام التمرد الأولى في العراق حية ومتقدة في ذهنه، فإن أكوام زجاج النوافذ المحطمة في شوارع كابول وكذلك بقايا حطام الأبواب والمعادن، وفي استهداف المنشآت والمرافق الحكومية، وتكرار وقوع الانفجارات والهجمات المتعددة بالقنابل في مواقع مختلفة من العاصمة، ما يذكر ببدايات التمرد العراقي· بل إن في كابول الكثير مما يعيد إلى الذهن ذكريات بدايات اندلاع ذلك التمرد· من بين هذه، فإن ضوء القمر الذي يضيء بيت جيراني مباشرة، لهو أشد سطوعاً من بصيص الضوء الذي تبثه اللمبات الكهربائية المضاءة بالتيار الكهربائي الضعيف الساري من المولدات الصغيرة التي تستخدمها بعض البيوت والمنشآت ليلاً في كابول· واليوم فقد أصبحت كابول عرضة لهجمات المتمردين مثلما كان عليه حال بغداد في الأيام الأولى لاندلاع التمرد· وقد تجولت في شوارع كابول ليلاً ونهاراً، وفي مخيلتي أنني أحد الانتحاريين، فلم تعزني مطلقاً الأهداف التي يمكن لي تفجيرها وتنفيذ عملياتي فيها دون أدنى صعوبة أو عوائق أمنية· فالغفلة الأمنية هنا تغري بتنفيذ الكثير من هذه العمليات· كما لاحظت أن بعض الوزارات تكاد تكون مشرعة الأبواب أمام المخربين والمعتدين، لأنه ليس بها من حاجز أمامهم سوى سياج معدني خفيف، من ذلك النوع الذي يمنع المارة من الدخول إلى تقاطع القاطرات والسكك الحديدية· أما حين دخولك إلى مبنى أحد المرافق أو المكاتب الحكومية، فبالكاد يلقي الحراس المستاؤون من عملهم نظرة إلى حقيبتك أو يجهدون أنفسهم في محاولة معرفة ما بداخلها· أما في إجراءات التفتيش الخاصة بالمطارات والمداخل الجوية لكابول، فما عليك سوى دفع ما قيمته دولارا واحدا، كي يغض المسؤولون النظر عن إجراء التفتيش كله! وعلى رغم أني لا زلت أخرج في صباح كل يوم لشراء الخبز الطازج لإفطاري، فإنني بدأت أحث خطاي وأسرع بعض الشيء مؤخراً· وخلافاً للمرات السابقة التي زرت فيها كابول، فقد بدأت استشعر خوفاً من أن يختطفني أحدهم، حين أكون ماشية على الأقدام، فتبطئ خلفي أو بجانبي سيارة عابرة دون سبب واضح مبرر· وكما حذرتني إحدى الأرامل العاملات في ورشة لخياطة الملابس، فإن علىّ توخي الحيطة والحذر من عمليات الاختطاف الواسعة الانتشار في المدينة حتى في منتصف النهار· فما أسهل أن يختطف الأجانب هنا بوجه خاص· فهناك أعداد لا تحصى من المجرمين والمتمردين القتلة، والمسلحين الملثمين الذين ينفذون ضرباتهم ليلاً وفي رائعة النهار· فكيف للتمرد أن يكون ما لم يتخذ هذا الشكل الواسع لتفشي أجواء الجريمة والعنف؟ وكما هو الحال في بغداد، فهنا أيضاً ترتفع نزعة العداء لأميركا في شوارع وأنحاء العاصمة كابول· ومن بين أكثر ما يثار ضدنا: لماذا سمحت أميركا لمنظمات إغاثتها الإنسانية بالتعاقد مع الشركات الأفغانية الفاسدة التي تصادر المساعدات ومواد الغوث الإنساني لنفسها ومصالحها هي؟ ولماذا لا يستخدم الأميركيون المزيد من العمالة المحلية الأفغانية؟ ولماذا مرت أكثر من خمس سنوات على الغزو الأميركي لأفغانستان، بينما تفتقر أنحاء كثيرة من العاصمة كابول -ناهيك عن المدن الأخرى والريف- إلى خدمات الكهرباء ومياه الشرب الصحية النظيفة؟! ثم لماذا لا يزال الفقر متفشياً في أوساط الغالبية الغالبة من الأفغان؟ وأين وعود الإعمار وإعادة البناء التي وعدتنا بها أميركا؟ إلى ذلك يرى بعض أعضاء البرلمان أن خيبة أمل المواطنين الأفغان في حكومة الرئيس حامد قرضاي -الذي يبدو مجرد دمية أميركية في نظر الكثيرين منهم- وشعورهم بعجز هذه الحكومة عن حمايتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية، توفر جميعها تفسيراً لهذا الدعم الشعبي الصامت الذي تقدمه الأغلبية المقهورة في الريف الجنوبي الأفغاني لحركة طالبان المتمردة· لكن وخلافاً لما هو عليه حال التمرد العراقي، فقد نال الأفغان قسطهم وأكثر من الحروب الأهلية والتمزق السياسي والإثني والاجتماعي على امتداد ما يزيد على الثلاثة عقود· ولذلك فإنهم يأملون في السلام والاستقرار الأمني· ولكن المشكلة أن في السياسات الأميركية المتبعة داخل أفغانستان، أصداء السياسات نفسها المتبعة في العراق· وتتلخص هذه الأصداء في محاولة إنكار حقائق الواقع ومغالطتها· ولكن هل أجدت هذه السياسات في بغداد من قبل، كي يجدي تكرارها هنا في كابول؟! أليسا جي روبين مراسلة صحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' في كابول ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست'
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©