الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لماذا يشكّل لبنان هاجساً دائماً لإسرائيل؟

7 أغسطس 2006 01:10
بيروت -الاتحاد- خاص: لأول رئيس حكومة في إسرائيل ''دافيد بن غوريون'' هذا القول الشهير: ''كل دولة في العالم لديها جيش، في حالتنا هناك جيش وعنده دولة''··· وقد برز ذلك على نحو جليّ، خلال الحرب على لبنان· كل شيء تعسكر حتى الإعلام الذي أخرج الجنرالات المتقاعدين من سباتهم لكي يطلقوا صيحاتهم عبر الشاشات أو عبر الصحف·· بعيداً عن التفاصيل، طرحت أكثر من جهة في الأيام الأخيرة، هذا السؤال: ماذا يريد الإسرائيليون من لبنان؟··هل المطلوب، فقط، تفكيك ''حزب الله'' الذي واجه بضراوة الضربات الإسرائيلية والذي كان أسره جنديين إسرائيليين الشرارة التي أشعلت كل هذه الكارثة، أم أن ثمة غايات استراتيجية أخرى؟·· هنا محاولة للإجابة : لا مسافة ايديولوجية بين الغيتو والخندق· كلهم رسموا ''يهوه'' بالملابس المرقطة··لكن ''دافيد بن غوريون''، أول رئيس وزراء في الدولة العبرية، والذي أطلق عليه لقب ''النبي المسلح'' هو مَن قال: ''كل دولة في العالم لديها جيش، في حالتنا هناك جيش وعنده دولة''· ولقد كتب الروائي ''عاموس كينان'' عن ''عسكرة الأرواح''· إذا لم تكن عسكرياً أو معسكراً في إسرائيل، فلا بد أن تكون متواطئاً مع العرب! الكل التقوا في منطق الخندق، وفي منطق الغيتو، عندما شُّتت الحرب ضد لبنان· الجنرالات خرجوا من قبورهم، الحاخامات الذين ما زال يغريهم شعار ''إسرائيل الكبرى''، ليشيروا إلى أن اسم لبنان ورد مرات عدة في التوراة، وهم لا ينسون أن هيكل ''سليمان'' بني بخشب الأرز، حتى إذا ما عجز الملك ''سليمان'' عن أداء كامل قيمة الخشب، أعطى ''احيرام''، ملك صور سبع قرى· ويا للمصادفة، أنه عندما قامت سلطات الانتداب الفرنسي والبريطاني برسم الحدود بين لبنان وفلسطين اقتطعت 7 قرى لبنانية وضمّتها إلى فلسطين· الهاجس·· لبنان كان يشكل، دائماً، هاجساً للدولة العبرية· ومع أن القيم والمفاهيم والآليات المصرفية تغيّرت كثيراً، فإن الإسرائيليين اعتبروا، دوماً، أنه إذا ما قام السلام الاقليمي، فإن القطاع المصرفي في لبنان يشكل تحدياً للقطاع المصرفي الإسرائيلي الذي يستوعب، كودائع بالعملة الصعبة، نحو 150 مليار دولار، وهذا رقم ضخم إذا ما أخذنا بالاعتبار الحجم الديموغرافي للدولة، وانقطاعها عن المحيط الاقليمي·· صحيح أن هناك دولتين عربيتين أبرمتا معاهدتي سلام معها، وهما مصر والأردن، ولكن يستحيل أن تجد مصرياً أو أردنياً يودع أمواله في مصرف إسرائيلي، حتى أن تل أبيب سعت، وعبر ضغوط مختلفة، لحمل متموّلين أتراكاً على إيداع أموالهم لديها· الذين فعلوا ذلك، وفي دراسة صدرت منذ نحو عام ونصف العام عن بورصة تل أبيب، هم عدد من رجال الأعمال اليهود الأتراك· سياحياً، الإسرائيليون اشتكوا دوماً من ''السحر اللبناني''· هذا لا يعود فقط إلى ''عبقرية الأرض''، وحيث الثلوج تغطي قمم بعض الجبال على مدار السنة، وإنما إلى كون لبنان، بتنوّعه الثقافي والحضاري والطائفي، يشكل حالة مميزة تجتذب السائح العربي الذي يرتبط، حتماً، عاطفياً وأخلاقياً بلبنان· وكان حاكم المصرف المركزي الإسرائيلي السابق ''يعقوب فرنكل'' قد وضع دراسة حول نسب السياح العرب الذين يفضلون قضاء فصل الصيف في الدولة العبرية إذا قام السلام الشامل، تستقطب إسرائيل 7 في المئة من السياح في مقابل 93 في المئة للبنان، في السنة العاشرة ترتفع النسبة إلى 19 في المئة في مقابل 81 في المئة للبنان· ''فرنكل'' أقرّ بعمق الرابط الثقافي، وقال إن العرب لا يمكن أن يتخلوا عن ''وديع الصافي'' و''فيروز'' و''ملحم بركات''، وحتى ''نجوى كرم'' أو ''ماجدة الرومي'' لمصلحة الفنانين الإسرائيليين· ·وهو الذي اعتبر أن اللغة العبرية غير مغرية، ناصحاً الفنانين والفنانات بأن يتعلموا العربية ويؤدوا الغناء بها، وإن استدرك بأن هذه تكون فضيحة حقيقية· لكن الذي تابع الأقوال التي صدرت ·عن ضباط إسرائيليين متشددين بعد الانسحاب من لبنان في أيار / مايو ،2000 يلاحظ مدى الكراهية التي يكنونها للبنان· ف''دان حالوتس''، رئيس هيئة الأركان، عارض الانسحاب، وقال بتدمير بيروت قبل الانسحاب· وأكثر من خبير كتب عن العقدة اللبنانية لدى الجنرالات، فدائماً كانت تستشف من آرائهم صيحة الثأر· ايديولوجيا الكراهية حدث ذلك الشيء الذي يجعلهم يثأرون· مراسل بريطاني ذهل أمام مشهد أعلى جسر معلق في الشرق الأوسط، وهو يقع على خط بيروت ــ دمشق· في اليوم الرابع للغارات الجوّية، قصفت الطائرات الإسرائيلية الجسر الذي لم يعد صالحاً للمرور، كما أنّ جسراً آخر على الطريق ذاته دُمِّر· إذا كان الإسرائيليون يودّون تعطيل الحركة على الطريق، فقد حدث ذلك فعلاً، حتى بنات آوى التي تُشاهَد ليلاً في تلك المنطقة، عابرة الطريق بالعرض اختفت· في اليوم العاشر، نفذت الطائرات الإسرائيلية أربع غارات لتدمير الجسر بالكامل، وهو الذي بلغت كلفته نحو 75 مليون دولار· المراسل البريطاني قال ''إنها ايديولوجيا الكراهية···!'' حدث ذلك للمدن أيضاً· والواقع أنه قبل منتصف الستينيات، كان لبنان يشكل، دوماً، على المستوى العسكري الحلقة الأضعف فيما كان يُعرف بـ''دول الطوق''، إلى أن بدأت حركة ''فتح'' تمارس نشاطها، حتى أن رئيس السلطة الوطنية الراحل ''ياسر عرفات'' نفذ عمليات داخل الجليل، منطلقاً من الأرض اللبنانية· الشمعة··وظهر سلحفاة كانت الجبهة هادئة، حتى أن جندياً لبنانياً وضع، ذات مرة، في الخمسينيات من القرن الفائت، شمعة مضاءة على ظهر سلحفاة متجهة جنوباً، ظن الجنود الإسرائيليون أن ثمة مَن يتسلل باتجاههم، فأطلقوا النار، وتدخل فريق الهدنة لتتبين الدعابة المثيرة· وإن كان معروفاً أن الطائرات الإٍسرائيلية لم تتوقف عن اختراق الأجواء اللبنانية وصولاً إلى بيروت، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي· ولم يكن باستطاعة السلطة اللبنانية في ذلك الحين سوى الصمت· بالطبع، تطور العمل السياسي والعسكري الفلسطيني ألهب الجبهة اللبنانية· ولعل اللافت أن ''دافيد بن غوريون'' تنبّه إلى أن عشرات آلاف الفلسطينيين لجأوا في عام 1948 إلى جنوب لبنان واستقروا في مخيمات عدة، منها مخيم عين الحلوة، ومخيم الميّة وميّة، ومخيم الرشيدية، ومخيم البص، ومخيم البرج الشمالي، وفي الرسائل الشهيرة التي تبادلها مع رئيس الحكومة الثاني في إسرائيل ''موشي شاريت''، إشارة إلى إقامة كانتون حدودي لحماية الدولة العبرية، وهو ما جرى اعتماده في عام ،1978 ومن ثم اجتياح عام ،1982 ولكن ليختفي الشريط في عام ·2000 بالنسبة لتوطين الفلسطينيين في لبنان فإنه هاجس إسرائيلي قديم· أول من فكر بذلك وزير الخارجية الأسبق ''هنري كيسنجر''، لكن الحروب الطويلة التي شهدتها البلاد، وذابت فيها الدولة أكثر من مرة، لم تتمكن من إقامة دولة الكانتونات التي يندرج في اطارها كانتون فلسطيني أو أكثر·· والواقع أن واشنطن التي تريد تنفيذ ''رؤية'' أو ''رؤيا'' الرئيس ''جورج دبليو بوش'' قبل عام ،2009 كانت قد وعدت جهات لبنانية بتوطين جزء كبير من فلسطينيي لبنان في احدى الدول العربية· لكن هذه الدولة ما لبثت أن رفضت بصورة قاطعة ليعود إلى الواجهة المشروع القديم الذي تبنّاه بقوة رئيس الوزراء السابق ''اسحق رابين''·· هرتزل·· والحياة·· المياه اللبنانية جزء من الحلم الإسرائيلي· وردت في مشروع ''تيودور هرتزل''، مؤسس الحركة الصهيونية، وفي رأس ''حاييم وايزمان''، أول رئيس للدولة، وبالتأكيد في رؤوس مسؤولين إسرائيليين كثيرين، كما أن معاهد البحث الاستراتيجي وضعت دراسات تفصيلية حول الموضوع، وهو ما نبّه إليه الوزير والنائب الراحل ''موريس الجميّل'' في دراسات موثقة، وكذلك الخبير ''ابراهيم عبدالعال'' الذي كان يشغل منصباً في الدولة معنياً بشؤون المصالح الاستثمارية، ومنها المياه· ''عبدالعال'' توفي على سريره في المستشفى في ظروف غامضة، ولطالما قيل ان الموساد كان وراء وفاته·· لكن شخصيات إسرائيلية دأبت على الترديد، بين الحين والآخر، ان لبنان، بتعقيداته الداخلية، مشكلة حقيقية من الأفضل إبقاء الأصابع بعيدة عنها، فيما وصفه الصحافي الأميركي البارز ''تيد كوبل''، لدى زيارته بيروت في يونيو الفائت بـ''المسرح الجانبي للمنطقة''·· جمهورية وتتعذب، ثمن البقاء هو العذاب· هل الذي يجري، وكما قال رجل دين بارز، هو إعطاء أقراص مهدئة للفينيق· أقراص مهدئة أم أقراص قاتلة؟ لا أحد مثل لبنان، بين الدول العربية، تعذب· لا مشكلة، ولكن ماذا تريد إسرائيل عندما تدمر كل هذا؟ هو ذا ثمن جنديين إسرائيليين، ماذا لو تم أسر مائة جندي مثلاً·· في مؤخرة ذلك العقل الاستراتيجي الإسرائيلي، ثمة هاجس يدعى لبنان· نموذج خلاق، فكيف يرتضي به الذين أقدامهم إما في الغيتو أو في الخندق؟ ''أورينت برس''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©