الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملالا... وأخواتها المنسيات

17 يوليو 2013 22:26
أدريانا كارانكا إقليم خيبر باختونخوا- باكستان على رغم من أن عمرها لا يزيد على 12 عاماً، فإن”نادية” تتوقع دائماً حدوث الأسوأ. فعندما عبرت عتبة الباب المؤدي إلى المسكن المتواضع، الذي يتقاسمه والداها مع عائلتين أخريين في أراضي “البشتون” الواقعة شمال غرب باكستان، أخذ جسدها الهزيل يرتعد من دون وعي. وعلى الرغم من أنها كانت تدري أني قادمة، فإنها تعلمت في سن صغيرة للغاية، ألا تثق بأي أحد. كانت نادية في الخامسة من عمرها، عندما زوّجها والدها لرجل غريب أكبر منها بكثير، تعويضاً عن جريمة قتل ارتكبها عمها بعد ما قضى المجلس القبلي التقليدي في قريتها الواقعة في المناطق القبلية من باكستان بأن تكون جزءاً من الصفقة، بالإضافة إلى عنزتين، وقطعة أرض. وعندما احتج بعض الرجال من عائلتها بأنها ما زالت صغيرة السن لدرجة لا تسمح بتزويجها: فإن مجلس الجيركا وافق- وهذا شيء نادر الحدوث- على عدم تسليمها فوراً، وأمر الزوج بالانتظار حتى تبلغ سن معقولة. يطلق على هذا التقليد المتبع في تسوية الخلافات بواسطة مجالس الجيركا في المناطق القبلية من باكستان اسم “سوارا”. وعلى الرغم من أنه من المفترض أن تؤدي الـ”سوارا” إلى تسوية الخلافات، فإن الفتيات التي يتزوجن بهذه الطريقة عادة ما يكونن هدفاً للانتقام من الرجال الذين يتزوجونهن، ومن جميع أفراد أسرهم أيضاً ويتعرضن لأنواع لا حصر لها من العذاب بسبب جريمة لا ذنب لهن فيها. على الرغم من أن هذه الممارسة غير قانونية، فإنها تحدث بمعدلات مفزعة في المناطق القبلية في إقليم البشتون- مثل وادي سوات الذي شهد محنة الفتاة الشجاعة “ملالا يوسف زاي”، التي تعرضت لإطلاق نار على رأسها من أحد أفراد “طالبان” لدعوتها لتعليم الفتيات في منطقتها. بالإضافة لهذه الظاهرة تنتشر في باكستان أيضا ظاهرة زواج الفتيات دون السن القانونية (16 عاما) حيث تشير الإحصائيات أن 70 في المائة من الفتيات في باكستان يتزوجن قبل أن يبلغن هذه السن. أما متوسط عمر فتيات الـ”سوارا” فيتراوح بين 5-9 سنوات وفقاً للسجلات المحلية. وفي المناطق القبلية في باكستان، تحتم التقاليد أن أي فتاة يزيد عمرها على هذا المتوسط، يجب أن تكون موعودة للزواج بشخص معين. “ماهنون” فتاة أخرى كانت في الثامنة من عمرها عندما قرر مجلس الـ”جيركا”أن يتم تزويجها في صفقة “سوارا”. في ذلك الوقت كانت أختها البالغة عشر سنوات، قد وعُد بتزويجها لابن عمها، ولكن والدها الذي كان مرتكب الجريمة وأباً محباً حانياً في الآن ذاته، تقدم بالتماس للمجلس عرض فيه التنازل عن كل ما يملك في مقابل عدم تزويج ابنته بهذه الطريقة، ولكن المجلس لم يستجب لتوسلاته. ونظراً لأنه لم يكن أمام أسرتها خيار آخر، فإن الأب قرر أن تجمع الأسرة ملابسها، وما تستطيع حمله من أدوات منزلية وتهرب من القرية تحت جنح الظلام. الأسرة المكونة منها ومن أختها ووالدها ووالدتها، تعيش الآن في كوخ رث. ومحنتا “نادية” و”ماهنون” تطرحان سؤالاً جوهرياً: لماذا لا تسعى أسر الفتيات اللائي يتعرضن لمثل هذه المحن لطلب العدل في المحاكم المدنية العادية في المقام الأول. الإجابة- جزئياً- أن ذلك يرجع للتقاليد. وهذه التقاليد غير مكتوبة وتعود لعصور الجاهلية قبل الإسلام، وتمثل ميثاق شرف في المجتمعات البشتونية. ولكن قوة التقاليد البشتونية ليست سوى جانب واحد من القصة، فخلال أيام الإمبراطورية البريطانية، كان الحكام الاستعماريون يمنحون ألقاب النبل والشرف للزعماء القبليين الأقوياء، الذي كان يطلق على كل واحد منهم لقب “ملك” مقابل ضمان ولائهم. وبهذه الطريقة كان يتم تفويض جميع الشؤون والمشكلات المحلية لمجالس الجيركا كي تبت فيها. ولمواجهة احتمال أي تمرد من قبل الزعماء المحليين صاغ البريطانيون طائفة من القوانين أطلقوا عليها “قوانين جرائم المناطق الحدودية”، والتي كان يتم بموجبها حرمان ساكني تلك المناطق من التمثيل القانوني في نظام العدالة المدني العادي. وعند أول بادرة للتمرد كان البريطانيون يقبضون على المشتبه بهم من دون تهمة كما هو الحال في النظام القانوني العادي. واستمر الحال على هذا المنوال حتى عام 2011 عندما وقع الرئيس آصف علي زرداري على طائفة من التعديلات لتلك الأنظمة تم بموجبها منح مواطني المناطق القبلية الحق في الاستئناف على القرارات التي تتخذها مجالس الـ”جيركا”. وتمنع القوانين الجديدة العقاب الجماعي والقبض على الأطفال دون سن 16 عاماً بسبب جرائم ارتكبها آخرون. ولكن الثغرات العديدة في النظام القضائي الباكستاني، وعلى وجه الأخص فساده المتفشي وبطئه الشديد، (بعض القضايا تستغرق 30 عاماً للبت فيها) وتكلفته العالية تجعل سكان المناطق القبلية والحدودية يفضلون التعامل مع مجالس الـ”جيركا”، التي يتم إصدار الأحكام فيها على نحو سريع، ولا تكلف شيئاً مما يجعلها مفضلة لدى الفقراء.. فكلما أصبح مسلحو “طالبان” أكثر قوة، كلما مالوا لتطبيق قواعدهم القاسية على المجتمع كله، وخصوصاً على الفئة الأكثر عرضة للتمييز ضدها- المرأة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©