الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

علي العامري يحتفي بالمعني في المعيش اليومي والتفاصيل الصغيرة

14 يوليو 2012
عمر شبانة (دبي)- في الكتاب الشعري الثالث للشاعر الأردني علي العامري بعنوان “خيط مسحور”، الصادر مؤخراً عن منشورات وزارة الثقافة الأردنية، يواصل العامري الحفر في الغامض والكوني والمجهول، جنباً إلى جنب المعيش اليومي والتفاصيل الصغيرة، ضمن قصيدة تحتفي بالمعنى والمبنى في آن. المجموعة التي جاءت في حوالي مائتي صفحة، مزينة برسومات ابنة الشاعر الطفلة (سما)، سبقتها مجموعتان للشاعر هما: “هذي حدوسي.. هذي يدي المبهمة” 1993، و”كسوف أبيض” 1997. والمتابع لتجربة العامري منذ بداياتها يعاين قدراً من الانزياحات عن ما هو سائد، فهو يراعي في عمله الاشتغال على مستويين للقصيدة: المستوى اللغوي بما ينطوي عليه من عناصر وأساليب بناء وتركيب وتصوير، والمستوى الذي يتضمن ما تنطوي عليه القصيدة من مكونات يمتزج فيها المتخيل بالواقعي، في منطقة يعاد فيها تشكيل العالمين، فيجري “تخييل الواقع” و”وقعنة الخيالي”، عالم الحلم والواقع والسديم والسدى والفراغ والوحشة من جهة، ونقائضها من الحب والبراري والفضاءات والحرية من جهة ثانية. وبقدر ما هو يبدو الشاعر مهجساً بمبنى القصيدة وتدفقاتها العفوية، فهو مهجس بالمعنى العميق لهذا المبنى، وما يتدفق منه عبر الصور المركبة من مكونات تنتمي إلى عالم الهيولى والفنتازيا، الذي يحتشد بدوره بعوالم الروح والجسد المتداخلة. من دون أن يهمل البحور والإيقاعات والقوافي العفوية التي تبدو جزءا طبيعيا في بناء النص وليست زينة خارجية. منذ البداية نقف على ظاهرة أولى تتمثل في كيفية توليد الصورة والعبارة الساحرة في “الخيط المسحور”، بقدر من العفوية والسلاسة نابعين من وعي للعالم ومكوناته وتفاعلاته. عالم بمفردات غنية وقاموس يحتفظ بعناصر الحياة الأساسية، حتى لو تم تكرار هذه المفردات فهو لتكريسها ورفعها إلى مستوى السحري. كلمات شاعر يجوب الكون من عتمة الكهوف إلى أعالي الكواكب والنجوم. ذلك كله في سبع وثلاثين قصيدة مختلفة طولا وقصرا، بين قصيدة من أربعة سطور، وأخرى مدورة على مدى تسع صفحات. هو خيط مسحور يربط هذه العوالم بدءاً من “نعمة الالتباس”، حيث نلحظ التلاعب بالفعل مر وتعالقه بالظرف مرة وتداخله مع المرمر: مرة/ مر غيم خفيف/ على صوت عاشقة/.. مر مثل يد تمسح الليل/ عن مرمر في ممر قديم/ ظلال تنام على مستطيل، وغصن من التوت يرشح ضوءا على بقعة الماء/ ريف يرقش خابية من فُخار”. فهنا يبرز التصوير والرسم بلغة تتدفق من نبع بلا توقف من الجملة الأولى حتى النهاية، وتبرز عوالم الحدس والأعالي والروح والغمام واللؤلؤ والقيثارة والجن والحواس، والأساطير، ومرايا الزبد، وسواها. في مركز قصيدة العامري محاولة تطويع اللغة لكل ما هو خارج على المألوف والسائد، استنطاق الجماد وبعث الاخضرار في الحجر نبشا وراء المعنى “تخضرّ زلازلُ قرب الشرفة، نقطة ضوء في ليل المعنى، أغفو مثل رسالة”، أو خلقا لارتعاشات الجسد والروح. “ارتعاشة سر تسير إلى ضوئها في أعالي الجسد”، إنه مزج عناصر الكون بحثا وراء المستحيل. ففي قصيدة “خيط مسحور” تحديدا نجد كيف “في الحب/ يشعّ الغامض/ حتى حجرُ الصوان يسيل”. نجد (الاخضرار، الضوء، الألوان)، حيث “يرى الأعمى أثر العطر على حبل غسيل مشدود فوق خميس الجمعة”، ولا أظن أن ثمة من خطر له تركيب مثل “خميس الجمعة” سوى هذه اللغة الطازجة لشاعر يجدد. عناوين قصائد العامري غالبا ما تتألف من كلمة واحدة “صوت” و”ظل” و”ممشى”، أو كلمتين “بيت الريحان” و”باب مجنح” و”مشهد داخلي”، وفي مرة واحدة بلغت ثلاث كلمات “قلبي مأهول بك”، وهي في كل الأحوال تشير إلى عالم الرؤية والتجوال في دهاليز الكون، لاستخلاص زبدة الحياة وعبقها بكل ما فيها من حب وطيران للجسد والروح معا، في رحلة نختم بها على الرغم من الكثير الذي ينتظر قراءة أعمق، نختم بهذا التصوير لعلاقة الروح بالجسد، علاقة تنطوي على قدر من الروحانية الصوفية ولكن الحسية أيضا “أدخلني مدخل إغماء.. أدخلني حتى يلسعني نحل المعنى”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©