الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهند واليابان... علاقات متعثرة مع أميركا

الهند واليابان... علاقات متعثرة مع أميركا
20 يوليو 2011 22:20
تقوم وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بزيارة إلى الهند لإجراء حوار استراتيجي مع حليفتها في جنوب آسيا يتطرق إلى صعود الصين في المنطقة وتأثير ذلك على الوضع الجيوسياسي في آسيا. وبعد ذلك ستنتقل إلى إندونيسيا حيث ستعقد الوزيرة الأميركية مشاورات ثلاثية بين اليابان وكوريا الجنوبية من جهة وبينها وبين اليابان وأستراليا من جهة أخرى. والحقيقة أن هذا التحرك الدبلوماسي الأميركي صوب آسيا يأتي بعد إدراك إدارة أوباما لأهمية اليابان والهند كونهما أحد الدعائم الأساسية للاستراتيجية الأميركية في المنطقة والرامية إلى التعاون السلمي مع الصين الصاعدة وضمان عدم انحراف العلاقات مع العملاق الناشئ في آسيا أو خلق أسباب التوتر والاحتقان في منطقة تتعدد فيها المصالح ويشتد فيها التنافس بين الفاعلين الأساسيين. ومع أن الهند واليابان ما فتئا يبديان رغبة أكيدة في التقارب مع الولايات المتحدة بسبب تخوفهما من المسار الذي تسلكه الصين بعدما تحولت إلى قوة اقتصادية كبرى على الصعيد العالمي، تبقى علاقة أميركا مع البلدين غير مكتملة وينقصها الكثير. فالتحالف الأميركي مع اليابان التي تعتبر إحدى الركائز الأساسية للتواجد الأميركي في المحيط الهادي لما يقرب الستة عقود تعرض لاهتزازات متوالية بسبب السياسة الداخلية في اليابان والكوارث الطبيعية. وفي هذا الإطار تمكنت إدارة أوباما من التعايش مع فوز الحزب الشعبوي "الحزب الديمقراطي الياباني" في انتخابات العام 2009، وهو الحزب المعروف بمطالب فك الارتباط مع الولايات المتحدة وعدم التجديد لقواعدها العسكرية في اليابان التي تثير جدلاً كبيراً في أوساط الرأي العام، لكن سرعان ما ارتفعت شعبية أميركا في اليابان بعد كارثة الزلزال، حيث هبت أطقم الإغاثة الأميركية إلى مساعدة السكان والتخفيف من معاناتهم بعد التسونامي المدمر الذي اجتاح السواحل اليابانية في شهر مارس الماضي وخلف العديد من الضحايا والخسائر المادية. ومع ذلك ورغم الارتفاع الطفيف لشعبية أميركا في اليابان تبقى خيبة الأمل العنوان الأبرز في العلاقات الثنائية بين البلدين بسبب جمود النظام السياسي، الذي لم ينتج سوى الإحباط، فقد فشلت طوكيو في الوفاء بتعهداتها السابقة لواشنطن فيما يتعلق بالقواعد الأميركية بجزيرة أوكينانوا وإعادة توزيعها وطي صفحة الخلافات المستفزة للرأي العام الياباني، الذي يبدو أنه لم يعد راغباً في تواجد قواعد عسكرية في مناطق مأهولة قريبة من المراكز السكانية الكبيرة بالنظر إلى أخطاء وقعت في السابق ساهمت في تأجيج استياء المواطن الياباني، هذا بالإضافة إلى عدم التقدم في مسار إقرار اتفاقيات التجارة الحرة وتباطؤ اليابان في هذا الخصوص. وعلى ضوء ما سبق يمكن القول إنه كلما أثير موضوع اليابان مع المسؤولين الأميركيين لا يخفون تأففهم من الجمود والتردد اللذين يميزان موقف السياسيين في طوكيو، الأمر الذي يعرقل إحراز تقدم ملموس في العديد من القضايا العالقة بين البلدين، مكرساً المزيد من الجمود، والمؤسف أن الأمر لا يقف عند اليابان، بل يتعداها إلى الهند التي تشعر أميركا أيضاً تجاهها بدرجة كبيرة من الخيبة والإحباط، فرغم التقارب الكبير الذي ميز العلاقة بين إدارة بوش ونيودلهي التي ترجمت بالتوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون كان أهمها إقرار اتفاقية التعاون النووي في المجال السلمي وموافقة الكونجرس الأميركي على مد الهند بأحدث التكنولوجيا النووية لتطوير مفاعلاتها وتأهيلها لإنتاج الكهرباء وتلبية احتياجاتها المتنامية من الطاقة، يظل حجم ما تحقق من كل ذلك متواضعاً. ولم تستطع إدارة أوباما بالنظر إلى العراقيل الهندية الداخلية تحريك الملفات العالقة، أو تحقيق اختراق جوهري في العلاقات، بل شهد التعاون الاقتصادي سلسلة من الانتكاسات عندما عارضت الهند بعد سنتين على مجيء أوباما إلى البيت الأبيض مقترحات إدارته حول التغير المناخي ومحاولات أخرى للانفتاح التجاري. هذا في الوقت الذي يشهد فيه التعاون النووي تعثراً ملحوظاً بعد رفض الهند تشريع قانون المسؤولية الذي تحتاجه الشركات الأميركية للعمل بحرية ولتطوير الصناعة النووية الهندية، بالإضافة إلى مقاومة الهند حتى اللحظة للإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها وتوددها للطغمة العسكرية الحاكمة في بورما بسبب صفقات الأسلحة والغاز المغرية مع النظام العسكري الحاكم. والأكثر من ذلك رفض الهند لصفقة الطائرات الحربية الأميركية عندما وقعت على أكبر صفقة تسلح في تاريخها همشت فيها الشركات الأميركية على حساب منافسين دوليين؛ ونتيجة لذلك تتردد في واشنطن على نطاق واسع مقولة مفادها إن بوش أخطأ بتسويق علاقات متميزة مع الهند لم تحمل في الحقيقة المكاسب التي روج لها، لكن ذلك لا يعفي إدارة أوباما من المسؤولية التي عليها مراجعة العلاقة بين البلدين لما يمثلانه من أهمية استراتيجية بالنسبة للمصالح الأميركية والبحث عن الخلل الذي طبع علاقاتنا مع حليفين مهمين في القارة الآسيوية. وهنا لا يمكن استبعاد العوامل الداخلية في كل من البلدين، فاليابان تنتقل من تحالف حكومي هش وغير مستقر إلى آخر، مع احتمال استمرار ذلك في حال تنحي رئيس الوزراء "ناوتو كان" في أغسطس المقبل كما هو متوقع، ورغم تخلي الحزب "الديمقراطي الياباني" عن معظم سياسته الشعبوية المنتقدة لواشنطن بسبب التخوف الياباني من الصين، لم تظهر إدارة أوباما من ناحيتها ما يكفي من الحماس لوضع أجندة التعاون الأمني مع طوكيو. وفي هذا السياق يتعين على البلدين الدخول في حوار جاد لإعادة تأهيل الجيوش والمعدات العسكرية لمواجهة المحاولات الصينية لتحديث جيشها وتجهيزه بأحد الأسلحة والمعدات، وبدلا من خفض مستوى الحوار إلى لجان متدنية بين البلدين تفتقد للصلاحيات الفعلية يتعين إعادة التنسيق على المستوى الوزاري على غرار الحوار الأميركي الصيني، الذي يشارك فيه أغلب الوزراء في إدارة أوباما. أما على الصعيد الهندي، فإن الوضع لا يختلف كثيراً، حيث يواجه حزب المؤتمر الوطني الحاكم فضائح مالية متتالية كما أن الصراعات الداخلية أدت إلى تراجع شعبيته في الشارع الهندي، والمشكلة أن الساحة السياسية المتشرذمة في الهند والناجمة عن تعدد الأحزاب وكثرها يعقد مهمة الحكم بالنسبة لجميع الائتلافات الحكومية التي تبقى مرتهنة بالأحزاب الصغرى والمحلية ذات الأجندات المختلفة، يضاف إلى ذلك انزعاج الهنود من الانشغال الأميركي بالصين والحرب في أفغانستان، ناهيك عن التعاون الأميركي- الباكستاني في المجال الأمني والاقتصادي الذي لا يروق كثيرًا للمسؤولين في نيودلهي. هذا ولا تخفي الهند قلقها من السياسة الأميركية في أفغانستان القائمة على تسريع سحب قواتها لما قد يخلفه ذلك من فراغ أمني وتعاظم نفوذ الجماعات الإرهابية وتأثيرها السلبي على الأمن والاستقرار في الهند. لكن رغم هذا الجمود الظاهر في العلاقات الأميركية بالبلدين هناك بعض المؤشرات الإيجابية، ففي اليابان بدأ يتشكل جيل جديد من السياسيين ورجال الأعمال الحريصين على كسر الأنماط التقليدية وصياغة استراتيجيات اقتصادية وأمنية أكثر دينامية، كما أنه في الهند وبعد عقود من انعدام الثقة في الولايات المتحدة شرع قادتها في رسم ملامح جديدة للشراكة تسهل صعود الهند كقوة جيوسياسية في آسيا. والأهم من ذلك أن الهند واليابان معاً يريدان تعزيز القيادة الأميركية وليس تقويضها سواء في آسيا أو العالم لتبقى المشكلة في الرسائل الأميركية الملتبسة التي تصل البلدين واتساع الحديث عن انكفاء أميركي وشيك يغذي مخاوفهما ويدفعها إلى رسم استراتيجيات منفردة تعتمد على الذات بدل السير في طريق التعاون وهو ما يتعين على السياسيين في واشنطن العمل على تغييره. مايكل جرين مدير الشؤون الآسيوية في مجلس الأمن القومي الأميركي بين 2004 و2005 دانيال توينينج باحث بارز متخصص في الشؤون الآسيوية بصندوق مارشال بالولايات المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©