الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النقد.. الحلقة الأضعف في التشكيل الإماراتي

النقد.. الحلقة الأضعف في التشكيل الإماراتي
7 أغسطس 2014 13:59
* مستوى التذوق الفني يرتقي والإقبال الجماهيري يزداد والنقد الفني ما زال متراجعاً * عدد طلبة كلية الشارقة للفنون ارتفع من 6 إلى 250 منتسباً خلال عشر سنوات * مشروع السعديات في أبوظبي قفزة نوعية وتحول فاصل للفن التشكيلي في الإمارات ------- يتجلى وضع الفن التشكيلي، وهو من أكثر وسائل التعبير الإنساني عمقاً وصعوبةً في الفهم، في أي مجتمع من المجتمعات، عبر عدة مؤشرات يأتي في أولها الدعم الحكومي له، الأعمال الفنية المقدمة، كماً ونوعاً بعلاقتها مع عدد الفنانين وتنوع مذاهبهم ورؤاهم، وبعلاقتها كذلك مع أماكن العرض وتفاعل الجمهور بشرائحه الاجتماعية المختلفة مع مكوناتها وطريقة فهمهم لها وتعاطيهم معها. فضلاً عن الانفتاح الثقافي والفكري في هذا المجتمع على أنماط الفن التشكيلي في كل العالم، بدءاً من العصور القديمة وانتهاءً بالعصر الحالي. واليوم، يبدو أن هذا الفن قد شكّل في الإمارات، الدولة الحديثة العهد، حركةً فنية باتت تجذب الآخر لقراءتها وللبحث فيها. خاصةً مع وجود اهتمامٍ رسمي أدى إلى حدوث ثورة فنية أو تحوّل فاصل في منهجها واستمراريتها، حسب تعبير كثير من الفنانين والمهتمين من الإماراتيين وغير الإماراتيين. ------- في تناولنا الفن التشكيلي الإماراتي، لا نستطيع أن نفصل تأثره بالتنوع الثقافي الذي تعيشه الدولة، متطرقين شئنا أم أبينا، إلى الحالة التشكيلية العامة، والتي أثرت بصمات الجنسيات المختلفة في شكلها ومضمونها. لكننا في الوقت نفسه، نحاول أن نتلمّس ملامحه من خلال لقائنا مجموعة من أهل الاختصاص، أن نحصر ميزاته ومراحله ونحدّد مكانه في هذا المجتمع، مع الإضاءة على دعم الدولة للفنانين المحليين ولحركة الفن التشكيلي على أراضيها عموماً. يؤكد الفنان الإماراتي هشام المظلوم مدير إدارة الفنون في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، أن الحراك الفني التشكيلي في دولة الإمارات، ظهر مع بداية التأسيس في الجانب التعليمي، ومع بداية تأسيس المؤسسات الرسمية مثل دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة، حيث كانت هذه الهيئات الحكومية بمثابة إشهار للدعم في المجال الثقافي. لتباشر بعدها المؤسسات المتخصصة في مجال الفنون أعمالها وخططها الفكرية، ومنها متحف الشارقة للفنون، كلية الشارقة للفنون، مراكز الفنون المنتشرة في كل أنحاء الدولة. تلاها مرحلة الموافقة على إنشاء جمعيات أهلية تعنى بالفن التشكيلي، وانطلاق مشاريع فنية دولية من أرض الإمارات، مثل: بينالي الشارقة ومعرض الشارقة للخط العربي. ويتفق الفنان التشكيلي الإماراتي علي العبدان مع المظلوم في حديثه عن الدعم الحكومي للفنون التشكيلية، فيقول: "ما رأيته في السنوات العشر الأخيرة، جعلني أقول إن الدولة هي الداعم الأكبر لمسيرة الفن التشكيلي في بلدنا. فقبل أكثر من 4 سنوات تقريباً، بدأت وزارة الخارجية، وبتوجيهات من سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، باقتناء أعمال فنية من فنانين إماراتيين، كما صارت سفارات الدولة في كل العالم تهتم بعرض نتاجاتنا، بالإضافة إلى المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة والتي تنتهي دائماً باقتناء كثير من الأعمال التي تعرض في هذه المعارض، إذ أن شراء عمل الفنان يشجعه على المثابرة ومزيد من الإنتاجية. ولا ننسى إيجابيات ثورة المتاحف، وحضورنا المستمر في ورشات العمل والمحاضرات، وتخصيص ميزانية محددة لدعم مشاريع الفن التشكيلي في مؤسسة الإمارات التابعة لحكومة أبوظبي، وجهود بينالي الشارقة للخط العربي، ودعمنا من قبل مجلس الإمارات للتنافسية، وغيرها من المشاريع والإيجابيات". السعديات. . تحوّل نوعي ومع مرور الوقت، خضع الفن التشكيلي في الإمارات إلى تحولاتٍ جذرية بالتزامن، مع ما تخضع له الدولة من تطورات وانفتاح على العالم، وذلك بسبب تطور منهجية الدعم. الشيء الذي تجسّد في المذاهب الفنية الموجودة على الساحة الثقافية العامة، وفي ازدياد واضح وكبير في أعداد الفنانين من جهة وفي نسبة الإقبال الجماهيري من جهةٍ أخرى. ويؤكد الكاتب ورسام الكاريكاتير الإماراتي خالد الجابري أن ثمة دعما رسميا للفن التشكيلي في البلد، تمثله بعض الجهات الحكومية مثل وزارة الثقافة وهيئة أبوظبي للسياحة والتراث ومجموعة أبوظبي للفنون والموسيقى وغيرها من الجهات والمؤسسات المهتمة. مع الإشارة إلى أن الدعم قد اختلف وتطور في السنوات الأخيرة مع إنشاء المعارض التي تستقطب الفنانين العالميين والتي تسهم في إثراء الفنانين المحليين من خلال احتكاكهم بالفن العالمي. مبيناً ظهور أسماء كثيرة مؤخراً، ويقول: «من نظرتي المتواضعة (لأني فنان كاريكاتير وأحتك بالمجتمع كثيراً) أستطيع تمييز الوضع الحالي عن السابق عندما كنا لا نسمع عن الفن التشكيلي إلا من أسماء مكررة في الصحف اليومية». لكنّه يعلّق قائلاً: "صراحة أرى من وجهة نظري أن معظم الأسماء الحديثة العهد، قد أظهرتها وسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما أظهرتها المؤسسات الحكومية. لكن دور وسائل التواصل الاجتماعي يتوقف عند الجانب التسويقي فقط ولا يساهم في تفعيل الجانب التدريبي أو الاحترافي". بدوره يرى الفنان التشكيلي الإماراتي جلال لقمان، أنه يبدو للجميع اليوم ما طرأ على الفن التشكيلي من تطور ملحوظ في دولة الإمارات، بدءاً من العام 2006 وحتى اللحظة، فقد أخذ اتجاهاً مختلفاً بعد ما كان يمشي للأمام ضمن وتيرة واحدة، ويمكننا تقصي أهم أسباب هذا التطوّر، من خلال تحويل جزيرة السعديات إلى منارة ثقافية عالمية، نوّعت بطبيعة الأعمال وبكميتها، سواء بين الفنانين الإماراتيين، أو غير الإماراتيين، العرب منهم والأجانب. في ذات الخصوص تبيّن الفنانة التشكيلية الإماراتية فايزة مبارك، ومن خلال رحلتها الفنية داخل وخارج الإمارات، أن الفترة ما بين العام 2003 وحتى اللحظة، قد شهدت انفتاحاً ثقافياً واسع المدى، ألقى بظلاله بشكلٍ خاص على الفن التشكيلي، الذي شهد تحديداً ما يمكننا أن نطلق عليه اسم "ثورة المتاحف"، حيث باتت منارة السعديات بأبوظبي وقد استقبلت على أرضها "اللوفر" و"جوجنهايم" قبلة ثقافية تستقطب رموز الفن والإبداع من الخليج والوطن العربي والعالم. وتقول: "نحن كفنانين تشكيليين إماراتيين تأثرناً جداً بهذه الظاهرة إيجابياً، اطلعنا على تجارب الآخرين وقمنا بعرض أعمالنا أمامهم، بالإضافة إلى فتح المجال أمامنا للإبداع والعمل". وتضيف: "هذا التوجه الجاد نحو جعل الفنون تحتل مكانة مميزة في بلادنا، أثمر على صعيد نوعية الأعمال المقدمة، في الوقت الذي أثمر فيه أيضاً على صعيد الكم، إذ أن الانفتاح على الآخر، وتراكم التجارب، عزّز لدينا إمكانية القراءة الموضوعية لكل عمل على حده، فالآن جودة العمل وتمكّن الفنان منه باستخدام الخامة واللون والفكرة، هي أدوات تميّز الفن الحقيقي عن ذلك الذي يهدف فقط إلى الترويج أو مجرد الشهرة أو إلى أي شيء آخر". أيضاً يشير الفنان التشكيلي الإماراتي محمد المزروعي، إلى تشكل أرضية جيدة جداً، أسهمت في توطيد الفن التشكيلي كثقافة ضرورية لتنمية المجتمع، وفي زيادة عدد الفنانين والفنانات، حيث بدأ الشباب الإماراتي ينجذب إلى دراسة الفنون التشكيلية كوسيلة للتعبير عن أنفسهم، تماماً مثلما كانوا ينجذبون نحو دراسة "البزنس"، بالإضافة إلى أنّ التطور الهائل الذي لحق بوسائل الميديا، قد سهّل من وجود فن التصوير الفوتوغرافي اجتماعياً وإبداعياً وذلك مع الطفرة التي ظهرت مؤخراً، متمثلةً بكثرة الجامعات والأكاديميات، سواء تلك المتخصصة بالفنون أم لا، وبما أنجزته منارة السعديات بأبوظبي على الساحة الثقافية، فضلاً عن (Art Dubai) و (Abudhabi Art) وزيادة عدد الجاليريهات التي فتحت مؤخراً. ومن الجيل الفني الصاعد، تظهر الفنانة الإماراتية الشابة سمية العمودي، لتقول: "أنا كفنانة إماراتية شابة أعترف أن الحكومة في دولة الإمارات، ومن خلال الهيئات والمؤسسات الثقافية والفنية المعنية، تقف مع الفنان الشاب ومع الفنانين التشكيليين بالعموم، وتوفر لهم كل ما يلزم من دعم مادي ومعنوي، وتقيم المعارض والمحاضرات والورش الإبداعية في كل مناسبة مهما كانت. وإذا ما بحثنا اليوم في الكليات والأكاديميات داخل الدولة، نكتشف وجود تخصصات في مجال الإبداع الفني التشكيلي لم تكن موجودة من قبل. حيث المحاولة دائمة ومتواصلة نحو تأسيس جيل واعٍ يأخذ الفنون على أنها علم له نظرياته المختلفة على مر العصور والتي ينبغي فهمها ودراستها. وربما هذا هو السبب وراء انتشار الفن التشكيلي بين شرائح متنوعة من المجتمع المحلي، فعند دخولك إلى أي معرض ولأي فنان، محلي أو أجنبي، تستطيع أن تجد العديد من الوجوه الجديدة التي لم تكن تتذوق هذا النوع الإبداعي قبل سنوات، وخاصةً بين أوساط الشباب". الحضور المجتمعي من الطبيعي أن تتغير علاقة أفراد المجتمع بالفن التشكيلي، إيجابياً، في ظل التغييرات والتطورات التي يخضع لها الآن. ويمكن معرفة هذه التغييرات الإيجابية كما يبيّن الفنان والإداري هشام المظلوم، من نسبة الحضور والانتساب إلى الأكاديميات المتخصصة به. ويقول: "مقارنةً مع العمر الزمني للدولة، وكمجتمع عدده قليل نظراً لحجم التنوع الذي يحتويه، يمكننا القول إن النسبة في تزايدٍ ملحوظ عاماً بعد عام حسب التقارير السنوية التي بين أيدينا. مثلاً في الدورة الأولى كان عدد المنتسبين إلى كلية الشارقة للفنون هو 6 منتسبين لا غير، في حين هم اليوم وبعد مرور 10 سنوات تقريباً، حوالي الـ 250 طالباً، يوجد مثلهم تقريباً على قائمة الانتظار. بالإضافة إلى التزايد الكبير في إقبال الجمهور على الفعاليات والمعارض الفنية". وتوضح الفنانة فايزة مبارك: "في الوقت الراهن حتى الذي لا يملك أية ثقافة فنية، صار من المتوقع أن نجده في أروقة ومعارض الفن التشكيلي هنا وهناك. والسبب يرجع إلى ذاك الفضول الذي نما مع نشأة المتاحف، حيث إن كل متحف لديه اسم كبير عالمياً الشيء الذي أدركته قيادتنا وعملت على تحقيقه كصرح ثقافي فني. فضلاً عن أن جمالية المبنى تشدّ وتجذب أبناء المجتمع، وهي خطوة أولى في طريق التذوق الفني، فيوماً بعد يوم ستندثر كل الفقاعات الفنية الزائفة وسنجد أنفسنا أمام وعي نقدي بدأت ملامحه بالتشكل قبل سنوات قليلة، يعتمد في منهجه على دراسة تحليلية دقيقة للأعمال المعروضة". ويقول علي العبدان في مقاربته للفن التشكيلي في المجتمع: "لم يعد يوجد اليوم ما يسمى بنخبوية العمل الفني، النخبوية باتت موجودة فقط في لحظة الخلق والإبداع. وهذه نقطة إيجابية فعلاً، كونها تعني أن الفن التشكيلي هنا بدأ يصل إلى الناس، أيضاً فالنقاد وبتفسيرهم وشرحهم للعمل، إنما يكسرون الحاجز بينه وبين المتلقي، إلى جانب الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي وموقع اليوتيوب في تقريب وانتشار هذا النوع الفني. إلا أنه وكما هو بديهي لدى الجميع، مهما وصل وانتشر، فإنه لن يضاهي فن الشعر، كون الأخير يرتبط بموروثنا الثقافي والعاطفي نحن العرب". يقترب جلال لقمان من الفكرة السابقة، أثناء توصيفه للعلاقة القائمة حالياً بين الفن التشكيلي في الإمارات، وبين الشرائح الاجتماعية المختلفة التي يضمها المجتمع، إذ يقول: "الفن التشكيلي في الإمارات اليوم، لم يصل إلى كل الشرائح الاجتماعية، كما أنه لم يبقَ حبيس نخبة محددة. وهذه الحالة ليست خاصة بدولتنا بل هي موجودة كل دول العالم، دائماً ثمة من يحب الفن ويفهمه، وثمة من لا يستسيغه ولا يعيره أية أهمية. وكنسبة تقريبية أقول إنه قبل العام 2006 كانت نسبة المتذوقين والمهتمين بالفن في المجتمع الإماراتي تصل إلى حوالي 10 %، بينما هم الآن يشكلون حوالي 35 %. ونذكر عند نقطة التزايد الإيجابي، جهود قيادتنا في هذا المجال، والتي قررت أن تضع الفن التشكيلي تحت دائرة الضوء، ما استدعى وجود التخصصات الفنية في الجامعات والكليات داخل الدولة، وكثرة المعارض والفعاليات والمهرجانات المعنية بتفعيل الثقافة والفنون". تعليم الفن وفي حديثنا عن الإيجابيات وزيادة الإقبال، تلعب الهيئات الحكومية وفي مقدمتها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، دوراً هاماً في تعليم الفن وتذوقه. حيث تشرح لنا سوسن خميس مديرة المرسم الحر في الهيئة، كيف بات الناس معهم يتقبلون فكرة النحت كفن راقٍ، بينما كانوا قبل سنوات يرفضونه رفضاً قاطعاً، أيضاً يمكننا ملاحظة كيف صار الذكور يشاركون في صفوف تعليم تصميم الأزياء والمجوهرات. كما تؤكّد أنّ أبوظبي في السنتين الأخيرتين ارتقت بالمستوى الفني بشكلٍ مثير للانتباه، الشيء الذي ساعد على تنميته إنشاء المتاحف في منارة السعديات. مبينةً أنّ المنهج الذي يتبعونه في المرسم الحر يسهم في تفعيل الفن التشكيلي وبلورة الحركة الفنية والثقافية داخل المجتمع الإماراتي، وإلا لما كانوا قد استمروا حتى اليوم، فهي مثلاً أتمت الـ 25 سنة في عملها. ما يؤكّد أن هذا المكان أصبحت له بصمته المميزة والواضحة في إمارة أبوظبي. . وتضيف: "في المرسم نحن نقدم كل شيء يخصّ الفنون، للراغبين والمشتركين معنا، مثل الرسم، تعليم الخط، التصوير، تصميم الأزياء والمجوهرات وغيرها من الفن الملموس. ونختار من تتراوح أعمارهم بين 12 عاماً وما فوق، لأنّ كل ما نعلّمه يحتاج إلى التفكير والإتقان والوقت، فالطفل الصغير لا يستطيع أن يضبط نفسه لإنهاء عملٍ ما مثلما يضبطها الكبير". لكن ومثلما توجد الإيجابيات، من المتوقع أن نواجه السلبيات والمعوقات في أي حركة تتخذ من التطور منهجاً لها، وتنفتح على الآخر من خلال لقاء واستحضار التجارب العالمية، إلا أن الفنانة فايزة المبارك ترى عدم وجود سلبيات بمعنى السلبيات يمكننا أن نشير إليها بينما نحن نقيّم وضع الفن التشكيلي في مجتمعنا، فكل ما نحتاج إليه حسب وجهة نظرها، هو الوقت، ليصبح هذا النوع من الإبداع ثقافةً لدى كل عائلة وكل فرد. قائلةً: "بفضل شيوخنا ها هي الإمارات تصبح مركزاً ثقافياً عالمياً يقصدها العرب والأجانب، لعيش التجارب الفنية والاطلاع على نتاجات الثقافات المختلفة". بينما يقول الفنان جلال لقمان: "قد يكون للانفتاح على الفن العالمي، تأثير إيجابي، مثلاً، بدلاً من تواجد حوالي 30 فناناً على الساحة، صار يتواجد فنانون بالمئات، لكن ثمة سلبيات حقيقية لهذا التطور، يأتي في بدايتها تفضيل الفنان غير الإماراتي على الفنان الإماراتي". وبيّن الفنان محمد المزروعي: "إننا وإذ نعترف بكثرة الفنانين الجدد كظاهرة إيجابية، إنما نضع أيدينا في الوقت نفسه على مشكلة نوعية الأعمال المقدمة. حيث أصبح واضحاً للجميع أن الفنان المستجد ـ ونحن هنا لا نطلق تعميماً ـ يستسهل العمل في مجال التعبير البصري الذي هو أساساً يتميز بسهولته، وذلك بسبب عدم قراءته للنظرية الفنية والنقدية، وعدم قراءته للفنون الإنسانية عموماً، من قصة ورواية وشعر. فتأتي تجربته ضحلة وقصيرة، أعماله ليست بالجدية المطلوبة، وسرعان ما يتوقف عن الإنجاز، وهذه أزمة حقيقية لا بد من الوقوف عندها". وفي إطار رؤيته الخاصة، يتطرق الفنان علي العبدان إلى مسألة معاصرة، أضحت إشكالية بالغة الأهمية في الفن التشكيلي المعاصر، ألا وهي ما بات يسمى بظاهرة الفن السياحي، والتي صرنا نلمحها بعض الشيء في دولة الإمارات، فيشرح قائلاً: "في الفن التشكيلي يوجد الواقع وتوجد النظرية، والفن الحقيقي هو ما يطرحه الفنان للتعبير عن فكره ومذهبه، وبالتالي كل لوحة هي اقتراح جمالي. لكن الأمور في الوقت الحالي وعلى أرض الواقع، قد اختلطت قليلاً، لذا لا يمكننا النظر إلى مفهوم الفن السياحي، باعتباره فنا تجاريا لا يحمل مضموناً أو قيمةً، فالعمل هو من يحدد القيمة بغض النظر عن مكان عرضه. وهنا أتكلم عن تحويل ممرات المترو في دبي إلى صالات عروض فنية، الشيء الذي أدى إلى منح الناس بمختلف شرائحهم فرصة معايشة الفنون والاقتراب منها، وهو ما يمكن أن تجده في صالات المطارات في أوروبا. وربما تجربة الفنان الإماراتي عبد القادر الريس في محاولته توثيق التراث الإماراتي ومنحه وظيفة يومية تناسب العصر، هو خير مثال على كلامنا. أيضاً إن لوحات الفنان محمد إبراهيم قصاب، التجريدية والمتميزة، جعلت الفنادق يطلبونها لما لها من قيمة جمالية. وخلاصة القول إن الفن السياحي وإن كانت غايته إيجابية لتحقيق نمو فني اجتماعي، لا ينقص من قيمته شيء، وكما ذكرت سابقاً، نوعي العمل هي التي تحدد جودته". ضعف نقدي على الضفة الأخرى من التطور الملموس الذي يشهده الفن التشكيلي في الإمارات، ثمة تردٍ نقدي لمجمل الحركة الفنية المرافقة، فحتى اللحظة، لم يحدث وأن تشكلت حركة نقدية موضوعية، تستطيع أن تتناول الأعمال الفنية بطريقة منهجية أكاديمية، فظلت حبيسة الانطباعية في الكتابة، الشيء الذي يؤكده الفنان محمد المزروعي في قوله:"الوعي النقدي في المجتمع الإماراتي، وبما يخصّ العملية التشكيلية، يتسم بأنه نقد تعيس جداً، يعتمد على الانطباعية المرهونة دائماً بشخصين: الصحفي غير المتخصص، والشخص المهتم بالثقافة العامة والذي أراد أن يبدي إعجابه بفنان ما لسبب ما، وهنا نغرق في المديح. ما نحتاج إليه اليوم وجود أقلام موضوعية تستطيع أن ترصد أي عمل فني بطريقة منهجية تستند على نظريات ودراسات طويلة في الفن التشكيلي". كذلك للفنان علي العبدان باعٌ طويل في إشكالية النقد، لما له تجاهها من رأيٍ نقدي يبيّن سلبياتها ومواطن ضعفها، وتراه يبدأ معنا الحديث عنها، بدءاً من بدايات الحركة التشكيلية في الإمارات، عندما كانت احتفاءً بإنتاج الأعمال البصرية منها الخزف والخط العربي والرسم، وكان الناس في ذلك الحين، يهتمون برؤية الفنون وجهاً لوجه، مشيراً إلى أنه ومع تطور هذه الحركة عاماً بعد عام، ومع تبلور تجربة الفنانين الإماراتيين، وجد كتاب يكتبون عن الفن الغربي، إلا أن التصدي للتجارب المحلية ظل خجولاً خوفاً من حدوث حساسيات بين الكاتب والفنان وهكذا. يذكر هنا ما قام به الفنان حسن الشريف الذي لطالما عرف بميله نحو المفاهيمية، عندما صار يكتب بجدية كبيرة يفسّر بها أعماله، ما جعل البعض ينهجون نهجه". وبالعموم يقول: "الحركة النقدية في الإمارات تحتاج إلى استقراء أفضل، مع ضرورة عدم إلغاء المحاولات النقدية الحالية. ونواجه كذلك في النقد التشكيلي من يكتب عن الأعمال الفنية بطريقة شاعرية تغدو في أوقاتٍ كثيرة أعمق وأكبر من اللوحة بحد ذاتها. وتسمى هذه الطريقة بالقراءة الانطباعية الهادفة إلى تجميل المنتج الفني، والتي تضفي على النقد كلمات لطيفة تغيّر مساره والهدف منه. إلا أننا بحاجة ماسة إلى وجود نقد يقوم على معايير القياس والنوعية والأسلوب والخامات وأن نبيّن الغاية منه، لا مجرد اصطفاف كلمات توصيفية. لكن تبقى مشكلة اللغة العربية بارزة في هذا الخصوص، حيث إنها ليست لغة النقد التشكيلي، ما سيضطرنا إلى الاستعانة ببعض المفردات من كتب ترجمت بعض النظريات المتخصصة". الفن في المدارس العلاقة مع الأطفال وجيل الناشئة فيما يخص الفن، علاقة هامة لأنهم أولاً وأخيراً، سيشكلون بوعيهم وعلمهم مستقبل الحركة التشكيلية الفنية في الإمارات. لكننا لا نستطيع أن ننكر ضعف هذه العلاقة في مجتمعاتنا العربية عموماً، كونها ترتبط بشكلٍ وثيق ورئيسي بالطبيعة الدراسية للمدارس، الحكومية منها والخاصة، والتي تنال المواد الفنية في مناهجها أهمية أقل بكثير من بقية المواد المسماة بالأساسية. عند هذه النقطة، تفيدنا الفنانة المصرية شيري موريس، مدرّسة الفن في مدرسة (Abc ) الابتدائية بأبوظبي، والتي أوضحت لنا أن الفن لا يأخذ حقه بالتدريس والتعليم في كثير من المدارس هنا، فللأسف نحن كعرب لا نملك الثقافة الفنية الكافية لنعتبره مادةً أساسية يجب استيعابها والتمكن منها، مثلها مثل العلوم والرياضات. حتى من خلال تجربتها في المجمع الثقافي بأبوظبي، حيث قامت بالتدريس هناك مدة سنتين، كان الطلبة الذين يأخذون الأمر على محمل الجد، هم أبناء لأمهات أجنبيات. مشيرةً إلى أن الإماراتيين يشكلون الشريحة الأكثر اهتماماً ورغبةً بتعلّم الفن بين الجنسيات العربية. وتبيّن: "نحن في المجتمع الإماراتي نحتاج إلى اهتمام من الأهل بالفن ليتمكن الطالب من التعلق به ومعرفته بشكلٍ جيّد. وبالتالي لترسيخ الوعي بالفن التشكيلي. إلا أن مسألة غلاء أسعار الخامات المستخدمة تقف عائقاً في كثير من الأحيان بوجه تعلّمه. مع التأكيد على أن الطالب الموهوب إن وجد من يعلّمه ويهتم به سواء في البيت أو في المدرسة سيبرز كفنان حقيقي ومهم في المستقبل القريب. أضف لذلك مسألة تعيين خريجي كليات الفنون الجميلة، للتدريس دون خضوعهم للإعداد التربوي. فامتلاك الحس الفني والقدرة على الإبداع، لا ينفعان بشيء من دون تعلّم الممارسة وكيفية تعليم الفن للآخرين، سواء من الكبار أو الصغار". وعن تجربتها الخاصة تقول: "أنا شخصياً أهتم بتعليم الطلاب ثقافات متنوعة باستخدام الفنون، منها الرسم على الورق وعلى القماش وعلى الزجاج وصناعة الورق. أقوم باستحضار أي عصر من العصور مثل عصر النهضة وأقرب لهم مزاياه الفنية وشخصياته باللجوء إلى بعض الشخصيات الكرتونية. بالإضافة إلى تعليمهم رسم الكاريكاتير وكيفية سرد القصص في رسوماتهم. ودائماً أحاول ألا أتقيد بمنهج الوزارة، رغبةً مني بإعطاء الطالب معرفة وخبرة أوسع مما هو محدد".
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©