الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

غزة.. محن متجددة وأهوال كبيرة

9 أغسطس 2006 01:25
غزة ـ محمد أبو عبده: ما إن يدخل المواطن الغزاوي محمد حداد محله الذي يبيع فيه حتى تصدمه رائحة عفنة ناتجة عن اللحم الفاسد تنبعث من الثلاجة، التي انقطع التيار الكهربائي عنها لساعات طويلة ،وفي محاولاته المستميتة لحفظ بضاعته من اللحم، كان الجزار حداد يعتمد في أحيان كثيرة على نقل اللحوم التي يبيعها من محله إلى منزله والعكس، وذلك حسب توفر الكهرباء، والآن لم يعد يمكنه التغلّب على شحّ الطاقة لأنها لم تعد متوفرة في أي مكان· وحالة المواطن حداد هذه ليست وحيدة، بل هي واحدة من الحالات الكثيرة التي خلفتها ولا تزال تخلفها الحرب الشرسة والمبرمجة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي طالت الحجر والشجر والبشر والقطاعات الصناعية والاقتصادية والزراعية· من ناحية أخرى، فإن انقطاع التيار الكهربائي عن القطاع، بعد أن قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية محطة توليد الكهرباء الوحيدة، سبّب مشاكل عدة وأوقع خسائر فادحة، ما أدى إلى قطع أرزاق عائلات كثيرة، كانت تعتمد بالدرجة الأولى في عملها على الكهرباء· وما يزيد الأمر سوءاً ويعقد الوضع فوق تعقيده، الضغط الذي فرضه وقف المساعدات الدولية والمرتبات للفلسطينيين منذ شهر آذار- مارس الماضي، عندما تولت حركة ''حماس'' الحكومة عقب فوزها بالانتخابات التشريعية· بين الفينة والأخرى، يستيقظ السكان من نومهم على وقع انفجارات القنابل الصوتية أحياناً والقاتلة أحياناً أخرى، فإسرائيل تواصل استهداف مواقع عديدة سواء المدينة أو العسكرية أو الحكومية في غزة، وتدعي أنها لنشطاء ومسلّحين فلسطينيين، ولا تأبه لما يخلفه القصف من قتل للأطفال والنساء والشيوخ الذين لا ذنب لهم سوى أنهم تواجدوا في المكان والزمان· الأسرى ·· والأسير كما قطعت إسرائيل المواد التموينية والإمدادات التي تصل إلى الفلسطينيين عبر أراضيها، حيث أن المدينة تشهد نقصاً في المحروقات والغذاء، وقد حذّرت بعض وكالات الإغاثة العالمية من إمكانية حدوث أزمة إنسانية في حال استمرار الحصار· وتبرر إسرائيل هجومها على غزة، بأنه يهدف لإطلاق سراح الجندي المختطف، وتقول إنها ستوقف عملياتها العسكرية عندما يُطلق سراحه، وتتوقف القذائف الصاروخية التي تُطلق من شمالي غزة عليها· ويأمل أهل غزة أن تنتهي مشاكلهم وهمومهم الأخيرة المتجددة، إلا إن الكثير منهم يعتقد أن على إسرائيل أن تُطلق سراح أسرى فلسطينيين مقابل استرجاع الجندي الإسرائيلي، من خلال المزيد من المفاوضات، فتبادل الأسرى هو الحل الوحيد لهذه الأزمة''· ومن يتجول في قطاع غزة يشعر وكأن الناس في دوامة، بعضهم يبحث عن الوقود لسياراته أو لمولّد الكهرباء، والبعض الآخر يحاول توفير المياه التي انقطعت، والغالبية تتحرك دون وجهة معينة وكأن على رؤوسهم الطير··منهم مثلا عاطف تمراز (30 عاماً)، الذي تملك أسرته محطتي وقود وتزوّد ثلاثين محطة بالوقود، يجلس الآن في مكتبه الخالي، بينما يشير أحد العاملين للسيارات بعدم دخول المحطة، ملوّحاً لهم بيده بما يعني أنه ''لا يوجد وقود''· ويقول تمراز في محاولة للرد على الناس الذي ساءهم عدم وجود وقود: ''يعتقدون أننا نخزّن الوقود، أو نخفيه، إلا أنه في معظم الأيام لا يتوفر لدينا وقود ولا حتى للمستشفيات''· ويحاول العديد من المواطنين أن يكيفوا حياتهم اليومية مع مجريات الأحداث إلا أن ما يحدث أكبر من قدرة المواطنين على تجاوز تلك الأزمات، نظراً للتهديد المتواصل الذي يلوح دائماً ويهدد بحدوث عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة· وفي شمال قطاع غزة وتحديداً في بيت حانون المنكوبة المحاذية للحدود مع دولة الاحتلال، تتساقط القذائف بكل أنواعها على المواطنين، فهم في قلق دائم من العمليات العسكرية المتواصلة، نظراً لأن معظم القذائف الصاروخية التي تستهدف إسرائيل تُطلق من مناطقهم· يقول زميل شلوف (27 عاماً)، الذي يقع منزله على بعد 100متر من الحدود: إن زوجته تركت المنزل مع ابنهما البالغ من العمر عاماً واحداً، وذهبت لتعيش عند أقارب لها، مخافة أن يحصل توغل عسكري كبير· وعلى الرغم من هول الأخطار التي من المتوقع أن تحدث، ورغم أن صاروخاً إسرائيلياً قتل شقيقه في منزله ولم يكن ناشطاً أو مسلحاً، إلا أن شلوف يُصّر على البقاء في بيته وبلدته، ويناشد محتجزي الجندي الإسرائيلي ألا يطلقوا سراحه حتى ينتزعوا الثمن من إسرائيل، فلا يعقل أن يطلق سراح الجندي من دون مقابل· السجن الكبير ومع استمرار الحصار والعدوان العسكري الإسرائيلي، تصاعدت وتيرة التحذيرات المحلية والدولية من حدوث كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة، جراء تواصل إغلاق المعابر الحدودية للقطاع وعزله عن العالم الخارجي بتحويله إلى سجن كبير يفتقد لأدني مقومات الحياة الطبيعية· وعدا عن عمليات القصف والاغتيال وتدمير البنى التحتية ضمن مخطط إرهابي ممنهج تنفذه سلطات الاحتلال منذ سنوات، تضاعفت معاناة مواطني القطاع المعيشية مع التحذير من نقص حاد في المواد الغذائية والتموينية واستمرار انقطاع التيار الكهربائي··هذه الحالة تضاف إلى تواصل معاناة المواطنين من استمرار قطع المساعدات الدولية، وتوقف الرواتب التي ضاعفت من أعبائهم وهم الذين يعانون في الأصل البطالة والفقر المتفشي على مدار سنوات الانتفاضة السابقة· والمتجول في أسواق غزة يلحظ بجلاء صعوبة الأوضاع المعيشة للمواطنين، حيث الركود الاقتصادي الرهيب وانخفاض معدلات الطلب بشكل دفع غالبية التجار وأصحاب المحال التجارية إلى إغلاق مصالحهم التجارية والاستسلام لواقع الفقر والبطالة· ويقول حمودة رزق الله ''32 عاماً'' صاحب محل لبيع الملابس في مدينة غزة، إنه بات يغلق محله لأكثر من أربعة أيام في الأسبوع، مرجعاً ذلك إلى الركود الاقتصادي حيث لا يبيع طوال النهار شيئا· وأضاف رزق الله وهو يشير إلى تكدس بضاعته بعضها فوق البعض دون أي طلب عليها '' لا توجد رواتب والدعم مقطوع، كما أن نصف السكان عاطلون عن العمل، والناس هنا لا تجد ما تأكله، فكيف لها أن تقبل على الأسواق لتنتعش حالتنا الاقتصادية''· أما جاره في السوق أبو خليل عوض صاحب متجراً لبيع المواد الغذائية، فأكد على صحة التحذيرات من خلو القطاع من عدة أصناف من المواد الغذائية، وقال نحن في كارثة إنسانية تتفاقم كل يوم، وهي بالتأكيد ستنفجر، فالحصار يكاد يفتك بنا وبأبنائنا، وفي ظل هذا الإغلاق فإن القطاع مقبل بلا شك على كارثة إنسانية لا يجد الناس حينها ما يأكلون''· وأضاف :'' كثير من المواد الغذائية أوشكت على النفاد، ومواد أساسية مثل الطحين والأرز والسكر مخزونها مهدد بفعل الإغلاق الإسرائيلي، فمعابر رفح البري والمنطار التجاري وأيضا بيت حانون جميعها مغلقة، ولا وسيلة هنا للحياة في ظل هذا الحصار الموت البطيء أما الحاجة أم محمد جرادة فأكدت على صعوبة الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية مدللةً على عودتها فارغة اليدين من السوق، حيث تقول '' يمكن بسهولة استكشاف حجم معاناتنا بسهولة من خلال النقص الحاد في المواد الغذائية والتموينية والأزمة الاقتصادية الخانقة التي نعانيها، أولادنا عاطلون عن العمل ومن يعمل انقطع راتبه الشهري وأصبح بلا دخل، فيما إسرائيل تقتلنا، نحن في الواقع في موت محقق لكنه بسياسة الموت البطيء''· وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) حذرت من خطورة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، خاصة نفاد المواد الغذائية في القطاع المعزول عن العالم الخارجي جراء العدوان الإسرائيلي· وأكدت الأونروا أن مخزونها من التموين لا يكفى سوى لعشرة أيام، وأن الأيام القادمة ستكون أكثر خطورة في ظل استمرار الإغلاق الإسرائيلي للمعابر الحدودية، وبعد تدمير الجسور والطرق من قبل الطيران الإسرائيلي· وفي السياق، يؤكد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تعرض قطاع غزة لضغط هائل على مختلف الأصعدة الخدماتية والإنسانية، في ظل التعطل شبه الكامل في عدد كبير من المرافق، نتيجة تدمير محطة الكهرباء وأنابيب المياه في عدد من محافظات القطاع، ونفاد الوقود جراء العدوان والحصار الإسرائيلي المستمر· وأكد الإحصاء فيما يتعلق بمخزون السلع الغذائية، أن غالبية السلع الأساسية المتوفرة لدى الأسر مثل الطحين، والأرز، لا تكفيها لأكثر من أسبوعين، وأن حوالي 170 ألف أسرة ستفقد مصدر الوقود للطبخ خلال أسبوع·وكشف عن أن ما لا يقل عن 194 ألف أسرة كانت تعاني من الفقر قبيل الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، وما لا يقل عن 150 ألف أسرة يعيش أفرادها بأقل من دولارين في اليوم الواحد، وما لا يقل عن 70 ألف أسرة تعاني من وضع اقتصادي خطير ولا تعرف كيف تدبر أمور معيشتها· وحول التكاليف الإضافية اليومية الناجمة عن عمليات القمع الإسرائيلي التي تتكبدها الأسرة الغزية، أكد الإحصاء أن الأسر تتكلف أكثر من نصف مليون شيكل يوميا، وأن هناك حوالي 88,000 أسرة في القطاع لا تستطيع التزود بمياه نظيفة صالحة للشرب، وأكد وجود ما لا يقل عن 30 ألف طفل يعانون من سوء التغذية المزمن، متوقعاً أن تتفاقم المشكلة نتيجة ارتفاع نسبة الإسهال جراء تلوث المياه والأغذية، كما توقع أن ترتفع نسبة الوفيات الناجمة عن الولادات المبكرة والخدج، وأن تعود الوفيات لأسباب الإسهال والجفاف إلى قائمة أسباب الوفاة الرئيسية بعد أن كانت أسقطت كليا على مدار الأعوام السابقة، إذ من المتوقع أن تزيد نسبة الإصابة بالإسهال بين الأطفال عن 15%، فيما يعاني 112 ألف مواطن من الأمراض المزمنة في القطاع وسيزيد الخطر على حياتهم، منهم 90 ألفا يواجهون صعوبات في الحصول على العلاج·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©