الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بولندا وحدود اليمين المتطرف

15 نوفمبر 2017 22:53
لطالما كان في بولندا، كما في كل دول أوروبا وأيضاً في الولايات المتحدة، هامش من الفاشية الجديدة اليمينية المتطرفة. ويوجد في بولندا أيضاً هامش ضئيل من المدافعين عن البيئة ومن المتحدثين بلغة الإسبرانتو الدولية الموحدة وعدد قليل آخر من الجماعات الصغيرة ذات التوجهات المختلفة. ولكن على مدار عقدين ونصف العقد من الزمن بعد انتهاء عهد الشيوعية في بولندا، لم يكن عدد الفاشيين الجدد هناك كبيراً ليعتد بهم. وحتى حين بدأوا قبل بضع سنين في تنظيم مسيرة يوم 11 نوفمبر، ذكرى استقلال بولندا، لم يكن أحد يلتفت كثيراً إلى بضع مئات من أشخاص يشبهون مشجعي كرة القدم على الهوامش. ولكن في هذا العام شارك في الاحتفال بالعيد الوطني نحو 60 ألف مشارك من «الوطنيين» القوميين المتطرفين. وعلى رغم أنهم لم يكونوا جميعاً من الفاشيين الجدد فقد كانت بينهم مجموعة كبيرة، غالبيتهم من الرجال، يشاركون في المسيرة خلف لافتات عنصرية كتبت عليها عبارات مثل «أوروبا البيضاء» و«أوروبا ستكون بيضاء» و«الدماء النقية». وفي محاولة لوضع المسيرة في إطار وطني طبيعي، أجرى التلفزيون البولندي الرسمي مقابلة مع أحد المشاركين مباشرة على الهواء، وسأله الصحفي عن سبب مشاركته في المسيرة، فصرح المشارك قائلاً: «كي أطرد اليهود من السلطة»، مما أحرج الصحفي المؤيد للحكومة وجعله يبتعد عن المشارك على الفور. فما الذي تغير؟ الإجابة تتعلق في جانب منها بالحزب القومي الشعبوي الحاكم حالياً، حزب «القانون والعدالة» الذي رحب بمسيرة يوم السبت وشجعها واصفاً إياها بأنها عمل «وطني» على رغم أن الحزب يفترض أن يكون على علم بمن يحركها. والشرطة البولندية التي جرى تدريبها ذات يوم على حماية الجمهور من الفاشيين الجدد، ألقت القبض، هذه المرة، على 50 فرداً من جماعة مؤيدة للديمقراطية نظمت احتجاجاً مضاداً. ويقول المنتقدون إن الشرطة لم تحرك ساكناً لمنع «الوطنيين» من ضرب جماعة أخرى من معارضيهم. وغطت وسائل الإعلام الرسمية التي أصبحت لسان حال الحزب الحاكم المسيرة شكل موسع وبصورة إيجابية. وحتى كتابة هذه السطور، لم تظهر محاولة رسمية لانتقاد أو التراجع عن أي من الشعارات أو اللافتات. ولكن السياق الدولي تغير أيضاً. وحالياً لم تعد الفاشية الجديدة والعنصرية الصريحة مقتصرة على نطاق الأحزاب القومية داخل بلدانها القطرية. فقد أصبحت هذه الحركات دولية، وهذا يرجع في جانب منه إلى أوروبا التي أصبحت بلا حدود. فقد جاءت جماعات كبيرة من المجريين والسلوفاك والإيطاليين من الفاشيين الجدد إلى وارسو للانضمام للمسيرة للمرة الأولى. ونشط المتطرفون اليمينيون حول العالم أيضاً في تأييد المسيرة على تويتر وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي. وهناك من يتحدث أيضاً عن دعم روسي لأكثر العناصر اليمينية المتطرفة إثارة للشقاق في السياسة البولندية وخاصة على الإنترنت. وبعض المشاركين في المسيرة يعتقدون كذلك أنهم يتمتعون بدعم أميركي. فكلمة الرئيس دونالد ترامب التي ألقاها في وارسو قبل بضعة أشهر كتبها جزئياً مستشارون يفهمون لغة وتفكير اليمين المتطرف. وقد رأى الحزب الحاكم في كلمة ترامب موافقة صريحة على نهجه في الحكم. وإلى كل من لا يهتمون كثيراً بالسياسة البولندية، أرجوكم تذكروا السياق الأوسع، وهو أن الجماعات التي استعرضت قوتها في وارسو يوم السبت الماضي ليست غالبية في البلاد. وليست حتى أقلية كبيرة. إنها جماعات راديكالية شعرت فجأة بالقوة والتشجيع مدعومة بالظروف الجديدة في البلاد وفي أوروبا والعالم. إن شعور هذه الجماعات الجديد بالقوة يثير الصدمة حقاً، على رغم أنها لا تهيمين على الحياة العامة في وارسو، المدينة التي دمرها الفاشيون، وما زالت مبانيها القديمة تحمل آثار رصاصهم. * كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©