السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الوثائقية و«آفاق جديدة» يستقطبان الجمهور

الوثائقية و«آفاق جديدة» يستقطبان الجمهور
17 أكتوبر 2010 22:43
شيئان أساسيان يثيران انتباه أي مشاهد يحرص على متابعة عروض الأفلام الوثائقية التي يقدمها مهرجان أبوظبي السينمائي في صالات “المارينا مول” وهما: الإقبال الكبير والنقاش الثري الذي يعقب العروض. وقد فوجئت لدى متابعتي عروض الأفلام الوثائقية التي قدمت في صالتي “سيني ستار 1” و”سيني ستار2” في اليوم الثالث للمهرجان بحجم الحضور الكبير الذي فاق توقعاتي، إذ إنني لم أدخل فيلماً إلا ووجدت الصالة ملآى بالكامل. كما فاجأتني الحساسية المميزة التي تحدث بها الجمهور عن الأفلام والأسئلة التي طرحت والتعليقات التي قيلت، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على حسن اختيار الموضوعات التي عالجتها الأفلام ومساسها بالهموم الجوهرية في حياة الناس، أو قدرتها على الوصول إليهم بصدق وشفافية. حدث هذا في الأفلام الأجنبية أو العربية أو الإماراتية التي عرضت ضمن “أفلام الإمارات”. ولقد أثار فيلم “القنوات الخلفية: ثمن السلام” لـ”هاري هنكلة”، وهو فيلم يتقصى ما جرى خلف الأبواب المغلقة بين الرؤساء: الأميركي جيمي كارتر والمصري أنور السادات والإسرائيلي مناحيم بيجن، قبل أن يخرج اتفاق السلام للعالم، جدلاً واسعاً بين الحضور الذين انقسموا بين مؤيدين ومعارضين لما طرحه الفيلم حول السلام، والرؤية التي تناول المخرج هذا الموضوع من خلالها، حتى أن الجدل بين المخرج والناس امتد إلى ما بعد الجلسة الرسمية إلى الباحة الخارجية. المخرج حاول أن يقدم السلام والأشخاص الذين صنعوه، عبر شهادات الكثير من السياسيين الذين رافقوا تلك المرحلة أو كانوا من الفاعلين فيها، وعرض لوجهتي النظر العربية والإسرائيلية، لكن هذه القضية تظل موضوعاً خلافياً باستمرار. وربما كان الفيلم يحتاج إلى بحثٍ أكثر وتعمق في تاريخ القضية الفلسطينية. الجدل نفسه حدث مع فيلم “مملكة النساء: عين الحلوة” لـدانا ابو رحمة التي وجدت مديحاً كبيراً من الحضور، وأجابت عن الكثير من الأسئلة التفصيلية التي تعكس رغبة الناس في معرفة ماذا حدث في تلك الفترة التي يتحدث عنها الفيلم، وهي فترة الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت عام 1982، وكل ما يخص عوالم مجموعة من النساء اللواتي استضافهن الشريط ليروين حكايتهن مع المعتقلات (سجن الجلمة وسجن الرملة ومعتقل أنصار). مملكة دانا أبو رحمة التي بنتها نساء مخيم عين الحلوة كانت “حلوة بحق”، رغم أنها تحكي عن رحلة عذابات لا نهاية لها، على الأقل في المستوى المنظور، حلوة لأنها وظفت معرفتها السينمائية في تحقيق فيلم يمس شغاف القلوب، وخلافاً لما تتسم به الأفلام الوثائقية او التسجيلية العربية في الغالب، تنحاز صاحبة فيلم “مملكة النساء.. عين الحلوة” إلى جماليات العمل السينمائي لتنجز عملاً مخدوماً إن لجهة متابعة الفكرة وملحقاتها وتوثيقها توثيقاً بصرياً جيداً، أو لجهة استخدام تقنية تحريك الصور (انيميشن) التي تأخذك مباشرة الى عالم ناجي العلي، وتفتح الفيلم على معطيات جمالية قامت بتضفيرها في جديلة ذاكروية تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي. وعلى مدى ساعتين تقريباً، تابع الجمهور بشغف عرض ستة أفلام من الإمارات تندرج في إطار الوثائقي القصير. وهي: فصل من الحياة، قفزة إيمانية، أنين السواحل، دبليو جي تاول، الملكة، منحة الوالد، والتي عكست في مجملها قضايا بيئية أو تراثية أو ثقافية تمس التنوع الثقافي الذي تشهده الإمارات. وقد أشاد الحضور بالأفلام، وقالوا إنها عرفتهم، إلى جانب مجهول بالنسبة إليهم، ووضعت أمامهم صورة عن علاقة البدوي بحياته ومفرداتها المختلفة، وأنهم اكتشفوا حميمية هذا العالم من خلال الأعمال. يروي فيلم “فصل من الحياة” سيرة شخصية للشاب سيف الذي يعمل في أبوظبي ويعيش في مدينة العين، ويصور الفيلم علاقته الحميمة مع الصحراء التي بنى فيها بيتاً يحفه الهدوء وتغمره السكينة التي لا توفرها له أبوظبي العاصمة، كما قال. إنها بمعنى جنته الخاصة التي يهرب إليها من ضغوط العمل إلى فضاء مفتوح على الراحة النفسية والجمال الطبيعي والحياة البسيطة، تلك الحياة التي تشاركه إياها زوجة يابانية جميلة تحب الطيور والأغنام وتتجول في حديقة بيتها مثل أميرة. وفي تصويره لهذه اللحظات اليومية يقدم الفيلم في الوقت نفسه تلك العلاقة الخاصة، التي تبدو أحياناً غير مفهومة، بين البدوي وصحرائه وجماله وأغنامه التي يعرضها الفيلم بجماليات فنية وتصوير مرهف. ويسرد فيلم “منحة الوالد”، قصة امرأة بدوية تعيش في الصحراء، في مزرعتها التي ترعى شؤونها وتشرف على كل صغيرة وكبيرة فيها. امرأة قوية بما يكفي لتكون أنموذجاً يحتذى به من قبل النساء. تحدت كل ظروف حياتها الصعبة القاسية لتربي أولادها. وفي مرافقته لها في رحلة كفاحها اليومية في جوانب المزرعة وهي تعتني بمزروعاتها، وتقلم، وتحفر، وتقود شاحنة ضخمة إلى حيث تبيع منتجاتها الزراعية، يرسم الفيلم صورة لامرأة استثنائية لا تعترف بشيء اسمه مستحيل. وتطل البيئة الجريحة عبر “أنين السواحل” بفيلم بحريني يصور كيف ساهم دفن البحر أو ردمه “الدفان بالمحكية البحرينية” في قتل الكثير من الأسماك، والتي هربت بالتالي إلى مناطق أخرى فقل الرزق وتراجعت الكميات التي يحصل عليها الصيادون من السمك، وارتفعت الأسعار، وكل ذلك بسبب زحف الإسمنت والحديد الذي لم يرحم حتى البحر نفسه. أما فيلم قفزة إيمانية، فهو يمارس بالفعل نقلة أخرى للمشاهد، يأخذه من عالم التراث والبيئة إلى عالم الفكر والإيمان ليروي في أجواء تصويرية ذات بلاغة فنية تجارب أربعة من غير المسلمين الذين عرفوا الإسلام. ومن اللافت في هذا الفيلم أن اللمحة الصوفية الشفيفة تتغلغل في الكلمات والنص، كما في الصورة والتمثيل. فيلم حرك قلوب المشاهدين بطريقة دفعتهم إلى البكاء، كما قال لي أكثر من شخص حضروا العرض. وأعتقد أن أهمية هذا الفيلم التي جعلته يؤثر على الحضور لا تكمن في الفكرة نفسها، فقد عولجت أكثر من مرة ولم تحدث الأثر نفسه، بل تكمن في الطريقة التي قال بها المخرج ما يريده، في اللغة الخاصة والفاتنة التي تحدث بها شهوده عن حيواتهم وتجاربهم ومعاناتهم ثم عن سكينة أرواحهم وسلامهم النفسي الذي تحقق بعد أن عرفوا الإسلام، والذي اعتبروه أهم شيء حدث لهم في حياتهم.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©