الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصقر عند العرب.. أحوال ومقامات

الصقر عند العرب.. أحوال ومقامات
19 يناير 2011 19:30
حفل الأدب العربي والشعر خصوصاً بقصائد الصيد بحيث يمكن أن نتصور هذا الحقل الإبداعي بما اطلق عليه بـ”شعر الطرد” ولا أدل على ذلك من قصائد زهير بن أبي سلمى التي يصف فيها يوم صيد، بكل جزئيات السرد الموضوعي. وقيل إن أول من اصطاد بالصقر هو الحارث بن معاوية بن ثور، ناهيك عما روي عن الحمزة بن عبدالمطلب وعنايته بالصيد بالصقور. وليس الأمر بغريب على ارتباط رجل الصحراء بالصيد بالصقور ما دام الامتداد المكاني واسعاً، ضمن فضاء لا نهائي من المستحيل مجاراته والتغلب عليه إلا بطائر يطوي هذه الآماد البعيدة ويقيدها بين جناحيه فما بالنا لو كان هذا الطائر حاد البصر، يحدق في الأفق وكأنه قرب مخلبيه.. الصقر.. لحظة البرق وهبّة البريح انقضاض الصائد ووجع المصيود، فزع الآماد من اختطاف السائر على الأرض، يقيد الاوابد بين قدميه ويطوي السماء بين جناحيه. الصقر.. حروف ثلاثة كأنها الصفير، والقذيفة، والرعب، وحين يحدق في الامداء كأنه ملك يبصر الماشي على أرض مملكته، تقدم له الطبيعة هبتها ويكتفي بلقمة عيش ليس أكثر. الصقر.. طاعة وبراعة، شجاعة واحترام مؤنس ومتمرد ومكابر ومتواضع، كريم وجسور. هكذا فهمت العرب هذا الطائر الذي امتزج بالبداوة، وعاش وترعرع بين كيانها وكأنه يستمد من كبرياء البدوي كبرياء نفسه. كتب ودراسات وكثرت الدراسات حول صلة العربي بالصيد والصقر وبخاصة من الباحثين الغربيين وأخص منهم اثنين وهما مارك ألن في كتابه “الصيد بالصقور في البلاد العربية” والباحث روجر ابتون في كتابه “رياضة الصيد بالصقور عند العرب.. تاريخ لطريقة حياة” والذي نقله إلى العربية الدكتور سعيد سلمان أبوعاذره ومن إصدارات دار الكتب الوطنية التابعة لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث في أبوظبي. وفي قصيدة “ياطير” للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله التي يبدأها: يا طير وظبتك بتدريب أيغي أصاوع بك هدادي نجد تصويراً في اختيار العبارة التي تتعدد فيها أوجه اقتناص فضائل الطير ومدى امتزاجه بروح الصياد الماهر، الذي يكفي أن نقول فيه “الصقار” ولم تكن المعاني موصوفة بجسد الطير بل تتعداه إلى هبوب الريح حوله. تلك هي مفتتح هذا الكتاب الذي حرص فيه ابتون أن يقتنص أجمل الشعر في وصف الطائر “الصقر” فكانت قصيدة “ياطير” خير الاختيار، في الابتداء وفي الإهداء، حيث أهدى الكتاب إلى روح المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله. حاجة وتقليد ونتساءل.. هل كانت هذه الرياضة تقليداً عند العرب، أم أنها حاجة تولدت بفعل وصول الحبارى بهجراتها الواسعة إلى الجزيرة العربية وازدياد الأعداد المحلية منها بأعداد كبيرة والتي كانت تصل من أقصى الشمال. ولابد لنا من الإجابة فعلاً بأن الصيد تحول من الحاجة إلى التقليد، حاجة في أزمان سبقت عصر الإسلام في تاريخ العرب، إذ مع الرياح الباردة التي كانت تهب في فصل الخريف جاءت أوائل الصقور المرتحلة في هجرتها من الأرض التي نشأت فيها في الشمال، وقد كان العرب ابتداء من الأمير إلى البدوي البسيط يكرسون وقتهم للحصول على أفضل الصقور لاستخدامها في موسم الصيد القريب. تنوعت الصقور بين الصقر الحر والمثلوث والشاهين.. فكانت المغامرة مصحوبة بالإثارة والنجاح وربما بخيبة الأمل، أما فريق رحلة القنص فيمكن أن يصل إلى 200 رجل وربما لا يزيد عن ستة أو سبعة. ليس غريباً أن تنهض تقاليد الصيد في الصقور عند العرب في صحرائهم إذ ما أن ندخل في فصول الشتاء حتى يهب نسيم الصبا وتهيج الرمال ببرودتها والليل يتألق بأماسيه الباردة الشفيفة وبعطر هواء جاف له طعم يجمع فيه الصيادون أنفسهم في رحلات يجوبون فيها البقاع البعيدة. لايزال تراث الصيد باقياً بالرغم من تغير الكثير من وجوه الحياة التي غزت الصحارى الشاسعة لشبه الجزيرة العربية كما لم يسبق له مثيل، وان الأراضي التي لم تطأها قدم تقريباً فيما مضى إلا من قبل البدو الرحل بحثاً عن مصادر العيش مع رعي الإبل وقطعان الأغنام والماعز التي يملكونها أصبحت كلها الآن في متناول يد أي صقار يبحث عن المزيد من الحباري والطرائد الأخرى مثل الكروان والأرنب الصحراوي وقد أدى ذلك الجوّر في الصيد إلى تناقص في أعداد الفرائس. وبالرغم من الصيد المتواصل الذي استمر على مدى سنوات عديدة حتى الآن فإن الحباري تبدو قادرة تماماً على الصمود، ومازال الصقارون هذه الأيام يجدون الحباري بأعداد كافية لجعل الأمر يستحق الجهد الذي يبذل من أجله وتحمل عبء الخروج في رحلة كبيرة للصيد. في الأزمان الغابرة كان الكثير من الصقور يطلق سراحها وتعود إلى المناطق البرية في نهاية موسم الصيد، وكانت أفضل الأنواع تستحق العناء ونفقة الاحتفاظ بها طيلة شهور الصيف الطويلة لاستخدامها في الموسم التالي، لكن هذه الأيام، يتم الاحتفاظ بأعداد أكثر حتى نهاية الصيف مع أن معظم الصقارين يعترفون بأنهم يبحثون عن أفضل الصقور من الجديد منها والتي تصطاد في كل موسم. وحشية الصقر إن تفريخ الصقور في الحاضنات عندما يتم بشكل مناسب ينتج أنواعاً من الصقور القادرة على صيد الحبارى تماماً كأفضل الصقور التي تصطاد وهي وحشية في مواسم هجرتها، ومع ذلك، كما في فرخ العش فإنها تحتاج إلى وقت وجهد أطول بكثير لتتدرب من الفرخ الذي اصطيد وحشياً في المتوسط وعندما تطلق للمرة الأولى على فريسة لاصطيادها، يتوقع إذا كانت ترغب باصطياد طير بحجم الحباري أن ترتكب أخطاء كثيرة خرقاء أثناء محاولتها للطيران وراءها، كذلك فإنها تخفق في البداية في الانقضاض على الحبارى وبدلاً من ذلك تهاجمها من أسفل مما لا يرهب الفريسة كثيراً. وبدون شك فإن الصقر الفرخ أو الفرناس مناسب بشكل مثالي لطرق وتوقيت الصقارين العرب، فالهجرة مؤقتة بشكل كامل للحصول على نخبة من الصقور المناسبة والتي تتحلى بالخبرة في الوقت المناسب مما يسمح بوقت كاف للتدريب المركز المبني على الخبرة. حكاية التماهي يستخدم الصيادون العرب اليوم أجناساً من الطيور الجوارح وهي ثلاثة أنواع من الصقور ذات الأجنحة الطويلة مثل الصقر الحر الكامل والشاهين ومثاليث ووكاري الحرار والشواهين، وقد جاء فيلوت في مذكراته بهذه الحكاية: وجدت في إحدى المرات صقراً ضائعاً جاثماً بجناحيه المتدليين على جثة حباري ميتة حيث سحبها إلى ظل شجرة مجاورة، ان جثومه الهادئ جعلني في بادئ الأمر أشك بوجود عقاب يحلق بعيداً، وفي مناسبة أخرى، وعندما يتم صيد الصقور على أرض وعرة فإن كلاً من الصقر والحباري معاً يتواريان عن الأنظار نحو تلة منخفضة ومنها إلى سهل صغير. وفي الوقت الذي وصلنا فيه إلى قمة التل لم نشاهد شيئاً، ثم بعد ذلك مر من فوقنا طائر الرخمة “الشوحة” ثم تلاه طائر آخر من هذا النوع وقد غادرا قمة التل البعيدة، وأخذ كل منهما يحلق بمفرده بشكل دائري فوق بقعة معينة في السهل الأجرد الواسع، ثم عادا بهدوء إلى مكان استراحتهما ثم جاء بعد ذلك غداف “غراب أسود” حيث كرر المناورة بنعيبه ذي الدلالة، وعلى الرغم من أنه ليس هناك شيء ظاهر إلا أننا لحقنا به إلى تلك البقعة واتجهت أبصارنا بشكل غير متوقع نحو صخرة في الأرض وإذ بدت بسرعة بأنها تشبه صقراً، أظهرت المعاينة عن قرب أن حباري كبيرة جاثمة تحت أجنحة صقر ضائع، كان لون الصقر والحباري كلون الأرض. تحديد العمر لكي يميز سن الصقر فإنه بعد أن يبلغ الصقر السنة الرابعة أو الخامسة لا يمكن لأحد أن يحدد عمره إلا سبحانه وتعالى وثم صاحب الصقر، ومع ذلك هناك دلائل معينة تبين ما إذا كان عمر الصقر عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، ومن هذه الدلائل أولاً يتميز الصقر بأنه ضيق النفس ثانياً أن ساقيه وباطنهما ممتلئتان بالتجاعيد وثالثاً يطلق على الريشتين الظاهرتين في الذيل اسم “رذافة” وهاتان الريشتان أقصر من بقية الريش وكلما كان الصقر كبير السن كانت هاتان الريشتان قصيرتين وهما تتميزان بأنهما دقيقتان جداً لدى الصقور اليافعة. الصفات والطبائع للصقر رائحة طيبة تخصه وحده، قوي وذكي ومواظب على مطاردة فريسته ويختلف عن الشاهين الذي إذا لم يفز بسرع بفريسته فإنه يتوقف عن المطاردة، في حين أن الصقر يواصل مسعاه لمدة طويلة حتى بعد أن يفقد الفرصة لنيل فريسته. للصقر هدوءه وريشه الناعم وهما يساعدانه على عدم تعرض الريش للسقوط مقارنة بسقوط الريش عند الشواهين وللصقر مزاجه من هدوء كريم إلى وحش كما لو كان اصطيد للتو من الفضاء. للصقر ذكاؤه حين يتعلم التحليق بسرعة ويميز بين الأخطاء التي يقع فيها وللصقر قدرته على ربط سمات العوالم ببعضها كأنها دليل على حدوث أمر ما. يطلق العرب على الصقر “الفرخ” الذي لم يبلغ السنة من عمره اسم “الجاهل” أو “المجنون” وتأتت التسمية كون هذا النوع غالباً ما يطارد أي شيء يشاهده ويستمر بهذه المطاردة إلى أن تمتلئ حوصلته. للصقور أدواتها يستعلمها الصيادون العرب شبيهة بتلك التي يستعملها الصيادون الغربيون لكن بخلاف بعض الصقارين الآخرين فإن الصقار العربي لا يضيع وقته باختيار السلع الزيتية، بل يهتم فقط بكونها عملية وبسيطة إلى أقصى حد ممكن، إن أدوات الصقارين العرب التي تكون أساسية في تصميمها ويسهل صنعها من قبل الصقار أو الحرفي المحلي، تعمل جيداً تحت الظروف الصحراوية، ومنها: 1 - البرقع العربي ويُقال إن المحاربين العائدين الذين اشتركوا في الحروب الصليبية قد جلبوه معهم إلى الغرب، وعبارة عن غطاء ناعم من الجلد يركب فوق رأس الصقر ومن أفضل صناعها ـ كما يقال ـ رجل من الصلبة (صلبي) في المملكة العربية السعودية اسمه (ابن شقير). 2 - السبوق العربية وهي التي تشبك بالساق بنفس طريقة شبك السبوق الأوروبية ويربط السبوق بالمربط الذي تكون له أنشوطة تثبت بالوكر. 3 - الوكر العربي ويصنع من الخشب أو المعدن وهو مجلس الصقر. 4 - الدس العربي وهو ما يلبسه الصقار بيده التي تحمل صقراً وبعضها مصنوع من خمسة أصابع وأخرى من ثلاثة وفي الدسوس العربية أقصر من دسوس صقاري الغرب. 5 - المنقلة العربية وهي ما يلتحف في ساق اليد الحاملة للصقر والشائع منها في دول الخليج أكثر من الدس ويعود ذلك للحرارة كون المنقلة أبرد من الدس. 6 - التلواح وهو ما يصنع من ريش أجنحة الحباري وهو خيط يستخدم في تدريب الصقر. 7 - مخلاة الصيد حقيبة أو كيس مفتوح من الأعلى ولها حزام للحمل تحت الإبط وهي تحمل أدوات الصقار لمعالجة الصقر في حال حدوث طارئ ما. aيا طير من كلمات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في قصيدة في رحلة صيد يا طير وظبتك بتدريب أبغي أصاوع بك هدادي لي طارن الربد المهاريب اللي ذايرات من العوادي القف الهن عساك ما اتخيب اقصد لقايدهن عنادي خُمَّه براسه خَمَّة الذيب وعليك ما ظني هبادي وخل الهبوب اتروح واتييب ريش شعى عقب المصادي اللي سبج طيره بلا طيب بيتم في حزمة اينادي عند اخويانا والأصاحيب كلٍ ابخبره ايسادي أول ما ضوى ودوا له الجيب باذهاب والطبخة عتادي المخطوطات الفارسية في كتاب “بازنامة” يقول “إن تحليق الصقور في مرحلة طرح ريشها يصبح بطيئاً لدى مطاردتها للفريسة”. المخطوطات العربية جاء في المخطوطات “ان كنت ترغب في اقتناء شاهين فعليك بالحصول على النوع الذي يتميز بظهر أسود اللون ووجه قبيح وجسم ضيق وذيل قصير ورأس كبير وله عينان غائرتان وأن يكون ثاقب النظر وكبير المنقار وخفيف الصوت وقصير الظهر وذا أجنحة متباعدة عن الجسم، وقد قال الشاعر: ولكن الشاهين ممتلئ والصقر طويل البحري أيضاً ينبغي أن يكون خالياً من العيوب وفي الحقيقة ينبغي أن يكون ذا أكتاف عريضة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©