السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«لي تشون».. لا تذبح دجاجة أمام قرد أبداً

«لي تشون».. لا تذبح دجاجة أمام قرد أبداً
19 يناير 2011 20:02
لي تشون مزارع صيني من قرية مينغهاي من مقاطعة يونان. وكأغلب المزارعين يعتمد لي في حياته اليومية على البيئة التي حوله، فهو لا يشتري الخضار والفواكه من السوبر ماركت طبعاً. بل أن الفكرة ستبدو مضحكة لنا جميعاً. أن فواكه وخضار لي، وكذلك ربما مواده الغذائية الرئيسية كالرز والقمح والسكر يأتي بها من مزرعته، أو من مزارع جيرانه. نتصور أن لي من آكلة الطماطم أو الخيار أو الخس أو البطاطا أو الباذنجان. وهو وجيرانه من المزارعين، كباراً وصغاراً، ونساءً يعرفون هذه الخضار والفواكه وبقية ما عندهم من الأشجار، الصغيرة والكبيرة، والموسمية والمعمّرة. يعرفونها جيداً. يعرفونها منذ أن تشق التربة كنبتة صغيرة وحتى تتفرع وتورق وتفرض على الهواء فضائها، مدافعة عن نفسها بين قريناتها من الأشجار، ومادة غصونها في الفراغ المتاح لها في تلك البساتين. درس صيني ولي وجيرانه من المزارعين يعرفون جيداً، وهي معرفة على الأغلب تورثت من جيل إلى جيل، ومنذ أقدم الدهور وحتى هذا العصر الذي لطالما أزعجنا بالقرع على طبول قفصه الصدري وهو يدعي بأنه عصر حديث... منذ أقدم العصور إذن، وحتى هذا العصر “الحديث” ولي وجيرانه يعرفون جيداً ما يزعج تلك النباتات وما يريحها. وما يجعلها حية وخضراء ونضرة وما قد يميتها. ويعرفون مراحل إثمارها ومتى يقطفون تلك الثمار. تحدثهم السماوات التي يرونها تتلاحق كل آونة على رؤوسهم، وتحدثهم عن ذلك رحلات الماء الظاهرة والخفية، ويحدثهم عن ذلك الليل والنهار، والغاية والأمطار، والحجر والمدر. كذلك فإنه من المضحك أن نتصور بأنَّ لي وجيرانه يشترون اللحوم والحليب (مع مشتقاته اللبنية الأخرى) من السوبر ماركت، انهم والحيوانات إخوان في رضاعة الأرض، في رضاعة هذه البيئة، وهم على معرفة بالحيوانات كما معرفتهم بالأشجار. ليس الحيوانات فحسب وإنما الطيور بأنواعها، غير الداجنة والداجنة. وبالذات من الداجنة هم يعرفون الدجاج جيداً. يعرفون ديكته وبيضاته ولحمه وآثار أقدامه على الأرض. والمزارع الصيني لي تشون بالذات من مربِّي الدجاج. ذكريات داجنة حلوة هي تربية الدجاج، ولحلاوتها مظاهر عدة، وأحد مظاهرها أراه باديا على والد زوجتي. فلي نسيب في عجمان لديه بيت واسع، ورغم أنه شاب إلا أنه يهوى تربية الدجاج. الوالد سعيد بهذا. الاهتمام بدجاجات زوج ابنته يسعده جداً. يشغله ويلهيه. يخفف عنه الضغط والسكري وارتفاع نسبة الكريستول السيئ. ولعلَّه سيكون متعباً جداً لولا تلك الدجاجات. سيكون هو متعباً وأحفاده الذين يتحلقون حول جدهم، ويلاحظون ماذا يفعل؟. وماذا تفعل الدجاجات؟. كيف تمشي وكيف تبيض وكيف تغضب وكيف تمرح وكيف تحاول الطيران بلا جدوى؟ وفي السابق كانت توزع على المواطنين أراض واسعة كي يبنون عليها مساكنهم. الآن توزع عليهم أراض بحجم كف اليد أو أقل. ويبدو هذا الأمر مضحكاً، خاصة وأن الجميع يعلم بأننا نسكن في صحراء ما يزال الثمانين في المئة منها غير مأهول. فيا أخواتي البلديات امنحوا هؤلاء المواطنين المساكين أرضاً أوسع، ليس فحسب لكي يبنون عليها مساكنهم. وإنما ليربون الأشجار والدواجن والحيوانات، ليربون الحياة، ففي الحياة تعمر الصحراء، وليس بالأسفلت وأعمدة الكهرباء والأبراج والمنتجعات السياحية. وحقاً كان ماضي هذه المنطقة صعب ومتعب وقاس، ولكن وعلى عكس الفكرة التي يصر البعض على إظهارها هذه الفترة، والتي توحي بأنه لم تكن هناك حياة في هذه المنطقة، لم يكن هنالك شيء، وكانت محواً قبل العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة. إذ ليس هذه الفكرة مغلوطة فحسب، وإنما مغرضة كذلك. فرغم الظروف المناخية الصعبة والنزاعات والحروب القبلية المديدة، والتدخلات الكولونيالية المميتة، وما يفتك بالناس من أمراض وأمية وقلة فرص وتقاليد جائرة. رغم كل ذلك، كان الناس في هذه المنطقة منتجون. يأكلون مما يربون من ماشية وما يصيدون من ثمار البحر ومما يذرعون. حتى انه من الممكن الحديث عن اكتفاء ذاتي كانوا يعتاشون منه. فلديهم بصلهم الذي يلتذون بأطواره، وبطاطهم الذي يدفنونه تحت الطين، كما تحت الجمر وحمضياتهم متعددة الأنواع والأحجام وموزهم المورق في الفضاء والذائب في الفم والأخضر في الذاكرة، و”زيتونهم” الذي لا يشبه الزيتون وقمحهم الذي تزين “وعوبه” فساتين الجبل، هذا غير ما تهبه إياهم عمتهم النخلة. فلطالما احتاروا في رطبها، أيّه يفضلون وأيّه يهدون وأيّه يخزنون وأيّه يرمون. أو أنهم لم يكونوا ليرمون شيئاً، فهم كأي بشر منتجين من ذلك النوع يستفيدون من كل شيء، ولا تكاد أن تكون عندهم زبالات كما هو الحال الآن الزبالة أضخم من الفيل، والقطط تدور حولها جائعة وكأنها تدور حول جثة غربان منتحرة. إن لذة أن تأكل مما تنتج لذة لا توازيها أية لذة أخرى، ونحن كأجيال جديدة نفتقدها غاية الفقد. وربما من جانب، فإن غياب الطراوة والحلاوة واللذاذة في أغلب ما نستخدم من فواكه مستوردة ـ على سبيل المثال ـ يعود إلى ذلك الفقد. وعلى الأرجح فإن أغلب المشاريع التي تتحدث عنها المؤسسات الرسمية عن تطوير الزراعة في هذه المنطقة (بمساعدة الخبراء الشقر حملة حقائب الكمبيوتر الشخصي) لا تعدو كونها “تنمية مقنَّعة” (استل هذا المصطلح من المصطلح الرائج: عمالقة مقنَّعة)، ولهذا تبدو لي بأن فكرة اعطاء المواطنين مساكن واسعة وتشجيعهم على زراعة البيوت ليس بأشجار الزينة فحسب (وهذا ما تنحو نحوه بعض المسابقات والتغطيات “المُـوَقضة” التي تتحدث عن أجمل حدائق المنازل)، وإنما بالأشجار والنباتات التي يحتاج إليها البيت، بالخضروات وما يمكن زراعته من فواكه. وبحيث يكون الهدف من هذا التشجيع هو عودة الفرد منا إلى الانتاج وما يقترب من الاكتفاء المنزلي الذاتي. ان ذلك يخفف من حمي الاستهلاك (هذا إذا كان أصلاً هنالك من يريد أو يهتم بانخفاض حرارة حمى معدية وقاتلة من هذا النوع)، وتخضير الصحراء (خاصة وأن تلاحق العمران في بلدنا هو الوحيد الكفيل بهذا “الاخضرار”، وإذا ما كان هذا العمران “أخضراً” قلباً وقالباً)، ثم والأهم اقتراب الإنسان من الطبيعة، من طبيعته. من حياته في الطبيعة، ومن حياة هذه الطبيعة فيه. ولكي يعرف معرفة روحية وحميمية ودقيقة من يعيش حوله، ليس من البشر فحسب وانما من حشرات ونباتات وأشجار وحيوانات تماماً كالمزارع الصيني لي تشون. “لي” والقرد لي تشون هذا الذي زار الغابة القريبة من المنطقة التي يسكن، وفي تلك الغابة وجد لي قرداً يعاني جروحاً خطيرة وفي حالة يرثى لها. لي تشون الذي كان يحمل سلَّة، لا نعرف بالتحديد ما الذي دفعه إلى ارتياد تلك الغابة، وما الذي كان بصدد جمعه في تلك السلَّة، ولكنه حين رأى القرد الجريح وضعه في السلَّة وحمله إلى البيت وبتر طرفه المتهالك، ثم أعطاه أدوية مضادة للالتهابات، وسرعان ما تعافى القرد وازداد وزناً بعد الرعاية والاهتمام اللذين تلقاهما. مع الوقت، أصبح القرد مثل أحد أفراد عائلته، كما يقول لي، كما وصار يقوم بالعديد من الأعمال في المنزل، إلا أنه، أي القرد، سرعان ما بدأ في ارتكاب بعض المشكلات. أو هي حقيقة مشكلات كبيرة في حياة مزارع كلي تشون. لقد شكر القرد في داخله، على الأرجح، لي على كل تلك المساعدة التي قدمَّها حين كان جريحاً، لهذا فإنه حينما كان يراه القرد وهو يأخذ بيضة من أقفاص الدجاج ويكسرها ليأكلها، يقوم القرد بتكسير كل البيض الموجود في الحظيرة. وحين ذبح لي دجاجة أمامه، ذبح القرد بالمقابل نحو 80 دجاجة. ولهذا فإن لي قد تعلَّم من ذلك درساً مكلفاً انه لا يكسر بيضاً ولا يذبح دجاجة أمام قرد أبداً، أما نحن فلربما علينا أن نتعلم شيئاً آخر إضافة إلى ذلك، وهو أن نعيد النظر بالوفاء، فأما أن نكون أوفياء كذلك القرد أو لا نكون!، أو أن ذلك هو الشق السلبي من وفاء القرد، إذ ينكر لي تشون نفسه مساعدة القرد له في أمور كثيرة أخرى. يقول لي: “لقد ساعدني في رعاية كلابي الصغيرة، وحتى أنه مسح دموعي يوم توفي والدي (...) لقد كنت أشعر بالحزن، فجلس إلى جانبي ومد لي يده ليمسح دموعي، ونظر إليّ بتعاطف كبير”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©