السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لويزة إغيل أحريز للاتحاد: ما تعرضت له من تعذيب على يد الفرنسيين لا أتمناه للعدو

11 أغسطس 2006 00:33
الجزائر- حسين محمد: حينما تقابل المجاهدة الجزائرية لويزة إغيل أحريز وتحادثها،تشعر أنك تستنطق جزءا بالغ الأهمية من التاريخ؛ تاريخ واحدة من أعظم الثورات الشعبية في القرن العشرين· وتكمن أهمية هذه المجاهدة في أنها انضمت إلى الثورة الجزائرية برفقة كل عائلتها،حيث انخرطت فيها منذ أيامها الأولى مع أبيها وأمها وأخيها وأختيها وجدتها· وفي هذا الحوار الذي خصت به ''الاتحاد'' تروي المجاهدة لويزة الظروف التي سبقت الثورة وكيف فتحت عينيها على حب الوطن والإيمان بحتمية تفجير الثورة لتخليصه من ربقة الاستعمار الفرنسي، كما تتحدث عن ظروف التحاقها بالثورة والمهام التي اسندت لها وكيفية أسرها والتعذيب الوحشي الذي تعرضت له في أحد سجون الجزائر العاصمة طيلة شهرين ونصف وهو ما دفعها إلى مقاضاة الجنرال ''شميت ''بتهمة التعذيب وانتهاك العرض·· وفيما يلي نص الحوار: لنبدأ من اللحظات الأولى التي فتحت فيها عينيك على واقع الاستعمار الفرنسي بالجزائر·· فمن هي لويزة إغيل أحريز؟ وُلدت بـ''وجدة'' المغربية في 22 أغسطس 1936 وعشت فيها سنوات طفولتي مع أسرتي وأبي الذي كان يشتغل هناك·· أصولي قبائلية أمازيغية من ''تيقزيرت'' بتيزي وزو، وقد لعب والدي دورا كبيرا في توضيح حقيقة الاستعمار الفرنسي لي وكيف اغتصب أراضينا سنة 1830 وقاومه أجدادنا ، ولابد أن نقاومه نحن إلى غاية دحره·· وبعد مجازر 8 مايو 1945 التي ذهب ضحيتها 45 ألف جزائري أعزل على يد الفرنسيين،استقال أبي من عمله بالمغرب وقرر العودة إلى بيتنا بـ''القصبة'' بالجزائر العاصمة·· لقد تيقنا أن الجزائريين لايمكن أن يصمتوا أمام هذه الجريمة وأن الثورة آتية لامحالة وكان لابد من العودة ليكون لنا شرف الانضمام إليها فور اندلاعها· الثورة ··والانخراط وكيف كانت ظروف الانخراط في الثورة الجزائرية بعد انطلاقتها في1نوفمبر 1954 ؟ فور انطلاقتها انضم إليها أبي مجاهدا مقاتلا، وبدأ يكلفني ببعض المهام كالاتصال بالمجاهدين وحمل الرسائل المتبادلة بينهم وكذا نقل الأدوية وجمع المعلومات عن تحركات قوات العدو الفرنسي· ولكن نشاطي ظل غير رسمي وبقيت في المدرسة الفرنسية بالجزائر إلى غاية مايو ،1956 حيث وجهت''جبهة التحرير الوطني'' قائدة الثورة نداءً إلى كل الطلبة الجزائريين بالمدارس الفرنسية بمقاطعة الدراسة والالتحاق بصفوف المجاهدين فلبينا النداء جماعيا، وكرست بعدها كل جهدي ووقتي لخدمة الثورة وتفعيل نشاطاتي التي أضفت إليها نقل الأسلحة في قفف صغيرة إلى المجاهدين في ''القصبة'' وكذا توفير أماكن آمنة للمجاهدين بعد كل عملية· وبذلك شاركت في ''معركة الجزائر'' التاريخية التي حدثت سنة 1956 · وهل كنت تشاركين في عمليات وضع القنابل في المقاهي والأماكن التي يتردد عليها الجنود والمستعمرون الفرنسيون على غرار باقي المجاهدات؟ لا، أختي مليكة هي التي كانت تشارك باقي المجاهدات مثل هذا النوع من العمليات· أما أنا فاقتصرت مهامي على ماذكرته سالفا في خلية استعلامات تتكون من 15 فردا، وكان رئيسي هو باقل سعيد ونائبه قندريش، إلا أننا صدمنا فيما بعد أن اكشفنا ان قندريش هذا عميل لفرنسا وأنه المتسبب في مقتل الكثير من المجاهدين بالمنطقة والقبض على آخرين ومنهم أختي مليكة، وكان لابد أن أغادر''القصبة'' بعدها إلى منطقة أخرى بعيدة للحؤول دون اعتقالي،فتم نقلي إلى جبال ''الشبلي'' بولاية البليدة، على بعد حوالي 50 كلم من الجزائر العاصمة· الأسلحة··و الغنج هل حدث وأن تعرضت إلى مواقف خطيرة ومحرجة أثناء قيامك ببعض المهام الثورية؟ في بداية عام 1957 كُلفت بنقل أسلحة من ''القصبة''إلى ''بن عكنون'' بأعالي الجزائر العاصمة· وفي أحد الحواجز أوقفني جنودٌ فرنسيون ،وتقدم مني جندي ليفتشني،فاضطررت إلى الابتسام والتغنج أمامه للخروج من الورطة،فابتسم وسألني ماإذا كنت مستعدة للخروج معه بعد نهاية عمله في المساء فرديت بالإيجاب، فتراجع عن فتح صندوق الأسلحة واكتفى بسؤالي عن محتواه فأجبت بأنه يحوي أحذية، فحمل الصندوق وأعطانيه وصرفني وأكد على موعد المساء، فانصرفت وأنا لا أصدق بالنجاة· وهناك موقف آخر صعب حيث أصبت بخمس رصاصات في يدي ورجلي في المعركة التي أُسرت فيها بجبال ''الشبلي'' وكاد أحد الجنود الفرنسيين أن يهم بالإجهاز عليّ لكن جندياً آخر منعه من ذلك، فعزف عن قتلي واكتفى بأسري، وتسببت هذه الرصاصات في إعاقة إحدى رجلي إلى الآن· وفي أي عام تم القبض عليك؟ كان ذلك في 29 سبتمبر 1957 · وهل كان ذلك نتيجة وشاية؟ لاشك أن الخائن قندريش قد بلّغ عني أيضا حيث علمت بعد انتقالي إلى ''الشبلي'' أن جنودا فرنسيين داهموا بيتنا للقبض علي ولم يجدوني· وفي نفس السنة أُعتقلت أختي مليكة وأختي فطيمة وأمي وأبي وجدتي بالجزائر وكذا أخي واثنان من أخوالي بفرنسا بعد أن اكتشف أمر انضمامهم إلى ''فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا'' ونضالهم هناك لحشد الدعم المالي والمعنوي للمهاجرين الجزائريين للثورة التحريرية·· ولم أمكث بجبال''الشبلي'' سوى شهرين ثم تم القبض علي بعد معركة غير متكافئة بين 8 مجاهدين والكثير من الجنود الفرنسيين الذين حاصرونا من كل جانب واكتشفوا مخبأنا الجبلي الذي لجأنا إليه بعد إصابتنا بجروح· تعذيب جهنمي صرحت بأنك تعرضت لتعذيب وحشي في السجن· ما هي تفاصيل الجريمة؟ فور القبض علي عالجوني على جناح السرعة من الرصاصات الخمس التي تلقيتها، وبعدها نقلوني إلى سجن ''بارادو'' بأعالي الجزائر العاصمة وهو سجن تابع للمضليين الفرنسيين وقضيت هناك شهرين ونصف تحت تعذيب جهنمي لا أتمناه لعدوي؛ إنه تعذيب يفوق الوصف والاحتمال ولا أتمناه حتى للكلاب وقد سبّب لي آلاما نفسية لن أنساها أبدا، وكان الهدف منه انتزاع اعترافات مني عن مواقع المجاهدين وأسمائهم ومعلومات أخرى خاصة بالثورة· وكان المبدأ العام بيننا هو ضرورة الصمود 8 أيام ريثما يغيّر المجاهدون مواقعهم وبعدها يمكن الاعتراف، لكن التعذيب الوحشي طال شهرين ونصف، ولو وجدت وسيلة للانتحار لما ترددت لحظة لإنهاء عذابي · بعدها، نقلوني إلى سجون عديدة في الجزائر وفرنسا ووجدت هناك العشرات من المجاهدات الجزائريات والمناضلات الفرنسيات المتعاطفات مع الثورة· وبقيت مسجونة إلى غاية 16 فبراير 1962 حيث تمكنت من الفرار من سجنٍ بفرنسا بمساعدة مناضلين فرنسيين متعاطفين مع الثورة الجزائرية، وقام هؤلاء بإخفائي ثم إعادتي إلى الجزائرمتنكرة إثر التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة التحرير وفرنسا في 18 مارس 1962 ولم تكن بحوزتي أية وثيقة هوية· لحظات تاريخية وكيف عايشت لحظات الاستقلال بعد 132 سنة من الاحتلال وسبع سنوات ونصف من الكفاح ضد واحدة من أعتى القوى الاستعمارية في التاريخ؟ لا أستطيع أن أصف تلك اللحظات التاريخية؛ كانت لحظات رهيبة امتزجت فيها الفرحة بعدم التصديق والذهول والاستغراب؛ أجل، لقد مرّعليّ وقت وأنا لا أصدق أن الجزائر استقلت فعلا عن فرنسا بعد هذه المدة الطويلة من الاحتلال والشراسة التي أبدتها فرنسا في حرب التحرير حيث عملت المستحيل للاحتفاظ بالجزائر· ولكن الحمد لله، الاستقلال تحقق بعد دفع مليون ونصف مليون شهيد وتقديم تضحيات جسام والتصدي للفرنسيين ببسالةٍ وإصرار لدحرهم مهما كانت التضحيات· لم تحظ مئات المجاهدات البارزات بأية مناصب في الدولة بعد استقلال الجزائر عكس المجاهدين الذين هيمنوا على الحكم·· لماذا؟ لقد هُمّشن، ثم إن التقاليد تفرض عليهن الاستقرار والزواج، كانوا يقولون لنا: لقد قمتن بواجبكن، الآن تفرغن للزواج والبيت لإنجاب جيل يخلف العدد الكبير من الشهداء، وتزوجت في 8 يونيو 1963 مجاهداً كان يعمل في جهاز مخابرات الثورة ولي منه ابنتان وهما متزوجتان الآن ولهما أطفال· مقاضاة الجلاد رفعت دعوى قضائية على الجنرال ''شميت'' بتهمة التعذيب وانتهاك عرضك··إلى أين وصلت القضية؟ قبل ذلك أود أن أوضح لماذا لم أتكلم سنوات طويلة،بعد هروبي من السجن وعودتي إلى الجزائر في ··1962 سألتني أمي عما إذا كنت قد عُذبت فشرحت لها ماذا أصابني في السجن وكيف تعرضت لانتهاك العرض ثم بتر ثدييّ، فطلبت مني ألا أتحدث عن التفاصيل لأحدٍ، فلبيت طلبها خصوصا وأني كنت أشعر بمرارة كبيرة لما حدث لي ،والتزمت الصمت إلى غاية أواخر الثمانينات حيث توفي أبي في 1989 وتدهورت صحة أمي كما بدأت أشعر بآلام على مستوى قلبي فخفت أن يداهمني الموت قبل أن أدلي بشهادتي وبالتالي أحرم أجيال الاستقلال من حقيقة ما حدث لي، فخرجت عن صمتي وقررت رفع دعوى قضائية على جلادي الجنرال ''شميت'' أمام محكمة فرنسية·· وقد أدانته في البداية، إلا أن محكمة النقض أصدرت حكما لصالحه لأنه ماسوني وأعضاء المحكمة ماسونيون بدورهم ،وقررت الاستئناف حتى أتمكن لاحقا من رفع دعوى قضائية ضده أمام المحاكم الدولية المختصة، كما أني فضحت الجنرال شميت في القنوات التلفزيونية الفرنسية· الملاحظ أن تهديدات المجاهدين برفع دعاوى قضائية على فرنسا بتهمة التعذيب لم تترجم إلى عمل جماعي·· لماذا برأيك؟ إنه أمر مؤسف، وقد انتظرت طويلا القيام بعمل جماعي من هذا النوع، ثم قررت التحرك وحدي مهما كانت النتائج·· وأود أن أؤكد أنني لم أتلق أي دعم رسمي في مسعاي، بل تحركت بإمكاناتي الخاصة وساندني في ذلك العديد من المحامين الفرنسيين الذين تطوعوا للدفاع عني بصفتهم متعاطفين مع الثورة التحريرية ومنهم محامون يهود· وأتأسف أكثر حينما يجتمع آلاف المستعمرين ويهود الجزائر ويرفعون دعوى قضائية على الجزائر في المحاكم الدولية للمطالبة بالتعويض عن أملاكهم المزعومة بينما لانجتمع نحن الضحايا أصحاب الحق على كلمة واحدة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©