الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

سفراء غير معتمدين

سفراء غير معتمدين
15 يوليو 2012
شاب يمشي وحوله إثنان من الحرس مفتولي العضلات لا يفارقانه إنْ جلس أو تحرك... قلت لصاحبي: لابد أنه ابن مسؤول مهم حتى يرافقه هذا الحرس! ضحك صاحبي وقال : لا مسؤول ولا مهم، أنا أعرف هذا الشاب وأعرف أهله، لكن كل ما في المسأله أنه أستأجر هؤلاء الحرس "لزوم" المظهر أو "الفشخرة"، حتى يبدو مهماً أمام الناس. هل تريد عشرة من الحرس سأتيك بهم؟! لكن عليك أن تدفع، قلت -مازحاً-: أعتقد أنني وإياك لو تعرضنا للخطف، فإن الخاطفين سيشفقون علينا ويعطوننا أجرة المواصلات حتى نعود، لأنهم سيكتشفون أن خطفنا خسارة لهم! هذه الصورة وغيرها من الصور يمكن أن تشاهدها هذه الأيام في كثير من المدن التي يذهب إليها السائحون العرب هرباً من حر الصيف، أو بحثاً عن تغيير للمكان أو لقضاء أوقات سعيدة مع العائلة والأصدقاء. لكن بعض السائحين لا يراعي وجوده في تلك المدن أو الدول وأنه بمثابة سفير غير معتمد لبلاده، ففي أوطاننا يعرفنا الناس بأسمائنا، وفي الخارج يعرفنـا الناس بأوطاننا، تلك حقيقة يعرفها كل من سافر، لكنها حقيقة يتغافل عنها بعض من سافر للخارج- أيضاً- فيتصرف كما لوكان وحيداً في المكان معتمداً على جهل الناس به حيث يعتقد أن الناس في وطنه يعرفونه فيحرص على تجنب الأخطاء حتى لا يسيء إلى نفسه أو عائلته، وحين ينطلق للخارج يطلق "عقالـه" فيتصرف كما يشاء دون أن يقيم وزناً لأحد، ويحاول أن ينقل سلوكياته وتصرفاتـه التـي اعتاد أن يمارسهـا في بـلاده إلى تلك المجتمعـات حتى ولو كانـت مخالفة لما عليه أهل تلك الدول باعتبار أنه سائح، وأنه يتحرك بـ" ماله"، الذي يحتاجون إليه! ويعلم من سافر للصيف في مدن العالم كيف يتصرف"بعض" السائحين العرب، وكأنهم يُرسخون الصورة التي ترسمها وسائل الإعلام عن الإنسان العربي، فهو في نظرهم "همجي غير ملتزم بالنظام ،"مغرور ولا يحترم الآخرين" إلى غير ذلك مما تعج به وسائل الإعلام وتروج له مستندة إلى تصرفات بعض السائحين العرب، ولك أن تجد نماذج كثيرة من هذا. ففي إحدى المدن يتبع الناس نظاماً لركوب سيارات الأجرة في المراكز الكبرى إذ أن هناك مكتباً يذهب إليه الراكب ويحدد الجهة التي يريد الذهاب إليها ويدفع الأجرة ثم يأحذ الوصل ويعطيه لسائق سيارة الأجرة حتى يوصله إلى وجهته. لكن كثيراً من السائحين العرب في تلك المدينة "غيروا من نظامها" إذ يعمدون إلى اقتنـاص سيـارة الأجرة قبل وصولهـا للموقـف ويدفعـون لهـا أجراً أكبر لتقلهـم إلـى وجهتهـم حتـى لا يضطـروا للانتظـار فـي الطابـور لخمـس دقائـق، وأصبح السائقون لا يلتزمون بالنظام بل يبحثون عن السائح العربي فهو يدفـع أكثر! مما أوجد استياءً لدى سكان تلك المدينة من السائحين العرب. مشهد آخر، مجموعة من الشباب العربي يجلسون على طاولة أمام أحد المقاهي في عاصمة أوروبية، وقد أوقفوا على الرصيف سيارتهم التي شحنوها من بلدهم، فهي مازالت تحمل لوحات ذلك البلد، وحين نبههم أحد سكان تلك المدينة أن ذلك مخالف للنظام، وأنهم سيضطرون لدفع غرامة، كان جوابهم: وماذا في ذلك؟ الأموال كثيرة لدينا! وهذه الأموال قد توقعهم في مخاطر خاصة حين يحملون كميات كبيرة منها، فسيدة تحمل في حقيبة يدها ما يعادل سبعين ألف درهم في مدينة أوروبية، وكلما اشترت شيئاً أخرجت جميع تلك الأمول حتى يراها الجميع وهي تصرف المال، مما أغرى اللصوص والنشالين بملاحقتها حيث اقتنصوا فرصة عبورها الشارع واختطفوا الحقيبة بما فيها من المبالغ والهواتف وغيرها، بينما بقيت هي تولول وتشتكي أمام المارة! هذه صور من ممارسات بعض السائحين العرب الذين لا يمثلون الشريحة الكبرى منهم لكنهم يمثلون الشريحة البارزة. فالصحافة ووسائل الإعلام لا تهتم بالسائح الذي يعيش حياته بصورة طبيعيـة، لكنها تبرز على صفحاتها الأولى الأخبارالسيئة للسائحين العرب، الذين لا يعرفون من مدن العالم إلا أسواقها ومقاهيها، بينما تعج تلك المدن بالمتاحف والمراكز والمكتبات والحدائق العامة والمتخصصة والفنون، وحدائق الحيوانات المغلقة والمفتوحة والأماكن التاريخية والأثرية والمناطق الطبيعية التي نفتقدها في أقاليمنا الصحراوية الجافة، بينما تمتلئ بها تلك المناطق الكثيرة ولا يلتفت إليها كثير من السائحين العرب، سألت- ذات مرة- رجلاً أعرفه التقيت به في لندن وقد جاءها سائحاً عن الأماكن التي زارها فلم يتجاوز شارع أوكسفورد، وحديقة "هايدبارك"، فسألته إنْ زار أحد المتاحف في لندن التي تعج بعشرات منها، فكان رده: يا دكتور.. لقد جئنا لنرتاح لا لنزور المتاحف! إن هذه الصور وغيرها لا تمنع من الإشارة إلى أن هناك من السائحين من يخطط للاستفادة من سياحته ليزداد معرفة وثقافة وتسلية، فالسياحة اليوم هي إحدى مصادر المعرفة المهمة في الحياة، كما أنها مصدر لاكتشاف ثقافات الآخرين وحياتهم والاستفادة من تجاربهم، وهي فرصة قد لا تتيسر لكثير من الناس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©