السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وداعاً ... يا شهر رمضان

وداعاً ... يا شهر رمضان
7 أغسطس 2014 20:10
منذ أسبوع ويزيد، غادرنا شهر رمضان المبارك، شهر القرآن والإيمان، فودّعه المؤمنون بقلوب يملؤها الحزن العميق، ونفوسٍ يعتصرها الألم على فقده وفراقه، وذلك لأن العبادة والطاعة، والتوبة والإنابة، والتقوى والهداية، وصفاء الروح وتزكية النفس، وطهارة الخلق والضمير، ونُبل المشاعر والعواطف، كل هذا مما يُهيئه شهر رمضان المبارك في أجوائه الصالحة، ويجعل المسلمين يتحققون به ويشعرون بوجوده. لذلك، فإن عباد الله المؤمنين يتمنون أن يكون شهر رمضان العام كله، لما يعلمون فيه من الخير والبركة، وغفران الذنوب والرحمة، وصلاح القلب والأعمال. لقد رحل شهر رمضان إمَّا شاهداً لنا أو علينا، فقد انفضَّ موسم الخير في شهر الصوم، موسم مضاعفة الأجر والثواب، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، ونسأل الله أن يكون شاهداً وشفيعاً لنا، كما جاء في الحديث: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَة فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ: قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ»، (أخرجه أحمد). إن لربنا في دهرنا نفحات، تأتينا نَفْحةٌ بعد نفحة، تُذَكِّرنا كلما نسينا، وَتُنَبِّهنا كلما غفلنا، فهي مواسم للخيرات والطاعات، يتزود منها المسلمون بما يُعينهم على طاعة الله سبحانه وتعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)، «سورة البقرة: الآية 197». ومن هنا، فإن الواجب على المسلم بعد رمضان أن يقف وقفات يحاسب فيها نفسه، ويراجع فيها سِجلَّه، وينظر فيما قدّم، هل أدى الواجب أو قصَّر؟ أمَّا مَنْ أدى الواجب فَمِنْ حقَّه أن يفرح، وهذا معنى: «ولِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»، (أخرجه البخاري). انقضى رمضان، ككلّ شيء في هذه الدنيا ينقضي ويزول، كل جمع إلى شتات، وكل حي إلى ممات، وكل شيء في هذه الدنيا إلى زوال، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، «سورة القصص، الآية 88». إذا عاش الفتى ستين عاماً فنصفُ العمر تمحقه الليالي ونصفُ النصفِ يذهبُ ليس يدري لغفلته يميناً مع شمال وباقي العمر آمالٌ وحرصٌ وَشُغْلٌ بالمكاسبِ والعيال فهنيئاً لمن أخلص في تجارته مع مولاه في هذا الشهر العظيم، وأحسن المعاملة مع خلقه، وضاعف الله له الثواب والأجر العظيم بجنةٍ عرضها السموات والأرض أُعِدّت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، فهنيئاً لمن قام رمضان إيماناً واحتساباً، فغفر الله له ما تقدم من ذنبه، ورحم الله القائل: غداً تُوَفَّى النفوس ما كسبتْ ويحصد الزّرّاعون مَا زَرَعُوا إن أحسنوا فقد أحسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا فبئس مَا صَنَعُوا ومن الأمور المؤسفة أن بعض الناس يُقبلون على الله في رمضان، فإذا ما انتهى رمضان انتهى ما بينهم وبين الله، قطعوا الحبال التي بينهم وبين الله، فللأسف لا يعمرون المساجد، ولا يفتحون المصاحف، ولا تلهج ألسنتهم بالذكر والتسبيح، كأنما يُعبد الله في رمضان ولا يُعبد في شوال وسائر الشهور. فقد ورد أن بعض السلف كانوا يقولون: بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، كُن ربانياً ولا تكن رمضانياً. إن الواجب علينا أن نواظب على طاعة الله ورسوله في كل وقت، فالله عز وجل يحب من العمل أدومه وإن قلَّ، فإياك يا أخي القارئ أن تنقطع عن العبادة بعد رمضان، فهذا ما لا ينبغي، فليس من اللائق أن يكون لك في رمضان حظٌّ من التلاوة، ثم بعد ذلك تهجر المصحف إلى رمضان القادم، وأن يكون لك حظٌّ من المسجد، ثم بعد ذلك تنقطع عنه إلى رمضان القادم، فهذا لا يليق. واعلم أخي المسلم بأن العبادة والطاعة لا تنقطع وتنتهي بانتهاء شهر رمضان المبارك، فلئن انقضى صيام شهر رمضان فإن المؤمن لن ينقطع عن عبادة الصيام، فالصيام لا يزال مشروعاً، فقد روى أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، (أخرجه مسلم)، وجاء تفسير ذلك في حديث آخر رُوِيَ عن ثوبان، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صِيَامُ شَهْرٍ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُنَّ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ تَمَامُ سَنَةٍ»، (أخرجه الدارمي)، يعني - شهر رمضان وستة أيام بعده-، فصيام رمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بشهرين، أي: صام السنة كلها، وإذا استمر على ذلك كل سنة، فقد صام الدهر كله، وقد تعددت آراء العلماء في ذلك، فبعضهم يقول: يتبعها في اليوم الثاني للعيد، والبعض قال: المهم أن تكون في شوال، وليس من الضروري أن يصومها ستاً متتابعة، ويمكنه صيامها متفرقة. كما شرع الإسلام صيام ثلاثة أيام من كل شهر لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَصُمْ ثَلاثَةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ»، (أخرجه الترمذي)، وكذلك صيام يوم عرفة، وصيام يومي الاثنين والخميس، وصيام شهر الله المحرم. ولئن انقضى قيام شهر رمضان فإن القيام لا يزال مشروعاً، فقد روى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: «إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيَقُومُ - أَوْ لَيُصَلِّي - حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ-، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟»، (أخرجه البخاري). إنّ من المؤسف أن يحصل عقب رمضان لبعض المسلمين ضعفٌ في الخير وشغلٌ عن الطاعة وانصراف للَّعب والراحة، ووهنٌ للهمم وفتورٌ للعزائم. ليعلم ذوو الألباب أن الطاعات والمسارعة فيها ليست مقصورة على رمضان ومواسم الخير فحسب، بل عامة لجميع حياة العبد، وإنما كانت تلك منحاً إلهية وهبات ربانية امتنَّ الله بها على عباده، ليستكثروا من الخيرات وليتداركوا بعض ما فاتهم. إن نفحات الخير تأتينا نفحة بعد نفحة، فإذا ما انتهينا من أداء الصلوات المفروضة، تأتي النوافل المتعددة المذكورة في كتب الفقه، ولئن أدينا الزكاة المفروضة فإن أبواب الصدقات النوافل مفتوحة طيلة العام، ولئن أدينا فريضة الحج فإن أداء العمرة مُيَسَّرٌ طيلة العام، وهكذا الخير لا ينقطع وهذا فضل من الله ونعمة. فلذلك يجب علينا أن نواظب على الطاعة في كل وقت، وأن نحرص على التزود بالتقوى، فنحن مخلوقون لعبادته وطاعته سبحانه وتعالي، امتثالاً لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ *مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ *إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، «سورة الذاريات: الآية 56 - 58»، ونحن لا ندري متى سيأتي أجلُ الواحدِ منا؟!، فها نحن نرى موت الفجأة قد انتشر بيننا، فهل نعتبر؟! وهل نستعد لساعة آتية لا محالة؟! وكما قال الشاعر: تَزَوَّدْ للذي لابُدَّّ منه فإن الموتَ ميقاتُ العبادِ أترضى أن تكونَ رفيقَ قومٍ لَهُمْ زادٌ وأنتَ بغيرِ زادِ؟ إن المواظبة والمحافظة على النوافل والسنن بعد أداء الفرائض، تجعل الإنسان يزداد تقرباً من الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث الشريف: «. . . َمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ»، (أخرجه البخاري). فلذلك يجب علينا الاستمرار في طاعة الله، في السراء والضراء، وفي العسر واليسر، وفي السفر والإقامة، وفي جميع الأحوال، للحديث الشريف «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ»، (أخرجه الترمذي).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©