منذ قديم الزمان·· لقب الشخص السعيد بطويل القلب، والمكتئب أو المريض النفسي بقصير القلب، كما تدلل على ذلك أوراق قدماء المصريين، وعلى وجه التحديد بردية ''ابرز'' في عام 1500 ق· م· وربما كانت تلك الدلائل والملاحظات غير العابرة قد بنيت في ذلك الماضي على أساس من المشاهدات التشريحية والنفسية، وليس عجيباً أن نقتنع بمصداقية ذلك، لاسيما والقلب بدوره الفاعل ـ بإذن الله ـ بمثابة السلطان المنظم ليس للدماء فحسب، بل ولكل ما يطرأ معها على الجسم من تغيرات وانفعالات فسيولوجية أو بنائية مختلفة·
بل ولعلنا في الكشف عن الكثير من الاضطرابات والأمراض المتعددة نتخذ من صدى نبضاته، أو تتابع ايقاعه إطاراً مرجعياً نرجع إليه في الحكم على الأشخاص بالصحة والاعتلال على السواء، فالقلب هو الحياة، والحياة هي القلب، بل وما سمي بالقلب إلا لتقلب أحواله تماماً كما هي الحياة·
ولعل من أحوال الحياة·· السكينة والطمأنينة··وموطن الإحساس بهما القلب وربما عبر عن ذلك أحدنا بقوله: أشعر بالسكينة في قلبي، أو ربما تحسس أحدهم صدره إشارة إلى ذلك الشعور بالاطمئنان، وكذلك من أحوالها الفزع والهلع·· وعندها ربما صرخ لاهثاً: قلبي، أو تحسس قلبه، دون تلفظ·
وينعت القلب بنعوت عديدة·· فهو تارة المهجة، وتارة الفؤاد، وكلها ترتبط بعاطفة الحب أو المودة·· والتي بها ومعها تتسامى الحياة·· أو كما يفترض على أقل الأحوال·
والقلوب اللينة أو الشفافة العامرة تنعكس على شخوص الأتقياء أو ذوي الإنسانية، أما القلوب الداكنة الموسومة بالسواد، فلا شك أن أصحابها من الأعداء وممن جاءوا تحت مسمى المنافقين أو الغرباء من المتحذلقين، ويوصف القلب كذلك بما توصف به الخلائق من صفات·· فهناك القلب الطيب على سبيل المثال وهناك القلب الرحيم، والقلب العظيم أو حتى الضعيف، ومن أصدق ما نراه أنه كلما غرس الإنسان في قلبه غرسة·· يجتني ثمارها من قلوب الآخرين· فإما أن تكون غرسة جميلة، وأما أن تكون غرسة حنظلية·· حيث لا رائحة زكية ولا طعماً مستساغا، بل ربما تجرحه أشواكها حتى الإيلام، ويقلق أمنه وراحته طنين دبابيرها، أو نعيق غربانها، والحرية الحقة في الحياة·· تجدها لدى من يتسامون بغرائزهم، حيث الحب في الله أسمى غاية، وأجل رسالة·· وحيث يحاسب الله سبحانه الناس على قلوبهم، وما انطوت عليه تلك القلوب·
سعود عبدالعزيز العتيق
أم القيوين
عدد اليوم
