الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

"الياقات الزرقاء" رهان التنمية في الصين

"الياقات الزرقاء" رهان التنمية في الصين
11 أغسطس 2006 23:55
إعداد - عدنان عضيمة: كل من تكتب له زيارة الصين والتجول في شوارع مدنها الرئيسية خلال أوقات الدوام الرسمي، لا بد أن يتساءل عما إذا كان بالفعل في دولة يفوق عدد سكانها المليار و600 مليون نسمة بعد أن يلاحظ أنها تكاد تخلو تماماً من الناس حتى في أكثر أسواقها ازدحاماً· وعندما يسأل أحد الصينيين عن تفسير لهذا اللغز، يكون جوابه جاهزاً: الكلّ يعمل· ولو كتب للزائر أن يتسلل إلى أحد المصانع، كمصنع للأحذية مثلاً، فسوف يرى أرتالاً وصفوفاً من العاملين والعاملات بأزيائهم الموحدة التي يتم اختيارها بعناية فائقة، وهم جالسون وراء بعضهم بانتظام شديد حتى لكأنهم اصطفّوا هكذا بالاستعانة بمسطرة هندسية ضخمة· وربما كان ما يثير القدر الأكبر من الإعجاب هو سلوكهم الجاد والمنظم وهم يجلسون أمام آلات الخياطة حتى يخال الناظر إليهم أنهم آلات حقيقية مبرمجة· ولا عجب بعد ذلك أن يخرج توماس فولير المحلل الاقتصادي في صحيفة ''ذي وول ستريت جورنال'' من هذا المشهد المثير بالنتيجة التي تفيد بأن هذه ''الياقات الزرقاء'' هي التي تقف بقوّة وراء المعدل العالي للنمو الذي ما فتئت تحققه الصين خلال السنوات العديدة الماضية حتى أضحت بحق ''دولة الاقتصاد العملاق''· إلا أن الفكر الاقتصادي التحليلي الثاقب عند فولير يسمح له برؤية أشياء خافية في خلفية هذا المشهد قد لا يراها الإنسان العادي؛ حيث يقول إنه إذا كان هؤلاء العمال المجتهدون هم الذين يقفون وراء هذه الدفعة القوية الموجهة إلى الأعلى للاقتصاد الصيني والتي تشبه الحركات التكتونية الأرضية التي تؤدي إلى نشوء الجبال، فإنهم الوقت نفسه باتوا يمثلون عامل تهديد قوي للاقتصاد الأميركي ينذر بتعميق الخلل القائم في ميزان المدفوعات التجاري بين البلدين· وأمكن لفولير أن يتوصل إلى هذه النتيجة التحليلية المهمة من مجرّد زيارة قام بها إلى مصنع صيني للأحذية يقع في ضواحي مدينة تيانجين الصناعية الشمالية؛ والتقى هناك عاملة تدعى ''وانج هايون''، هي ابنة لأب وأم يعملان معاً في زراعة القطن، حيث قالت له وهي تشير إلى العاملات الجالسات وراء آلات خياطة الجلود: ''لعلك تتفق معي بأن هؤلاء الفتيات اللواتي يجلسن وراء آلاتهن لهذه الأوقات الطويلة كان يفترض فيهن أن يكنّ بدينات؛ ولكنك ترى أن هذا غير صحيح!!''· وربما كانت ترمي من وراء ذلك للإشارة إلى الفواصل الزمنية التي يمارسن خلالها التمارين الرياضية في أوقات محددة قبل وأثناء وبعد الانتهاء من العمل· وقد تكتمل الغرائب التي ينطوي عليها هذا المشهد عند الحديث عن الإنتاجية العالية والأجور المنخفضة إلى حد لا يصدق لتلك الفتيات حيث تنتج الواحدة منهن 600 زوج من الأحذية في اليوم بأجر يعادل أقل من ''بنس'' واحد لكل حذاء· ومعنى ذلك أن معدل الأجر الذي تتقاضاه العاملة في اليوم يبلغ ستة دولارات أو نحو ''50 يوانا صينيا''· وبات هذا الانخفاض الهائل في أجور العمل والإنتاج في المصانع الصينية الذي تقف وراءه ''الياقات الزرق'' ويمتد إلى آلاف المصانع المنتشرة في طول البلاد وعرضها، يمثل شبحاً مخيفاً بالنسبة للمحللين وأصحاب القرار الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة وأوروبا· ويأتي هذا الخطر من أن أساسيات تعاليم المذهب الرأسمالي التي تقضي بفتح الأسواق كلها أمام المنافسة ولعبة العرض والطلب وفقاً لمبدأ ''دعه يعمل، دعه يمرّ''· ثم إن الارتفاع الكبير لسعر اليورو والدولار والين مقابل اليوان الصيني يسهم في تنشيط الصادرات الصينية إلى تلك الأسواق مما يؤدي في النهاية إلى منافسة الإنتاج المحلي وتفشي البطالة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©