الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأسطورة مرآة اللاوعي

الأسطورة مرآة اللاوعي
19 يناير 2011 20:06
سعى الدارسون للأسطورة بمناهجهم واتجاهاتهم المختلفة لتقديم قراءات مختلفة لكيفية تشكلها والأساس الذي تنطلق منه في صياغة عالمها ورموزها وشخصياتها، ويعد غوستاف يونغ من أهم الدارسين الذين تناولوا الأسطورة بالتحليل والدراسة من زاوية علم نفس الأعماق لاسيما في نظريته حول اللاوعي الجمعي الذي اعتبره الأرضية الخصبة للمخيلة الأسطورية. لقد شكل يونغ ظاهرة في التحليل النفسي، وفي هذا الكتاب يقدم ستيفن ووكر دراسة يتناول فيها النظرة اليونغية إلى أصل الأسطورة ووظيفتها التي تتجلى في التعويض من خلال الدفع بالجوانب المهملة في الشخصية المجتمعية والفردية إلى ساحة الوعي بغية تحقيق التوازن والكمال لدى تلك الشخصية. كما يحاول استجلاء المفاهيم المختلفة التي قدّمها تلامذته وممثلو هذا الاتجاه. مقاربات لدراسة الأسطورة يقدم الكتاب عرضا لمقارابات يونغ لدراسة الأسطورة إلى جانب مقترحات تطبيق هذه المنظورات النظرية على الأساطير والنصوص الثقافية التي تكون فيها الأساطير حاضرة وتلعب دورا رئيسا وذلك عبر خمسة فصول يستهلها بدراسة الأسطورة باعتبارها نماذج بدئية للوعي الجمعي حيث يوضح وعورة التناول اليونغي للأسطورة والذي اعتمد فيه على مفهوم الصورة بعد أن خلقت الثقافات تنوعا مذهلا من مخزون الصور الأمر الذي جعل الأسطورة مرآة لللاوعي الجمعي والأساس النفسي للحياة البشرية. وبعد أن يعرِّف مفهوم النموذج البدئي باعتبارها أشكالا غريزية يوضح يونغ العلاقة بين الغرائز والنماذج البدئية معتبرا أن الغرائز هي دوافع فيزيولوجية تدرك بالحواس لكنها تظهر كتخيلات وهي تعبر عن نفسها غالبا بالصور الرمزية. إن الوعي الجمعي ينتمي عنده إلى نوع من الأفكار التي تفترض طبيعة بشرية كونية إن لم تكن أزلية حيث لا تنتهي قائمة النماذج البدئية تقريبا ما دام كل نموذج بدئي يتطابق مع تنوع ما في الوضع البشري. ويطرح المؤلف سؤالا جوهريا حول مدى اشتراك البشرية كلها في النموذج البدئي أم إنه يختلف من عرق بشري إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى ثم يجيب عنه من خلال طروحات يونغ الأخيرة التي ترى فيه إرثا بشريا عاما. لكن المؤلف يعود ليطرح سؤالا آخر يتفرع من الأول عن التنوع المذهل للنماذج البدئية عند البشر وكالعادة يجيب عنه بالمطالبة بضرورة التمييز بين النموذج البدئي والصورة النموذج بدئية كما تكشف عن ذلك كتابات يونغ التي حددت تلك الفروق في أربعة لينتقل إلى فحص الكيفية التي تشكل فيها الصور النموذجية البدئية جسرا بين النماذج الأصلية والأساطير وشرح علاقة يونغ بالرؤية الأسطورية حيث يرى الأخير أن التخيلات الخلاقة للخيال البشري هي التي تخلق الأساطير من الصور النوذجية البدئية. الأسطورة كتعويض تلعب الأحلام في نظرية يونغ دورا تعويضيا في الحياة النفسية للفرد فهي بمثابة نشاط للجزء غير الواعي من العقل البشري، كذلك تكون الأساطير على مستوى الحياة الجمعية للثقافات فإذا كان المجتمع هو أساس النفس الفردية على نطاق واسع، حيث يتطلب عقل الفرد الواعي تأمين المزيد من التوازن والانسجام والتعويض في اللاوعي، فإن أي ثقافة تحتاج إلى إعادة تعديل منظورها الجمعي بواسطة الأسطورة والرمز، والفنان الذي يصنع الأسطورة هو الذي يقوم باكتشاف الصور النموذجية البدئية التي تحتاجها الثقافة والعصر من أجل تحقيق توازن أكبر. ويقدم الباحث أمثلة عديدة قدّمها يونغ لبيان الدور التعويضي الذي تقوم به الأسطورة مستقاة من رواية يوليسيس لجيمس جويس وفاوست لغوته. وينتقل الباحث في فصل الكتاب الثاني من العام إلى الخاص عندما يتناول الأسطورة الغربية للنفس في ضوء مساهمة يونغ بوصفه منظرا للأسطورة في المقام الأول، تجلى اكتشافه في تأكيد وجود دوافع أسطورية في الأحلام والتخيلات. لقد عني علم النفس التحليلي اليونغي قبل أي شيء آخر بالعالم الداخلي التفساني للفرد مع التأكيد على القيمة الخاصة لمعطيات العالم الخارجي من حيث اعتباره داعما للبحث في هذا المجال الذي وازن فيه اليونغيون بين الأساطير والأحلام. ويعد النقد الأدبي من أكثر الاتجاهات التي عملت على توظيف النظرية اليونغية في ميدان الدراسة الأدبية. ويشرح كيفية الربط الذي تقوم به دراسة الأساطير في تعرف الإنسان إلى ذاته، إلى جانب شرح مفهوم الظل الشخصي الذي يمثل في نظرية فرويد اللاوعي أو الجانب المكبوت من الشخصية الفردية؛ حيث يمثل الظل عنده الجانب الشرير من النفس، فهو يحتوي على عناصر مكبوتة من الوعي العادي للفرد. يشرح الباحث تقسيم يونغ للنموذج البدئي الذي يتألف من الأنيما (النموذج البدئي مؤنث) والأنيموس (النموذج البدئي المذكر) حيث يشكلان تمثيلا نفسيا للغريزة الجنسية، ويقومان بعملية التعويض، فالأنيما هو العنصر الأنثوي اللاواعي في الرجل، والأنيموس العنصر المذكر اللاواعي عند المرأة ويتأثر هذه الأشكال بالتجارب العملية للفرد مع أفراد الجنس الآخر منذ المرحلة العمرية المبكرة ويبرهن يونغ على صحة نظريته بوجود الأمزجة اللاعقلانية عند الذكر وهي يمكن أن تلعب دورا سلبيا عند الذكر الذي لا يعرف جانبه الأنثوي. ويؤكد الباحث أن يونغ اكتشف صور الأنيما في الأدب من خلال الشخصيات الأسطورية في عدد من الروايات أهما رواية دكتور جيفاكو لباسترناك. ويضيف أن الكاتبة فرجيينا وولف كانت قد اكتشفت الأنيما من خلال دراستها للشخوص الأنثوية الشهيرة في الأدب الذي كتبه الرجال، إذ افترضت بأن الكتاب الذكور كانوا يرسمون صورا للأفكار التعويضية عن الأنثى التي في داخلهم بأبعادها السلبية والإيجابية من خلف قناع خلقهم لشخوص أنثوية روائية. ويبين الباحث أن يونغ يؤكد أن الرجل لا يستطيع أي خبرة مباشرة عن الأنيموس لأنها ليست من مكوناته لكنه يستطيع اختبار قوته لدى المرأة على نحو غير مباشر حيث يشكل أنيموس المرأة مصدر الآراء التي لا تقبل الجدل عندها وينتج عنها موقف ساخط ونقد متعالي وميل إلى مناقشة أمور قليلة الأهمية. وفي دراسته للذات في النظرية اليونغية يرى أنه يمكن للذات أن تعبر عن نفسها عبر عديد الصور النموذجية البدئية حيث تتماشى أفكار يونغ وصوره حولها مع الأفكار والصور التي تتعلق بالمصدر النهائي لوعي الذات في الأفكار الصوفية وقد كرس كل ما يستطيعه في ثلاثينيات القرن الماضي كي يستوعب تلك الأفكار الصوفية. ويذهب يونغ إلى أن عملية تطوير الشخصية والتفرد وفك الارتباط مع اللاوعي هي مفتاح للسلام العالمي، وعندما بلغ الثمانين من العمر كشف في كتاب الذات عن العلاج الشافي لرأب الصدع المأساوي بين الذات والعالم وبين الوعي واللاوعي عندما طالب بموقف ديني في مواجهة الحياة باعتبار أن الدين يسمح للبشر بمعرفة الشيء الذي يقع فيما وراء العالم الخارجي وصراعاته السياسية بحيث يساعدهم ذلك على الحفاظ على على توازنهم. ويعود الباحث في الجزء الأخير من الكتاب إلى بيان دور الأسطورة في الثقافة كتعويض وعلاقة الأسطورة بالسياسة وعلم النفس بالخيماء وتطويرات التي قدمها تلامذة يونغ لنظريته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©