الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب تنتظر الطلقة الأولى

حرب تنتظر الطلقة الأولى
19 يناير 2011 20:07
رغم كثرة الكتابات عن اسرائيل فإن القليل منها هو ما يتم بشكل علمي ويصدر عن معرفة حقيقية بالواقع والمصادر الاسرائيلية، ومن هنا تأتي أهمية الدراسات التي يقوم بها المتخصصون في الشأن الاسرائيلي والعبري، ومن بينها ما قام به احمد فؤاد انور في رسالته للدكتوراه من جامعة عين شمس حول “خلافات المتدينين والعلمانيين في إسرائيل.. مواقف الصحافة العبرية”. اعتمد الباحث على الصحف الثلاث الأكثر توزيعاً في اسرائيل وهي “يديعوت احرونوت” و”معاريف” و”ها آرتس”، وهي صحف مستقلة عامة يغلب عليها الطابع العلماني ولم يلتفت الباحث الى الصحف المستقلة ذات التوجهات الدينية لأنها ـ كما يرى ـ محدودة التأثير والتوزيع غالباً، ولا تعبر عن حزب له تمثيل نيابي في الكنيست، وقد اختار العام 2000 بداية لدراسته لأنه شهد بلوغ العملية السلمية مع الفلسطينيين طريقاً مسدوداً بعد فشل مفاوضات “كامب ديفيد 2” وهو العام الذي شهد قيام شارون زعيم المعارضة وقتها باقتحام المسجد الاقصى مما أدى الى تفجر الانتفاضة الثانية، وشهدت تلك الفترة انسحاب اسرائيل من غزة من جانب واحد ثم حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ليختفي بعد ذلك من المشهد وكذلك اختفاء ارائيل شارون بدخوله في غيبوبة، مازال بها حتى الآن، والاهم من ذلك صعود الأحزاب الدينية ومشاركتها في الائتلاف الحكومي فضلا عن وجود ممثلين لها في الكنيست. خلافات قديمة تثبت الدراسة أن الخلافات بين المتدينين والعلمانيين بدأت قبل قيام الدولة وارتفعت حدتها التي وصلت الى درجة الغليان، نظرا لشعور كل فريق بأنه لم ينل من المكاسب ما يتناسب مع حجم قوته وتأثيره في المجتمع الاسرائيلي، وقد غابت “الوسطية” بين المعسكرين مع عدم وجود قضايا ومحاور اجتماعية أو ثقافية مشتركة تربط المعسكرين، باستثناء الخطر الخارجي وقد ثبت أن الخطر الخارجي يهدئ من حدة الخلافات الداخلية في اسرائيل لكنه لا يوقفها تماما ولذا فقد قل تناول الخلافات بين المتدينين والعلمانيين في الصحف الاسرائيلية مع بداية المواجهة المسلحة مع الفلسطينيين في نهاية عام 2000 وبدايات عام 2001 لكنها عادت لتشتد مع طرح وتنفيذ خطة الانسحاب الأحادي الجانب من غزة في عام 2005. واذا كان الخطر الخارجي يخفي الخلافات بين المعسكرين فإن تحقيق السلام مع العرب وعدم استمرار الخطر الخارجي على اسرائيل سوف يؤدي الى تفاقم الصراع بين الجانبين، ويقول الباحث، ان الطلقة الاولى في معركة الانفجار الشامل داخل اسرائيل، سوف تأتي من جانب معسكر المتدينين، لانهم مازالوا الاقلية داخل المجتمع، الامر الذي قد يدفع افرادا منهم الى حالة من التطرف والتعصب تقودهم الى العنف والحلول الانقلابية لتحقيق افكارهم ورؤاهم التي لا يمكنهم تحقيقها بوسائل ديمقراطية. ويلاحظ الباحث ان المتدينين يسيطر عليهم منطق تخوين وتكفير العلمانيين ويسعون دائما لفرض الإكراه الديني والاستيلاء على اكبر قدر من ميزانية الدولة من دون الالتزام بالخدمة العسكرية الكاملة في صفوف الجيش، بالاضافة الى الارتفاع المتزايد في قوة التمثيل النيابي للتيار الأكثر تشدداً وتطرفاً على حساب تيار ما يسمى “الصهيونية الدينية الأكثر اعتدالاً”. عكست الصحافة الاسرائيلية حقيقة ان الصراع بين المعسكرين يتمحور حول من هو صاحب البيت أو من هو صاحب الكلمة العليا في الدولة؟ من اسسها بقوة السلاح وبلا مرجعية دينية أم من يحصل على الشرعية من السماء؟ وقد كان هناك اتفاق “الوضع الراهن” قبل تأسيس الدولة الذي جعل كل فريق يتقبل الآخر لكن هذا الاتفاق لم يعد كافياً ولا يلبي احتياجات وتطلعات كل فريق في ظل تنامي اعداد المتدينين في الدولة الصهيونية فضلا عن ان هناك موجة صعود الاصولية الدينية في العالم كله، في المقابل يرفض المعسكر العلماني قبول اتفاق وضع الراهن خاصة ان هذا الاتفاق لم يحد من الخلافات بين المعسكرين بل استغله المتدينون في توسيع صلاحياتهم ونفوذهم على حساب القواعد الديمقراطية. عكست الصحف موضع الدراسة رؤية تقوم على ان تدعيم المعسكر العلماني يعمق المساواة بين المواطنين ويحمي المجتمع المدني وحقوقه كما انه يبتعد بالمجتمع عن الجمود لكن المتدينين يرون في ذلك كفرا يجب التصدي له. سخرية صحفية وتلجأ الصحافة كثيراً الى السخرية في انتقاد مواقف معسكر المتدينين وتظهر تلك السخرية في مانشيتات الصحف ومقالات الرأي والريبورتاجات والرسوم الكاريكاتيرية مما يعمق الخلافات بين الجانبين وتبدو الصورة النمطية للمتدين في هذه الصحف بأنه متخلفا، ومنحرف، ومنافق ويرفض العمل وخدمة المجتمع كما يرفض الالتزام بالقوانين وعنصري تجاه المرأة، ولا تلجأ الصحف الى المواجهة المباشرة والصريحة مع المتدينين لكنها تضع الانتقادات ضمنية في موادها وعلى صفحاتها. وحرصت الصحف الاسرائيلية ـ موضع الدراس ـ على ان تبرز تورط المتدينين في جرائم اقتصادية بشكل متكرر وقصدت بذلك تأكيد عدم ارتباط التدين بالالتزام الاخلاقي العام الذي تدعو إليه الديانات السماوية خاصة ان بعضهم يرتكب جرائم تمس الشرف والمعنى ان المتدينين في اسرائيل يحرصون على أداء الطقوس الدينية اليهودية فقط. من الناحية الامنية كشفت الصحف التي تناولتها الدراسة عن انه من غير المستبعد حدوث تقسيم للدولة الاسرائيلية لتصبح كيانين لهما استقلالية ما، على غرار تايوان والصين وكشفت الصحف ايضا تذمراً داخل صفوف الجيش من التفرقة في التعامل والواجبات بينهم وبين نظرائهم المتدينين، وقد يتحول هذا التذمر الى خطوات عملية عنيفة قد تصل الى حدوث انقلاب عسكري. الخلاف خطير في اسرائيل خاصة ان مؤسسي الفكرة الصهيونية والدعاة لإنشاء دولة اسرائيل قبل اعلان قيامها كانوا من العلمانيين ومازالت أغلبية السكان من العلمانيين لكن طلاب المدارس الدينية في ازدياد وأعداد المتدينين في ازدياد مما يهدد بتفاقم الأزمة. توقفت الدراسة عند نهاية سنة 2007 لكن مازلنا بحاجة لمواصلة هذا البحث في ضوء صعود حكومة متطرفة في اسرائيل وتبني تلك الحكومة لفكرة يهودية الدولة العبرية بما يعني مزيداً من القوة للمتدينين ومزيداً من العنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©