الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا ليست ألمانيا الشرقية

19 يوليو 2013 21:51
تشارلز لاين كاتب ومحلل سياسي أميركي ربما لم يكن ثمة مفر من أن تدفع مزاعم إدوارد سنودن حول مراقبة وكالة الأمن القومي لأوروبا بعضَ الأشخاص لتشبيه الولايات المتحدة بجهاز «الستاسي»، أي الشرطة السرية الشهيرة في ألمانيا الشرقية السابقة. فهذا ماركوس فربر، وهو سياسي ألماني متحالف مع حكومة المستشارة أنجيلا ميركل المحافظة، ينتقد بشدة «أساليب الستاسي الأميركية»، في حين حذرت مجلة «دير شبيجل» من «شمولية أوباما الناعمة». وفي الأسبوع الماضي، قام شبان بتسليط كلمات كتبت بضوء الليزر على واجهة مقر السفارة الأميركية في برلين جاء فيها: «ولاية الستاسي الأميركية». ولكن لحسن الحظ، طعنت ميركل في هذا التشبيه غير الصحيح لسببين مهمين: العلاقات بين ضفتي الأطلسي، والخطاب السياسي العقلاني. وقالت المستشارة في حوار مع أسبوعية «داي زيت» : «بالنسبة لي، لا يوجد أي مجال للمقارنة»، مضيفة «إنهما شيئان مختلفان تماماً؛ وهذه التشبيهات تميل فقط إلى التقليل من شأن ما كان الستاسي يفرضه على سكان ألمانيا الشرقية. إن عمل أجهزة الاستخبارات في الدول الديمقراطية كان دائماً مهماً بالنسبة لأمن المواطنين، وسيظل كذلك في المستقبل». وباعتبارها أولَ مستشارة لألمانيا من ألمانيا الشرقية السابقة، تحدثت ميركل في هذا الموضوع بقوة مقنعة. غير أنه من المهم فهم لماذا هي محقة فيما تقول. فأساليب المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية -الرشى، الابتزاز، التنصت، الاختراق، وغير ذلك- ليست وسائل عادية للحكامة الديمقراطية. بل على العكس: فهناك توتر أساسي أو نوع من المقايضة بين الديمقراطية والسرية، ومن غير المعقول إنكار ذلك. غير أنه من غير المعقول أيضاً القول، مثلما فعل جاكوب أوجشتاين في مجلة «دير شبيجل»، إنه «بغض النظر عن طبيعة النظام أو الهدف: فإن إنساناً مراقَباً ليس إنساناً حراً». والواقع أن الأهداف السياسية والسياق المؤسساتي لجمع معلومات استخبارية في دولة معينة تُحدث كل الفرق. ففي ألمانيا الشرقية، كان هدف المراقبة هو حماية حزب غير منتخَب احتكر السلطة السياسية والاقتصادية نيابة عن محتل عسكري أجنبي هو الاتحاد السوفييتي. وكانت إيديولوجيا الحزب الشيوعي قد سيَّست كل مناحي الحياة، ما جعل أصغر الانحرافات -سواء من حيث الأقوال أو الأفعال- مهددةً؛ وبالتالي عرضة للتدقيق الرسمي السري. ولأنه لم يكن مقيداً بأي قانون، تطور تجسس «الستاسي» إلى هدف في حد ذاته. وهكذا، أصبحت ألمانيا الشرقية حقاً «دولة مراقبة». وعلى رغم الخطابات الكثيرة الصادرة عن معسكر سنودن، إلا أن الولايات المتحدة لا ينطبق عليه ذلك الوصف الفضفاض في الواقع: ذلك أنه لا يوجد أي حزب يملك أو يتطلع إلى احتكار السلطة في هذا البلد الذي يتميز بفصله الدستوري الطويل بين السلطات، ونظام الحزبين، وصحافة حرة، وقطاع خاص، ومجتمع مدني قوي. صحيح أن كثيرين ينتقدون «محكمة مراقبة المعلومات الاستخبارية الخارجية» باعتبارها بيدقاً في يد وكالة الأمن القومي؛ إلا أنهم ينسون أنها كانت واحداً من الإصلاحات العديدة التي أقرها الأميركيون في عقد السبعينيات من أجل تصحيح انتهاكات استخبارية سابقة -وينسون كم من النادر أن تقوم أي دولة بإخضاع عملية جمع المعلومات الاستخبارية ولو للحد الأدنى من الإشراف القضائي. وعلاوة على ذلك، فإن حكومة الولايات المتحدة لا تعرِّف الممارسة العادية للحرية باعتبارها مهددةً بطبيعتها؛ والإرهابيون والتهديدات الأخرى التي تقوم بجمع معلومات استخبارية سرية حولها ليست خيالية. ومثلما قالت ميركل لصحيفة «دير زيت»، ف «في الماضي، توصلنا من أميركا بسلسلة من التنبيهات التي حمتنا من هجمات إرهابية خطيرة. ولذلك، ينبغي أخذ ذلك في عين الاعتبار خلال النقاش حول هذا الموضوع، إلى جانب حماية البيانات». والواقع أنه بالنظر إلى التهديدات المحدقة بالديمقراطية، والوسط التكنولوجي الذي قد تأتي منه، فإن الولايات المتحدة في حاجة إلى أن تقوم بجمع البيانات على نطاق واسع، في الداخل والخارج على حد سواء. والسؤال هو عما إن كان لديها نظام يقضي بالفصل بين السلطات ومراقبة بعضها لبعض لضمان أن تظل هذه الوسائل، سياسياً وقانونياً، مشروعة. ومثلما أشارت ميركل، فإنه سيكون من المفيد «ألا ينسى (الألمان) أن أميركا كانت وما زالت أصدق حليف لنا على مر العقود». واللافت هنا أن بعض المحللين والخبراء في العلاقات عبر الأطلسي الذين يشتكون من «شمولية» الرئيس أوباما اليوم كانوا هم أنفسهم يشيدون به باعتباره مخلِّص العالم. وباختصار، إن أكثر المواضيع إثارة للقلق التي أثارها سنودن ترقى إلى نوع من المقايضة يمكن السيطرة عليه بين الحرية والأمن، بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وحلفائها. وقد يستحق الإشادة لأنه نشَّط النقاش حول هذا الموضوع، ولكن ليس لأنه منح ذخيرة لمن يجنحون لتشبيه الولايات المتحدة بـ«الستاسي»، أو إلى من يشيرون إليها بعبارات مجحفة من قبيل «طغيان السجَّان» أو «هندسة القمع». ولعل الإفراط والمبالغة في هذه اللغة يزدادان وضوحاً بالنسبة له مع مرور كل يوم يقضيه في روسيا بوتين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©