الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن الطيّار رائداً للفضاء

ابن الطيّار رائداً للفضاء
22 يوليو 2011 19:54
التقيت مصادفة بشاب من أقاربي وكان معه صديقه، وبعد المصافحة والسلام قال لي قريبي مفاخراً، وهو يشير إلى رفيقه: إنه يعمل طيّاراً مدنياً، ففتحت فمي بالكامل وقلت وأنا أصافحه من جديد: هذه مصافحة خاصة؛ لأنك تعمل في مهنة مرموقة، ولأنني لم أصافح في حياتي طيّاراً. أنت شاب ناجح، وقدوة، وتستحق جائزة نوبل للطيران. أخذت أسأله عن وظيفته كأنني سألتحق بكلية الطيران في اليوم التالي، لكنه قال كلاماً جعلني أقاطعه وأقول له وأنا أهزّ يدي في الهواء: يبدو أنني سأسترد مصافحتي، فأنت تقول إن والدك طيّار متقاعد، أي أنك لم تأتِ بشيء جديد، ولم تخرق الأرض، أنت مجرد نسخة، لا لك ولا عليك، وهذا هو الطبيعي، وكنت ستكبر في عيني لو كنت رائداً للفضاء مثلاً، حينها ستكون قد أضفت شيئاً لأسرتك، والإضافة الحقيقية كانت لأبيك الذي كان ابن شخص يعمل في صيد السمك. وحين لاحظت أنه بدأ يضيق بي ومن فلسفتي الفارغة، قلت له: لكنني مع هذا، أقدّر لك جهودك، فلو كنت تعمل مضيفاً على طائرة وأنت ابن طيّار لاضطررت إلى استخدام يدي معك. وحدث مرة أن كنّا في رحلة بريّة وتأخّر أحد أفراد المجموعة لأنه أضاع الطريق ووقف مليون مرة يسأل المارة ويتصل بنا ويقول: عن يميني دوّار بداخله أشجار، وعن شمالي جدار مرتفع لونه أبيض، فأين الطريق إليكم؟ أخذ الجميع في السخرية منه، لكنني قلت لهم: يا جماعة، هل تعرفون هذا ابن مَن؟ إنه ابن رجل لم يخرج من مدينته دبي طوال حياته، ولم يسافر إلا إلى الديار المقدسة لأداء واجب ديني، بينما ابنه في الطريق إلينا في جوف صحراء العين، وعلى الرغم من تأخّره وإضاعته الطريق وربما وصوله الآن إلى مشارف العاصمة أبوظبي، فهو متطوّر ويُعدّ إضافة لأسرته. والمعنى من سرد هذين الموقفين هو أنه لا بد من أخذ السياق بعين الاعتبار عند إصدار الأحكام على الأشخاص، فالمرء يستحق التصفيق حينما يتفوّق على السياق الذي تربى به وعاش، كابن عامل البناء الذي يصبح مهندساً معمارياً. ولا يستحق أي شيء حين يراوح في السياق نفسه، كابن شخص مغامر اقتصرت مغامراته على الأماكن التي زارها والده، أو ابن لاعب في فريق محلي أصبح مثل والده اللاعب في الفريق نفسه ولم يصعد للعب في فريق المنتخب الوطني. ولكنه يستحق الصفعات حين يهبط أسفل السياق ويعود براية أسرته القهقرى، كأن يكون أحدهم متعلماً ويؤلف الكتب بينما ابنه يضع بصمة إبهامه بدلاً من التوقيع على الأوراق. ويخرج من هذا التقييم الأشخاص الذين هم إضافة في نواح وخسارة في نواحي أخرى، كأن يكون أحدهم ابن شاعر كبير لكنه لا يستطيع قراءة بيت واحد بشكل سليم، فهو خسارة على المستوى الشعري في أسرته، لكن الشخص نفسه يجيد التحدث بأربع لغات مثلاً، بينما أسرته لا تتحدث إلا لغة واحدة. قال رجل لجرير: مَن أشعر الناس؟ قال: قُم حتى أعرّفك الجواب، فأخذ بيده وجاء إلى أبيه وقد أخذ عنزاً له فاعتقلها وجعل يمصّ ضرعها، فصاح به: اخرج يا أبتِ، فخرج من تحت العنزة شيخ دميم رثّ الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيته، فقال جرير: ترى هذا؟ قال الرجل: نعم، قال: أو تعرفه؟ قال: لا، قال: هذا أبي، أتدري لم كان يشرب من ضرع العنز؟ قال: لا، قال: مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه. ثم قال له: أشعر الناس مَنْ فاخر بهذا الأب ثمانين شاعراً وقارعهم فغلبهم جميعاً. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©