السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السائح

السائح
22 يوليو 2011 19:54
عرفت الأستاذ عارف منذ أعوام. كان يدرس اللغة الروسية في أحد المراكز، ثم اكتشفت بعد ذلك أنه يدرس الألمانية في مركز آخر. قال لي في حماس: ـ”اللغات مهمة جداً، تعمق خبراتك بالحياة وتجعلك تفهم العالم” بعد هذا وجدت أنه يقترض كتباً عن البلدان من المكتبة العامة، ويعد دراسات مطولة عن بلدان بعينها مثل السويد وألبانيا، الخ، سألته عن سبب هذا الحماس، فقال لي إنه يحب أن يعرف كل شيء عن البلد قبل أن يزوره.. إن الأسفار توسع مداركك وتجعلك تعرف العالم أكثر، المهم أن تعرف أين تذهب ومن تقابل ومتى. وكان يسخر من هؤلاء العرب الذين يذهبون إلى باريس مثلاً، فلا يرون أي شيء من باريس، يتسوقون في الشانزليزيه طيلة اليوم ثم يهرعون إلى الفندق ليلقوا بحقائب مشترياتهم، ثم يهرعون من جديد لشراء المزيد. عندما لا يبقى من الوقت إلا يوم يجرون ليلتقطوا صوراً لهم بسرعة أمام قوس النصر وبرج ايفل ليثبتوا أن ما اشتروه كان من هناك، هؤلاء لم يروا باريس وكان بوسعهم أن يحققوا نفس النتيجة لو زاروا أي مول فاخر في بلادهم.. قلت له: ـ”أنت خبير في باريس فعلاً” قال في ثقة: ـ”طبعاً، صحيح أنني لم أرها قط، لكن عندما أذهب هناك ستكون المهمة سهلة” كان يزداد خبرة وعمقاً، كما أنه كان يقابل العائدين ويصغى لهم باهتمام. وكم من مرة قال لي: ـ”أنت لا تعيش حقًا، كل من لا يسافر ويرى العالم هو جثة تتحرك لا أكثر..” وكان يعرف كيف يصل لمتحف مدام توسو في لندن، كما أنه كان قادرًا على زيارة آيا صوفيا في اسطنبول ويعرفها شبرًا شبرًا، أعتقد أنه قضى وقتًا طويلاً على ضفاف البحر الأسود، وكان يسعل كثيرًا بسبب استنشاق فضلات الخفافيش في كهوف أميركا الجنوبية، إن شمس منتصف الليل مرهقة للعينين فعلاً.. المشكلة فقط هي أنه لم يغادر بلده قط، كان يقرأ كل هذا في الكتب. قلت له عندما نفد صبري في النهاية: ـ”أرى أنك أعددت نفسك كثيرًا جدًا جدًا، ألا ترى أن الوقت قد حان للسفر لمكان ما ؟” نظر لي في عدم فهم فقلت: ـ”كل المال في العالم لا قيمة له ما لم تنفقه، وأنت تملك خبرات عظيمة” في النهاية قال لي في حزن: ـ”أنا في الستين من عمري، ولم يعد هناك وقت كاف لرؤية أي شيء أو السفر، ثم أن الحقيقة التي أخفيها عن الجميع هي، هي،.” وأشاح بوجهه في خجل: ـ”أنا أخاف الطائرات جدًا !” هذه هي مأساة الإنسان على كل حال، يقضي حياته في جمع المال ثم لا يجد الوقت كي ينفق مليمًا، أو ينفق المال على المستشفيات. هنا يقوم صاحبي بجمع الخبرات في حماسة، وهو لن يستعملها أبدًا، لا وقت ولا شجاعة ليستعملها،. اتصلت بصديقي بعد أيام لأخبره أن الحل الأمثل هو أن يقوم بكتابة أدلة للمسافرين إلى أرجاء الأرض. بهذا لا تموت هذه الخبرات الجبارة. عرفت أن كلامي أثر فيه كثيرًا لهذا ذهب يجرب الأسفار.. هناك قرية صغيرة اسمها (كفر الشحاتين) جوار القاهرة، وقد ذهب هناك ليجرب خبراته بضعة أيام. صحيح أنه لن يجد برج ايفل ولا قوس نصر ولا شلالات نياجرا، لكنه على الأقل سيشعر بأنه مسافر لمكان ما ! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©