الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أولى ترجماتي

أولى ترجماتي
19 يناير 2011 20:09
عندما فرغت من مناقشة رسالة الدكتوراة في جامعة مدريد عام 1970، وكنت أعمل أستاذا مشاركا في كلية الآداب بها، كان يتعين علي البقاء في اسبانيا انتظارا لمناقشة زوجتي رسالتها أيضا، فأخذت أشغل وقتي ببعض البرامج العلمية ومشروعات الترجمة، وكنت أعرف صعوبة النشر وقتها، فراسلت المرحوم الأستاذ أحمد مشاري العدواني وكيل وزارة الإعلام الكويتية، المشرف على سلسلة المسرح العالمي بعد انتقالها من مصر، واقترحت عليه ترجمة عدد من المسرحيات الإسبانية الكلاسيكية والمعاصرة، فرحب بالمشروع وبدأت في اختيار العمل الأول. كان من الطبيعي أن يكون من إنتاج المؤلف الدرامي الذي قضيت عدة سنوات في دراسة مسرحه واكتشفت أنه أنضج كتّاب أسبانيا وأمريكا اللاتينية، وهو “بويرو باييخو” الذي يحتشد مسرحه بالقضايا الفكرية الواقعية. كان “بويرو” يعيش على مسافة محسوبة بدقة من نظام فرانكو الفاشي، دون أن ينسى أنه ظل لسنوات ينتظر تنفيذ حكم الإعدام فيه لمشاركته في الحرب الأهلية في صفوف الجمهوريين قبل أن يشمله العفو. فاحتفظ بموقف نقدي صارم وشجاع، لكن بحكمة وأستاذية. وكنت قد وجدت في مسرحه نموذجا لما أود إشاعته في الثقافة المصرية والعربية. فعبد الناصر الذي كان معبود الجماهير العربية، يفتنها بحلم الوحدة ومقاومة القوى الكبرى، كان يترك لأجهزة الأمن في مصر أن تبث الرعب في كل القلوب.. أصبح هناك عشرات الآلاف من ضحايا الأجهزة القمعية من اليسار واليمين، ومع أنه جسد المجتمع المصري قد انتفض بحمى عنيفة عقب النكسة وأصبح يتوق للخلاص فإن رحيل الزعيم لم يحقق له هذا الخلاص، إذ كان الموقف شديد التعقيد سياسيا ووجدانيا، زاد حزن المصريين برحيل عبد الناصر ولم يرتفع سقف حريتهم بالرغم من تضليل السادات الفاضح لهم. أخذت أبحث عن نص مسرحي يكشف أخطار هذه البنية على الإنسان. فقرأت لبويرو عملا بالغ الذكاء والحرفية اعترضت عليه الرقابة فلم يقدم على مسارح اسبانيا، لكن تم عرضه في لندن، وهو بعنوان “القصة المزدوجة للدكتور بالمي” تدور أحداثه في ثلاثة أمكنة متجاورة، يتم تسليط الضوء وتحريك الشخصيات على أحدهما فتغيب الأمكنة الأخرى عن نظر المشاهد، وهي عيادة طبيب نفسي يملي مذكراته على سكرتيرته التي تكرر الجملة الأخيرة من كلامه علامة على إتمام تدوينها، ومنزل أسرة بسيطة مكونة من زوجة محبة وحماة متربصة وطفل صغير، أما رب الأسرة فلا نعرف في البداية شيئا عن وظيفته حتى نتبين أنه من عناصر الأمن القومي، والمكان الثالث هو مقر عمل هذا العنصر الذي يشغله رئيس القسم السياسي في الجهاز الأمني وأعوانه من زملاء العنصر الأول، هذا التجاور في أمكنة الأحداث يشكل منذ بداية المسرحية مفارقتها الكبرى، فالمقر الأمني هو الذي تدور فيه الأحداث الأليمة، وبيت الزوجية هو المرآة التي تنعكس عليها التأثيرات الخطيرة لهذه الأحداث أما عيادة الطبيب النفسي فهي المرصد الذي يتولى تحليل الوقائع ويمنحها معناها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©