الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الستر في زمن الفضائح

13 أغسطس 2006 01:13
هل مضى زمن الستر وحل زمن الفضائح أتذكر دعوات أجدادنا لنا بالستر والعافية، ولا أنسى المقولات الشعبية والتي ربما أوشكت أن تندثر في عصر تلفزيون الواقع، حين كان يقوم كبار العائلة بالدعاء لأبنائهم قائلين: ''ربنا يهدي سركم'' لأن السر لو هاج وماج وتفشى وانتشر خربت البيوت وانهار العش الهادئ، فكم من رجل رمى يمين طلاق على زوجته لأنه قد وصل إلى مسمعه أنها أخبرت أهلها أنه يتعالج من أجل الإنجاب، وكم من زوجة طلبت الطلاق من زوجها لأن واشياً قد أخبرها أن زوجها يقيم علاقة آثمة· ورغم أن ثقافتنا العربية والإسلامية كانت تحتفي بالستر، ويدعو به أهلونا، ويروجونه لأنفسهم ولأولادهم، حتى يكونوا من المستورين من منطلق أن للبيوت أسرار وأن العلاقة الزوجية مبنية على فكرة أن على الزوجين أن يعشعشوا ويلملموا، لا يفضحوا ويهتكوا، إلا أن الوضع قد تغير اليوم بحيث نستطيع أن نتحدث عن انتشار ظاهرة كشف عورات البيوت ـ وللأسف ـ بيد أهل الدار أنفسهم! وقديما قال الشاعر: إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق وربما تتعدد أسباب انتشار هذه الظاهرة، فقد يكون الاعتياد على الثرثرة سواء بين السيدات و ـ حديثاً ـ بين بعض فئات من الرجال أحد تلك الأسباب، وربما لأن البعض لا يشعر أن فلاناً صديق له إلا إذا آثره بالكشف عن سر من أسرار بيته! فيصبح عربون الصداقة موثقاً ومعترفاً به وساري المفعول، إذا حدثت فلانة رفيقتها عن المكائد التي تدار لها من قبل حماتها وسلائفها أو إذا حدث فلان زميله عن العذاب الذي يلاقيه من قبل زوجته· بل وقد سمعت بنفسي سيدة تعاتب صديقتها بقسوة لأنها لم تطلعها على سبب تأخر إنجابها وقالت لها بالحرف: وهل هنت عليك لدرجة أن تجعليني أعرف الخبر من غيرك؟! والأغرب كان اعتذار الأولى عن ذنب كتمانها هذا السر وخلقها لعدة تبريرات كي تشفع لها!! إلا أن الأرجح في انتشار هذه الظاهرة هو عدم رسوخ معنى حرمة البيت في قيمنا، فالرجل إلى وقت قريب كان يقول فلانة حرمي، أي زوجتي وربما لازالت هذه العبارة تتداول بين الناس ولكن ـ للأسف ـ دون الحرص على فهم معناها· فكما أن للبيت العتيق حرمة عظمى في عقيدتنا، فإن حرمة المسلم أشد وأغلى على الله من حرمة بيته الحرام، إلا أننا نعيش في إطار ثقافة تسمح للفرد بستر العديد من الأمور الحياتية العادية كالسفر والعمل من باب ''استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان''، أو ''داري على شمعتك'' كما يقول المثل المصري· دون أن ينسحب مفهوم الستر في ثقافتنا إلى ستر الذنب والمعصية· فكم تباهى رجل بذنوب تمس شرفه وكم تفاخرت امرأة انها خدعت زوجها وألبسته عِمّة البهلوان· وإذا كانت ثقافة الماضي تغني برائعة جبران: من باح بالأسرار يشابه الأحمق فالصمت والكتمان أحرى بمن يعشق إن ثقافة اليوم تسمح بستر مشاعر الود بين الازواج والتعويض عنها بإشاعة الفاحشة وبالكشف عن حب الحرام وكشف عورات العلاقات المشبوهة والآثمة، مع معرفة عموم الناس بما نهى الله تعالى عنه في سورة النور من ''إشاعة الفاحشة'' ''إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون'' صدق الله العظيم ولقد وضع خبراء التنمية البشرية نظرية مهمة تعرف بالرياضة الذهنية Mental ymnastic وهي وسيلة تربوية يعمد لها الأطباء النفسيون كي يدربوا المعنيين بكيفية الصمود أمام فضول المتلصصين لمعرفة أسرار البيوت وتزويدهم بوسائل التصدي لحماية أسرار العائلة كي لا تكون أخبار البيت مضغة على الألسنة يتناقلها الفارغون من الناس لدواعي وتمضية أوقات الفراغ· وقد حذر الرسول (ص) الزوجين من أن يفشي أحدهما سر الآخر سواء أسرار البيت والأسرار المالية وأشدها أسرار الفراش وقال (ص) إن من أشر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم يفشي سرها، كما نقل الشيخ الغزالي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق زوجته فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك سر امرأته، فلما طلقها قيل له: ''لما طلقتها؟ فقال مالي وامرأة غيري· في الختام نعود إلى ما بدأنا به، حديث رسول الله (ص): ''المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة''· كما ورد عن عمر بن عبدالعزيز قوله: الصدور خزائن الأسرار والشفاه أقفالها والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل إمرئ مفتاح سره، أما فولتير فيقول: كشف المرء سره حماقة وكشفه لسر غيره خيانة، وأخبرك فإن سرك من دمك فانظر أين تريقه· داليا الحديدي
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©