الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«رشيدة داتي»... قصة نجاح صعبة

22 يوليو 2011 22:45
غالباً ما توصف بأنها النسخة الفرنسية الأقرب إلى أوباما، والحقيقة أن قصة "رشيدة داتي"، وهي ابنة لمهاجرين من شمال أفريقيا التي استطاعت الصعود من الفقر إلى أعلى المناصب السياسية في فرنسا تشبه إلى حد ما قصة الرئيس الأميركي، وبإضافة روحها المتوقدة وشخصيتها المندفعة والطموحة تكون "داتي" قد جسدت بالفعل النسخة الفرنسية للحلم الأميركي. أما بالنسبة لساركوزي، الذي اختارها لتكون أول عضو مسلم في حكومته وأطلق عليها "الفتاة العربية" فإن "داتي" تمثل له وللفرنسيين ما يمكن أن يحققه المهاجر بظروفه الصعبة إذا ما عمل بجد وتخطى العراقيل، وهو ما أصبحت ترمز له "داتي" بعد نجاحها، لاسيما في وسط فرنسي نادراً ما يتولى فيه الفرنسيون المسلمون الذين يقدر عددهم بنحو ستة ملايين نسمة مناصب قيادية في السياسة والإعلام وقطاع الأعمال. لكن "داتي" التي صعدت إلى القمة بسرعة بدأت تسقط بنفس السرعة أيضاً، فقد واجهت انتقادات على خلفية اتهامها بنشر إشاعات حول زواج ساركوزي بعارضة الأزياء، "كارلا بروني"، والمشاكل التي تعترض زواجهما، وهي الاتهامات التي سعت إلى نفيها بشدة، لكن ساركوزي الذي استاء منها في مرحلة من المراحل أرسلها فيما يشبه المنفى القسري إلى البرلمان الأوروبي. واليوم وبعد عامين قضتها على هامش الحياة السياسة الفرنسية، يبدو أن وزيرة العدل السابقة تعد العدة للرجوع مجدداً إلى المعترك السياسي وتدشين صعودها الثاني. وكانت "داتي" البالغة من العمر 45 عاماً قد تصدرت في الآونة الأخيرة عناوين الأخبار بعد صدور مذكراتها للتصدي إلى "الأكاذيب والشتائم" على حد قولها، وهي تستعد خلال أسابيع للمشاركة في الحملة الانتخابية لساركوزي، وفي الوقت نفسه تسعى إلى تأمين مقعد لها في البرلمان الفرنسي في محاولة لتمديد تمثيلها للدائرة السابعة في باريس إلى مجمل المدينة بتولي عموديتها بحلول 2014، وهي العمودية التي غالباً ما تكون انطلاقة السياسيين الفرنسيين نحو قصر الإيليزيه. وعلى مدى السنوات التي قضتها في السلطة تعرف إليها الشارع الفرنسي وأحب طموحها وأناقتها أيضاً، فهي لا تكاد تخرج إلى الشارع في منطقتها حتى يلتف حولها المواطنون لمصافحتها. لكن رغم تطلعاتها الواضحة لتولي مناصب أرفع وشق طريقها في الحياة السياسة الفرنسية يبقى السؤال ما إذا كانت تتحلى بالصبر وما يكفي من الجلد والشجاعة للتغلب على العراقيل والوصول إلى المنصب الأعلى في الجمهورية الفرنسية. وفي هذا السياق يقول الصحفي الفرنسي "فاليري دومان"، رئيس التحرير السابق لإحدى المجلات الباريسية "لقد نجحت داتي في أن تصبح امرأة سياسية تتمتع بالقوة والسلطة والذكاء، كما جمعت بين كل ذلك وبين الجمال والأناقة والنجومية، وهي في مسيرتها تشبه قصص الخيال، لكن عليها إذا ما أرادت العودة إلى الساحة مجدداً إقناع الناس بأن قصتها أكثر من مجرد وهم". وتضيف "ماريات سينو"، الخبيرة في مسائل النوع والسياسة بمعهد الدراسات السياسية في باريس أن داتي تحولت إلى رمز للقوة على أكثر من صعيد "فهي امرأة وشابة ومن أصول مغاربية، كما أنها تنتمي إلى خلفية أسرية متواضعة جداً، وأن تستطيع رغم كل ذلك تولي وزارة الدفاع فإن ذلك يعني أن الطريق بات مفتوحاً لكل من يشبهونها، وهو ما يفسر شعبيتها الكاسحة في استطلاعات الرأي لأن الناس يحبون قصص النجاح الصعبة". ورغم ما يبدو على داتي من رقة ولمسة أنثوية واضحة وهي جالسة إلى مكتبها الوثير بمقر الدائرة الباريسية التي ترأسها، تظل المظاهر خادعة في الكثير من الأحيان، فقد وُجهت العديد من الانتقادات لداتي بأنها تميل إلى التسلط وفرض رأيها وبأنها كانت تدير الوزارة قبل عامين بقبضة حديدية. وعندما تُسأل عما إذا كانت تنوي الترشح للرئاسة في يوم من الأيام ترد "داتي" بتحفظ قائلة "إن الوضع معقد قليلاً، فالأمور لا تمشي بهذه الطريقة"، ومع بعض الإلحاح تواصل داتي ردها "لمَ لا إذا كنت أستطيع خدمة بلدي، لكن الأمر معقد، أنا أعقتد بأن فرنسا مستعدة لتولي امرأة للرئاسة، غير أن الطبقة السياسية ليست بنفس درجة الاستعداد، ومع ذلك لو أن شخصاً جاء قبل سنوات ليقول إن امرأة من أصول مهاجرة وتنتمي إلى أسرة فقيرة ستصبح وزيرة للعدل لسخروا منه". والحقيقة أن المكان الذي تجلس فيه داتي حالياً بالدائرة الباريسية الغنية بعيد كل البعد عن ضاحية "شالون سير سون" التي ولدت فيها داتي لعام 1965 ضمن 12 طفلاً لعامل بناء مغربي وأم جزائرية، كلاهما أمي، ومع أن داتي كانت طالبة مجدة منذ البداية، إلا أن طبيعتها المتمردة كانت أيضاً ظاهرة ومصدراً لشكوى المدرسين. وبعد دراستها الطب لفترة، غيرت "داتي" تخصصها مفضلة دراسة إدارة الأعمال والقانون، حيث حصلت على شهادتها وعملت مع شركة "إلف" الفرنسية المعروفة في مجال النفط، ثم انتقلت إلى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بلندن قبل أن تصبح قاضية، وفي العام 2002 سمعت ساركوزي الذي كان وقتها وزيراً للداخلية يلقي خطاباً حول الجريمة والأمن فكتبت له تطلب مقابلته، وبعدما سمعها بُهر ساركوزي بالقاضية الشابة وعينها مستشارته الخاصة ثم متحدثة باسمه خلال حملته الانتخابية للعام 2007، وما إن فاز بالرئاسة حتى كافأها وأسند إليها وزارة في أول حكومة يشكلها. كيم ويلشر - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©