السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس والانحراف عن الديمقراطية

تونس والانحراف عن الديمقراطية
20 يوليو 2013 21:02
جوشوا مورافتشيك باحث في كلية الدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنجز الأميركية فيما تنزلق الثورة المصرية نحو الفوضى تواجه المرحلة الانتقالية في تونس مهدداتها الخاصة أيضاً، فمشروع القانون الذي دفعت به حركة النهضة وحلفاؤها في المجلس التأسيسي والداعي إلى «تحصين الثورة» يبدو في الحقيقة أقرب إلى قانون فصِّل خصيصاً لحماية حزب النهضة وتحصينه من أية منافسة حقيقية خلال الانتخابات المقبلة. وكانت حركة النهضة، على غرار «الإخوان المسلمين» في مصر، قد حققت مكسباً مهماً في أول انتخابات تشهدها البلاد بعد الثورة في عام 2011. وهي بالإضافة إلى كونها القوة السياسية الأكثر تنظيماً والأشهر بين باقي القوى منذ فترة حكم الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي، فقد استفادت أيضاً من تشظي القوى الليبرالية العلمانية التي تناسلت بعد الثورة في شكل أحزاب عديدة فشلت في توحيد صفوفها في كيان واحد يضمن عدم انقسام الصوت الليبرالي. ولكن على رغم كل هذه الامتيازات التي تتمتع بها حركة النهضة، لم تحصد سوى أكثرية الأصوات، وليس الأغلبية ما اضطرها للدخول في ائتلاف حكومي يضم قوى غير إسلامية، الأمر الذي دفعها إلى المزيد من الاعتدال وحد من قدرتها على الحركة، كما وفر عليها بعضاً من الأخطاء التي كانت وراء أفول نجم الإسلاميين في مصر. ومع ذلك شعر الناخبون في تونس بكثير من الإحباط حتى في ظل اعتدال بعض القوى الإسلامية وتعاونها مع الكيانات السياسية الأخرى، فبدلاً من الانتهاء من إنجاز الدستور والمرور إلى انتخابات جديدة تنهي المرحلة الانتقالية في غضون سنة واحدة، كما تعهد الفرقاء السياسيون، يدخل التونسيون الآن عامهم الثاني من دون أن يتحقق ذلك. كما أن اندلاع العنف بين الدولة والإسلاميين المتشددين أثر سلباً على النسيج الاجتماعي التونسي وأخّر عملية التعافي الاقتصادي، مانعاً بذلك عودة السياح والمستثمرين الذين توجسوا خيفة بعد اندلاع الثورة. لكن بعدما تعلمت القوى العلمانية الدرس جيداً في انتخابات 2011 التي شاركت فيها بأصوات مشتتة قررت اليوم الائتلاف في حزب جديد بات يهدد تقدم النهضة وتصدرها للحياة السياسية، وهذا الحزب هو «نداء تونس» الذي يقوده الباجي قائد السبسي، السياسي البارز الذي تولى رئاسة الحكومة المؤقتة بعد الإطاحة بنظام بن علي. واللافت أن أغلب استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم «نداء تونس» على حزب النهضة في الانتخابات التشريعية المقبلة، مع تقدم واضح لفرص قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في 2014. ويضم «نداء تونس» تحت لوائه عدداً من القوى الليبرالية والأحزاب اليسارية الصغيرة ذات التوجه المعتدل، بالإضافة إلى جزء كبير من الحركة العمالية القوية في تونس ورجال الأعمال ومعهم أيضاً أعضاء سابقون من الحزب الديمقراطي الدستوري الذي كان يتزعمه بن علي، ثم بعض أعضاء حزب الدستور الذي قاده الحبيب بورقيبة. ولكن فجأة ظهر قانون تحصين الثورة التونسية الذي بات يتصدر الأجندة التشريعية، فالقانون سيحظر على فئات عريضة من السياسيين المشاركة في الانتخابات وتولي مناصب منتخبة لارتباطهم بالنظام البائد. وفيما أكد لي العديد من المشرعين المنتمين إلى حزب النهضة أن عدد الذين يشملهم القانون لا يتجاوز أربعة آلاف شخص، يقول محسن مرزوق، القيادي في «نداء تونس»، إن العدد قد يصل إلى 70 ألف شخص، وفي جميع الأحوال سيمنع القانون مشاركة عدد من التونسيين بمن فيهم، زعيم «نداء تونس» نفسه، قائد السبسي، والسبب أنه كان عضواً في مجلس النواب قبل عشرين عاماً. وعندما واجهتُ قادة النهضة بالقانون الذي يمنع الناخبين التونسيين من الاختيار الحر بإقصاء مجموعة من المرشحين ردوا بأن مشروع قانون تحصين الثورة يشبه قانون اجتثاث النازية لما بعد الحرب العالمية الثانية، قائلين إن النهضة كانت ضحية «هولوكوست» تحت حكم بن علي! ولأن هذا التشبيه مبالغ فيه ولا يستقيم فإنه فقط يبرز ضعف وتهافت مبررات النهضة، فالفرق شاسع بين معاقبة الأشخاص المتورطين في انتهاكات وتجاوزات واضحة، وهو ما جاء في قانون «العدالة الانتقالية» الذي اقترح قبل عام من دون أن يبصر النور، وبين مشروع القانون الحالي الذي مرر في القراءة الأولى ويعاقب فئات واسعة من المواطنين فقط لارتباطاتهم السياسية، فعلى سبيل المثال سيحظر القانون تولي مناصب على أي شخص دعا بن علي إلى الترشح للانتخابات الرئاسية في 2014. ولو كان القانون صادقاً في هدفه المعلن والمتمثل في حماية الثورة وتحصينها لما طال قائد السبسي الذي أشرف هو نفسه عندما تولى لعام تقريباً رئاسة الحكومة المؤقتة على تنظيم انتخابات نزيهة انتهت بتسليم السلطة سلمياً إلى حزب النهضة، ولذا ومن هذا المنطلق لم يقصر السبسي في إنجاح الثورة وضمان استمرارها. وكما أخبرني مشرع آخر هو نعمان فهري من حزب «الجمهوري»، أحد الأحزاب التقدمية الذي ينافس وربما يتحالف مع نداء تونس «إن القانون المذكور ليس أكثر من مناورة سياسية». ويعتقد فهري أن مشروع القانون، الذي يثبت فقط أن التزام النهضة بالديمقراطية لا يتجاوز بقاءها متصدرة، سيرتد عليها، ولكن سواء كان القانون مضراً بالنهضة، أم بنداء تونس، تظل تونس المتضرر الأكبر لأنها ستخسر فرصة التحول الحقيقي إلى ديمقراطية صلبة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©