الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فارس أو حمار ولا ثالث بينهما

فارس أو حمار ولا ثالث بينهما
21 فبراير 2009 23:51
في هذه الحياة، إما أن يكون المرء فارساً وإما أن يكون حماراً، لا كائن ثالث بينهما· الفارس هو الذي يركب الأشياء ويمسك بزمامها صائحاً بأعلى صوته، والحمار ذلك الذي يحمل الأشياء على ظهره ويذعن لضربات السوط بدموع صامتة· وقد يكون الشخص الواحد، فارساً في أشياء، وحماراً في أخرى، والإنسان الناجح هو الذي تطغى فروسيته على حموريته، والعكس صحيح بالنسبة للإنسان الفاشل· فارس العمل هو الذي تجده يشتغل بهدوء، الأوراق على مكتبه مجتمعة بشكل عسكري، عمله يسير وفق الخطة· أما الآخر، يتذمر ويشتكي طوال الوقت، مكتبه تحول إلى شاطئ مفتوح للأوراق، فورقة تسبح، وأخرى تتزحلق، وثالثة مستلقية تتشمّس، الاتصالات تنهال عليه من الهاتف و''الموبايل'' وكذلك ''موبايل'' آخر شخص دخل عنده ونسيه هناك· فارس الوقت يأتي في الموعد المحدد، يغادر في الساعة المعينة، لا يدع الوقت يلعب بأعصابه لأنه يمضي أمام عينيه وهو لا يزال في الطريق، ودائماً هناك متسع من الساعات في حياته لاستغلاله في أشياء جديدة· حمار الوقت لا يمكن إلا أن يتأخر، ودوماً هناك أسباب، وكلها تعود في الأصل إلى أن الوقت هو الذي يركبه ويطارده بعقاربه· فارس الطعام يأكل متى أراد ويتوقف في اللحظة التي يقررها هو، لا يمكن لأشهى الأصناف التي يعدها الشيف أسامة أن تدخل فمه إذا لم تكن ضمن خطته الطعامية· أما حمار الطعام، فيحمل على ظهره أطباق لأصناف شتى، يأكل منها في كل وقت ومن دون مراعاة لأمعاء أو هضم، فالطعام هو الذي يتحكم فيه· فارس الصداقة، إذا رأيته في المسرات، فتأكد أنك ستراه في المُلمات، لكنه يضع سياجاً على كل شيء، فلا الصداقة تطغى على واجباته تجاه الآخرين، ولا مشاغل الدنيا تنسيه الصداقة· أما حمار الصداقة، فهو يحمل الصداقة طالما بقي سوط المنفعة يلهب ظهره، ومن الطبيعي أن يضيّع أسرته من أجل أصدقائه، أو يتجاهل أصدقاءه من أجل أصدقاء جدد· فارس المشكلات، يتحكم في المشكلات التي تواجه أي إنسان على هذا الكوكب الدوّار، ويركبها ويسوقها إلى حيث يريد· أما حمار المشكلات، فأول شيء يفعله أمام المشكلة أنه ينهق ثم يخر دموعاً وسوائل أخرى، ويحمل المشكلة تلو الأخرى فوق ظهره، ويجد نفسه في النهاية في المسلخ· فارس الكلمة يطارد فئران الأفكار والآراء والمشاعر التي تلعب في رأسه وقلبه، فيمسك بها ويعبّر عنها بصدق، تأخذه في الحق لومة اللائم قليلاً، فالذي لا تأخذه تلك اللومة كائن خرافي، وإن كان له وجود فلن يعرفه أحد، لأن الحق ثقيل، وبالطبع فإن الفارس يرسل مادته للنشر في الموعد المحدد· حمار الكلمة، يطارد فئران الآخرين، ويعبّر بغباء عما لم يخطر بباله أصلاً لكنه رأى المصلحة في الكتابة، تأخذه اللومة وتعصره ثم تتركه وهو يهرب منها مثل تيس العيد· فارس القراءة، يقرأ ما يسليه بشرط أن يفيده بأي شكل من الأشكال· حمار القراءة، يضيع وقته في ملاحقة تشكيل الكلمات وتنسيقها، ولا يفهم ما قرأ، ويقول بصوت عالٍ: ماذا يريد أن يقول هذا الحمار؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©