الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغضب الشديد.. تعويض عاطفي فوري ومحرقة نفسية وجسدية

الغضب الشديد.. تعويض عاطفي فوري ومحرقة نفسية وجسدية
19 أكتوبر 2010 20:33
الغضب شعور إنساني قد يعتري أي إنسان في وقت ما ولسبب ما. فكل الناس يغضبون، لكنّ القليلين فقط هم من يسيطرون على غضبهم ويكبحون جماحه. ويقول خبراء الصحة النفسية إن عجز الإنسان عن السيطرة على غضبه بشكل متكرر يُصنف في خانة الأمراض التي تتطلب علاجاً ما. نوبات الغضب المتكررة التي يصاب بها بعض الأشخاص لا تضر بصحتهم النفسية فقط، وإنما يطال لهبها الذي يأتي على الأخضر واليابس المحيطين بهم، فيعمي بصيرتهم وأبصارهم ويجعلهم لا يفرقون بين مذنب وبريء. تتعدد مظاهر الغضب في حياتنا اليومية وتتنوع، فيمكن لمتفرج على مباراة لكرة قدم ودية يلعبها الصغار أو اليافعون أو الكبار في مكان ما أو ملعب ما أن يكتشف الكثير عن الغضب، ويميز الأنفس الغاضبة عن الحالمة الحليمة. فبعض اللاعبين تراهم يلعبون بهدوء دون تشنج ولا كثرة ضرب كف بكف ولا سخط ولا تذمر، بينما تجد آخرين يُرغون ويُزبدون إذا فقدوا كرةً ما أو ضيعها زميل لهم، أو إذا تعرضوا لتعنيف غير مقصود على أرضية الملعب، فلا يتسامحون ولا يملكون أنفسهم ويردون بسلوك أعنف منه، قد يكون لفظياً أو بدنياً أو حتى بالإشارة والحركة. مشاعر متلازمة إن تحليل الأفعال الصادرة عن اللاعبين وردودها تجعل المتفرج يطرح أكثر من تساؤل عن ماهية الغضب، هل هو طبيعة بشرية أم مرض يتطلب العلاج؟ يصنف أطباء النفس الأشخاص الذين يشتد غضبهم ويعجزون باستمرار عن السيطرة على أعصابهم في خانة مرضى الاضطرابات العصبية. فالحزن الشديد يولد الكآبة، وانشغال البال بشيء ما بصورة مفرطة ينجم عنه القلق. غير أن الأشخاص الغاضبين لا يسري عليهم ما ينطبق على المصابين بالكآبة أو القلق. فالغضب هو شعور ثانوي ينتج عن ظرف نفسي آخر. ويُعتقد أن صفة الغضب تلازم الحزينين والقلقين والمتوترين. وعارض عدد من علماء النفس والأطباء النفسيين في السابق فصل الشعور بالغضب عن مشاعر الحزن والقلق والكآبة، وقالوا إن هذه المشاعر متلازمة. موج ورعد ذهب علماء النفس المعاصرين مذهباً مغايراً في تحليلهم لظاهرة الغضب، فهو بالنسبة إليهم حالة نفسية خاصة قائمة بذاتها تستوجب تشخيصاً ودراسة منفصلين. وهم يعتقدون أن الغضب مشكلة سريرية مشروعة، وهدف علاجي حري بالدراسة. ويفرق علماء النفس بين الغضب العادي الطبيعي وبين الغضب المفرط والهائج. فالغضب الطبيعي هو حالة عادية تصيب الشخص من وقتٍ لآخر بسبب موقف ما أو حدث ما، أما الغضب الشديد، فهو مثل الموجة الهوجاء التي تضرب كل من كان قريباً منها أو الرعد الذي يصعق كل من أصابه وميضه. غضوب وحليم لا يصطلح الأطباء «اضطراب الغضب» إلا على الغضب الشديد الذي يدفع صاحبه إلى التصرف بشكل أهوج وهائج، وبما يفقده عقله ويوتر أعصابه ومنطقه. ويمكن ضرب مثال بسيط على ذلك في السياقة، فبينما يتجاوز سائق عن أخطاء السائقين الآخرين الذين يربكون سير سيارته بسبب عدم التزامهم بقانون السير سهواً أو استهتاراً، نجد الشخص الغضوب لا يدع الأمر يمر مرور الكرام، وإنما ينتقم من كل من قد يربك سياقته بسب أو شتم أو حصار في الطريق، أو إرغام على إخلاء الطريق أو إصدار تصرف آخر أكثر عدوانية. وتكون ردود أفعال الأشخاص الغضوبين انتقامية وتدوم فترة أطول. وعكس الأشخاص العاديين الذين يساعدهم حلمهم على العفو والتغلب على الغضب بسرعة، والعودة إلى ممارسة حياتهم بابتهاج وانشراح، يستمر الشعور بالغضب والاستياء ينهش في ذهن الغضوب لفترات طويلة قد تدوم ساعات أو أياماً، أو حتى سنوات، ويعجز الزمن عن تخفيف إحساسه هذا. إدارة الغضب للغضب الأهوج الشديد نتائجه على المديين المتوسط والطويل، فالأشخاص الغضوبون عادةً ما يفشلون في إنشاء علاقات وصداقات طويلة الأمد، وهذا يجعلهم أقل اجتماعية، ويجعل الآخرين يتعاملون معهم بحذر شديد اتقاء ثوراتهم الغاضبة لأقل الأسباب. ويقول رايموند تشيب تافراتي، عالم نفساني وأستاذ بجامعة «سنترال كونيكتيكت» ومؤلف كتاب «إدارة الغضب: سبع طرق للسيطرة على الغضب والتمتع بعيشة أسعد»: «يؤثر الغضب على علاقات الفرد الشخصية والمهنية بشكل سلبي، كما أنه يجعل صحته النفسية والبدنية هشةً وسهلة الاختراق». ومن بين عواقب الغضب أنه يزيد نسب الإصابة ببعض الأمراض. وفي هذا الصدد يقول أستاذ علم النفس بجامعة «هوفسترا» بنيويورك البروفسور هوارد كاسينوف: «حين يغضب الشخص، فإن نبضات قلبه تزداد وتتسارع، كما أن ضغط دمه يرتفع». ومع تكرار حدوث ذلك، يتأثر الجسم ويصبح أكثر عُرضةً للإصابة بأمراض القلب وضغط الدم وما يرتبط بهما. ويضيف «كشفت دراسات عديدة أن معدلات الإصابة بجلطات القلب لدى الأشخاص الغضوبين مرتقعة بالمقارنة مع غيرهم». كظْم وحَرَقَان إن تشخيص الغضب اضطراباً عصبياً سلوكياً لا ينحصر في رفع الشخص لصوته أو الصراخ في وجه الآخرين، فـ»ليس هناك مظهر واحد من مظاهر الغضب أو طريقة واحدة تعكس شدة الغضب، وإنما هناك مظاهر عديدة»، يقول تافراتي. ويميل بعض الناس إلى الغضب التعبيري، بحيث يتصفون بعدوانية لفظية أو ينساقون إلى عراكات بدنية عندما يبلغ غضبهم أوجه. بينما هناك أشخاص آخرون غضوبون أيضاً، لكنهم يفضلون عدم الاصطدام مع الآخرين من خلال كظم شدة غيظهم، وهم من النوع الذي يغضب بشدة، لكن لا ينفجر، كما يقول كاسينوف. وهذا الصنف من الغضوبين يعانون حرقان الغضب داخلياً وفي أذهانهم، دون ترجمته إلى أقوال أو أفعال خارجية. تملص عاطفي لا يقبل غالبية الغضوبين فكرة حاجتهم إلى المساعدة أو العلاج. فهم قد يفسرون غضبهم بتعمد الآخرين استفزازهم أو هضمهم حقوقهم. فمشكلات الرجل الأُسرية تُلقى على الزوجة، والصعوبات في العمل تُلقى على الرئيس في العمل، ومشكلات القيادة في الطريق تُلقى على سائقين آخرين. وهكذا نجد الغضوب يرفض تحمل المسؤولية العاطفية الشخصية عن ثوراته العصبية وهيجانه. وعندما يكون الغضوب مدركاً للمشكلة العصبية التي يعانيها، فإن ذلك يساعده على التخلص منها. نظريات حديثة تقوم النظريات الحديثة لإدارة الغضب على تعليم الغضوبين كيفية مقاومة الغضب في أكثر الوضعيات استفزازاً وإثارةً للتوتر من خلال تقنيات الاسترخاء والعلاج المعرفي الإدراكي، وهي تدرب الشخص في الوقت ذاته على مهارات حياتية أخرى تجنبه الغضب، وتساعده على التحول من شخص غضوب إلى شخص حليم وماهر في امتصاص غضب الآخرين. وهذا ينعكس إيجاباً على عمله وحياته الأُسرية، ويساعده على تطوير مشاعره الإيجابية وتنميتها، وتفادي حالات الشعور بالندم بعد فوات الأوان. وبينما يصف علماء النفس رد فعل الغضوب بكونه يحقق له مكسباً عاطفياً فورياً ويجعله يشعر بذاته ورد الاعتبار، فإن خسارته على المديين المتوسط والبعيد تفوق ذلك المكسب العاطفي الوهمي الضيق الذي ينقضي ويتلاشى بعد ثوانٍ معدودة. عن «لوس أنجلوس تايمز» ترجمة: هشام أحناش
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©