الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يد في «تويتر» ويد على «موكا»

يد في «تويتر» ويد على «موكا»
21 يناير 2012
قبل سنتين، كنت أدير كوب “موكا” على طاولتي ليعرف المهندس أنني غير مبالٍ بكلامه عن فيـس بوك وتويتر، فقد جلسنا للاتفاق على إنشاء موقع إلكتروني خاص بي، فإذا به يحكّ رأســه فجأة ويتحدث عن أهمية الانطلاق على جميع المستويات، وضرورة التواصل الاجتماعي من خلال هذين الموقعين، لكنني كنت على قناعة بأنني متواصل اجتماعياً، وبزيادة، فما لي وللـ”فيس” وللـ”تويت”؟ بعد سنة ظهر الموقع وجاءني المهندس يبشّرني بإنشاء صفحتين باسمي في فيس بوك وتويتر. وبالطبع لم أبالِ وسمّيت باسم الله ودخلت موقعي الإلكتروني وعكفت أياماً متواصلة أنقل أمتعتي القديمة، وكل ما كنت قد كتبته، وأعلّق مصابيح كلماتي في أرجاء الموقع، ولم أنسَ الحمام “أجلّكم الله” الذي لا يخلو منه بيت، ووضعت فيه الترّهات التي لا يسلم من كتابتها إلا العظماء. وكنت بين الشهر والآخر أدخل فيسبوك وتويتر وألعب فيهما قليلاً، ولا أدري لم فضّلت الأول على الثاني، ربما بسبب صور الحسناوات، إذ يقال إن من يريد أن يرى أشكال الناس يدخل فيسبوك، ومن يريد أن يرى أفكارهم يدخل تويتر. وعندي أنا صورة جميلة واحدة أفضل من ألف مليون فكرة عظيمة. فجأة، وبينما كنت أتصفّح صفحتي في إحدى المرات تاركاً عيالي وزوجتي يشتاقون إليّ، بينما أجلس في الغرفة المجــاورة، ظهــر لي لا أدري من أين، زميل في العمـل وأخذ يكتب إليّ مباشـــرة، فأرد عليه، وبقينا ساعة نكتب، ومع كل جملة أُطلق زفرة غضب على الشاشة، وكلما ألمحت إلى المغادرة ردّ بعبارة مفتوحة، فأضطر إلى الرد، وربما كتبت عشرة مرات عبارة: تصبح على خير، نلتقي غداً. فيرد: ? الله أعلم ماذا سيقول المدير في الغد؟ ? سيقول خيراً إن شاء الله، تصبح على خير. ? وهل كانت طريقة دعوته لنا للاجتماع تبشّر بالخير؟ ? نعم تبشّر بالخير.. تصبح على خير. ? لستُ متشائماً، لكنني متعجب من كونك متفائلاً. ? أنا متشائل وبين بين.. تصبح على خير. ? وأنت من أهله، بالمناسبة.. وما أن ذهب الزميل في ستين ألف صفحة أغلقت خاصية المحادثة المباشرة، ثم أطفأت الكمبيوتر ولو كان في متناول يدي مقص لقطعت أسلاك الجهاز الذي أوصلني به، فما هذا القرف في تضييع ساعة من العمر مع شخص تجلس إلى جانبه سبع ساعات كل يوم؟ وليتها كانت زميلة. بعد أيام وبينما كنا تحت ظلال مواقف سيارات جهة العمل، أخرج فضولي المساء هاتفه المتحرك ومارس فضولية النهار، فأخذ يلتقط صوراً لنا ونحن في وضعيات غير صحية وتشجّع المراهقين على التدخين، كأننا أبطال فيلم هوليوودي. وفي مساء اليوم نفسه، فتحت صفحتي على فيسبوك لأرى ما حلّ بها بعد خروجي المفاجئ قبل أيام، وكانت الحركة التي نسفت علاقتي الدبلوماسية بها هي صورتي وأنا أحشش. ولا أعرف إلى الآن كم عدد الأشخاص الذين رأوا الصورة، وهل هم من كانوا مرتبطين بصفحته فحسب أم بصفحتي أيضاً؟ لكن لم أتخذ قراراً تجميد العضـوية إلا في اليوم التالي. والذي حصل أنني كنت أحكّ كفيّ أثناء سيري إلى المكتب لتخرج شرارة أشعل بها شعر ذلك الفضولي، وحين دخلت كان الدخان يخرج من رأسه وهو يتحدث في الهاتف مدافعاً عن نفسه بأنه كان يمزح، ثم يسكت برهة ويعود إلى الدفاع ووجهه يصبح أكثر احمراراً، إلى أن أغلق الهاتف فجأة وبقوة. وبلا سؤال مني قال وهو يهز رأسه بضيق إنه وضع بالأمس صورة لصديق له يعيش في أوروبا، مع تغيير اسمه وبعض التفاصيل، ثم ربطه بنداء من أسرة شخص مجنون في بلدهما تطلب فيه مساعدتها في البحث عن ابنهم المجنون وإرجاعه إلى ذويه، فانهالت المكالمات الدولية على صديقه تسأل عنه وعن جنونه الغريب وعن بحث أسرته عنه، وختم كلامه: لا يعرفون شيئاً اسمه دعابة. قلت في نفسي: من الأفضل أن أسكت وأتجاهل المعاتبة لئلا تجيء الدعابة، ثم إنه في النهاية وضع صورتي مقرونة بعبارة فيها كلمة “أستاذ”، ومن تحاكمه المحكمة على قضية قتل متعمد، تعد محاكمته على قضية سب مضيعة للوقت. بعد هذا الموقف الذي أغضبني من فيسبوك، قررت التقرّب إلى شقيقه تويتر، ودخلته من جديد وكتبت فيه بعض التغريدات وأضفت مغرّدين وأضافني مغرّدون، وأصبحت أقضي 10 بالمئة من وقت الإنترنت معه. ويبدو أن نشاطي لم يكن مثمراً، بل كنت تائهاً لا أعرف ما هي قضية تويتر بالضبط، وما هي فلسفته، وطريقة التغريد من فوق شجرته، واختيار المغرّدين، والمحافظة على من اختاروني عصفوراً على شجرتهم، إذ بنقرة واحدة يمكن أن تسقط مذبوحاً من فوق شجرة من يتابعك. وإلى ذلك الوقت كنت متشكّكاً في تويتر ومؤمناً بموقعي الإلكتروني، فهنا أنت في عالمك ولا أحد معك، وهناك مع ملايين الأشخاص من حول العالم. وفي معرض كتاب شاركت به بكتاب، أقيم حفل توقيع شاركت به مع كتّاب آخرين، وخرجت من المعرض أنظر إلى عيني في المرآة الداخلية وأقول: لا يمكن لهاتين العينين إلا أن تكونان لشخص متخلف إلكترونياً، وبالتبعية عقلياً، فهذا من ذاك. جلست في المقهى وقررت أن أكون “تويترياً” لا يهدأ له تغريد، وأصبحت قهوة “موكا” التي أطلبها ساخنة تبرد في يدي، بينما يدي الأخرى تكتب في تويتر. فماذا حصل؟ أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©