الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيول السودان والخلل الإداري

8 أغسطس 2014 23:57
عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا الصور والأفلام المسجلة الكثيرة التي نشرتها المواقع الإلكترونية السودانية وغيرها لا تعطي صورة شاملة وحقيقية عن الدمار والخراب الذي أحدثته الأمطار والسيول الجارفة التي ضربت العاصمة المثلثة (الخرطوم وضواحيها) الأسبوع الماضي. الخرطوم يقول سكانها لم تشهد هذه السيول من قبل. وحسب الأرقام الرسمية، دمرت الأمطار والسيول وجرفت أكثر من ثلاثة ألف منزل أضحى سكانها (وهم أكثر من خمسة عشرة ألف مواطن) في العراء وتحت رحمة السماء وفقد حوالي خمسين مواطن بينهم أطفال وعجزة أرواحهم غرقاً. وتكالبت المآسي على الأهالي المساكين الفقراء. فإلى جانب فقدان المسكن من جوع وعطش هناك خطر الأوبئة الناتجة من المياه التي غطّت الشوارع والمجاري. الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والأمطار هي أحداث ليست من صنع البشر، لكن الإنسان الذي ظلّ في صراع مدى التاريخ مع الطبيعة تمكن من لجم الطبيعة وكوارثها، وتمكن من تقليل خسائرها البشرية والعمرانية. أقصد بذلك الإنسان المستنير الذي تنبثق منه السلطة (الحكومة) التي هي راعية رعاياها والمؤتمنة على حياتهم الآمنة المطمئنة.. فأنت ترى وتسمع كل شهر عن كارثة طبيعية في إحدى بقاع الأرض وتشهد وتسمع عن الجهد البشري، الذي تبذله السلطة لملاقاة الأخطار والنتائج عن كارثة طبيعية ما. ما حدث وما زال مستمراً في الخرطوم وبعض مدن وقرى سودانية أخرى من مآسي الأمطار والسيول أمر لا يحزن المرء فقط، وإنما يدفعه للخوف الشديد على بلد أهله طبيون. وكشفت هذه المآسي فشلاً إدارياً، ولنترك الحديث عن الفشل السياسي والاقتصادي والعجز عن إدارة حياة ومصالح العباد، وكشفت نظام «الإخوان المسلمين»، الذي تمكن وسيطر على كل مناحي الحياة وأحدث خراباً في السودان على مدى ربع قرن من الزمان. إن الجهاز الإداري الضخم في الخرطوم والباهظ التكاليف كان بمقدوره التعامل بطريقة أفضل مع السيول. ولو هذا الجهاز في بلد غير السودان ووقعت هذه الكارثة، لتعرض مباشرة للمساءلة والمحاسبة السياسية الجادة من قبل الجهة التي نصبته لإدارة العاصمة السودانية. الأمطار الكثيرة والفيضانات ليست حدثاً مفاجئاً في الخرطوم وقد وقع مثله من قبل، وهجمت السيول القادمة من الغرب (غرب مدينة أم درمان) والجنوب، وجرفت السيول المكان، وأغرقت وأضحى سكان المناطق الطرفية في أم درمان والخرطوم وبات سكانها في العراء وفقدوا مساكنهم، وفقدوا الطعام والماء، وتعرضوا للأوبئة والأمراض. وتلك الكارثة (السيول) يعرفها طلاب المدارس الثانوية ناهيك عن مهندسي البلديات وأساتذة الجغرافية والمساحة. حدثت هذه الكارثة من قبل وقيل لولاة الأمر إن الحل الصحيح ليس إعادة بناء المناطق المتأثرة بالسيول، إنما في ترحيلهم بعيداً تماماً عن (مجرى السيل) الذي يعرفه الأهالي الحكماء، وتدشين مناطق سكنية جديدة لهم. لكن بعض القائمين على إدارة المدن السودانية، الذين يفهمون أن وظيفتهم هي جلب الضرائب والزكاء ومطاردة المساكين والفقراء في مصادر أرزاقهم لم يسمعوا النصح حتى من بعض إخوانهم المهندسين أصحاب التخصص الذين تم جلبهم من وظائفهم في بعض البلدان العربية. وتكررت الكارثة وانكشف معها الفساد والفشل الإداري وغرق (الجسر) تحت ارتفاع المياه، وانهار سقف صالة المغادرة في مطار الخرطوم الدولي، علماً بأن منظمة الطيران الدولية ساهمت في تجديد بنائه، الذي أقيم على أسس هندسية سليمة ومواد ليست سليمة.. ودخلت المنظمة الدولية (على الخط)، وانكشفت إدارة ولاية الخرطوم، وانكشف عجزها عن إيواء عشر السكان الذين فقدوا منازلهم. فيما سبق من كوارث طبيعية كان الأشقاء في البلاد العربية يسارعون في إقامة جسور الطيران لنقل الخيام المجهزة لإيواء ضحايا الكوارث ونقل المعونات الغذائية والدوائية.. أما الآن وبفصل السياسة الخاطئة التي مارستها السلطة الحاكمة، والتي أفقدت السودان أصدقاءه. وبعد فماذا يمكن للمرء أن يقول أكثر من ذلك؟ كان الله في عون السودان وشعب السودان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©